في الوقت الذي تدك فيه الطائرات
الحربية الروسية مواقع مقاتلي المعارضة في ساحة المعارك في
سوريا، يلعب
خبراء الإستراتيجية العسكرية الروس دورا أدق في دعم الرئيس السوري بشار الأسد.
وقالت مصادر من طرفي القتال في مقابلات جرت خلال الشهرين الأخيرين إن مستشارين روسا يشاركون في رسم الخطط لتأمين دمشق مقر حكم الأسد.
وقال بعض ممن أجرت "رويترز" مقابلات معهم، ومن بينهم مسؤولون عسكريون غير سوريين يقاتلون في صفوف القوات السورية، إن خطط روسيا لدعم دمشق تشمل إضعاف قوات المعارضة في جنوب البلاد بين العاصمة والأردن، والهدف هو تقليص فرص شن المعارضة هجوما كبيرا.
ولم ترد وزارة الدفاع الروسية في موسكو على أسئلة مكتوبة لهذا التقرير. وسبق أن قالت روسيا إنه ليس لها قوات برية في سوريا بخلاف القوات التي تحمي قواعدها.
وتؤكد روسيا أن لها مدربين ومستشارين على الأرض غير أن الدور الذي يؤدونه يقتصر على التدريب وتقديم المشورة فقط.
ويقول مقاتلون من المعارضة ومسؤولون عسكريون غير سوريين إن نفوذ روسيا في التخطيط العسكري واضح بالفعل.
ويقول هؤلاء إن الخبراء الروس لعبوا دورا كبيرا في هجوم الجيش السوري في مطلع العام بمحافظة اللاذقية الساحلية بغرب البلاد موطن الأقلية العلوية التي ينتمي إليها الأسد.
وساهم هذا الهجوم في تمهيد الطريق لتقدم الجيش السوري صوب الحدود التركية ليقطع خطوط إمداد المعارضة من تركيا.
درجات المشاركة
ومع ذلك، تتباين الآراء في مدى المشاركة الروسية في ساحة القتال.
وقال مسؤولان عسكريان غير سوريين لكنهما يشاركان في القتال في صفوف الجيش السوري، إن ضباطا وخبراء عسكريين من روسيا ساعدوا في التخطيط وتوجيه هجوم اللاذقية.
وحسب ما رواه المسؤولان، كان الروس مسؤولين عن نيران المدفعية وتوفير غطاء من النيران وليس الضربات الجوية فقط.
وقال أحد المصادر: "معركة الساحل كانت معركتهم".
وقال مصدر عسكري سوري في دمشق الأسبوع الماضي، مشترطا الاحتفاظ بسرية هويته، إن الروس شركاء للسوريين، لكنه نفى أن الدور القيادي لهم.
وأضاف المصدر: "يجري تعزيز الدور الروسي في المشاركة والتخطيط وتنفيذ العمليات العسكرية طوال الوقت، وهو مشاركة وليس إدارة".
وتابع: "الروس يشاركون في التخطيط البري والجوي، لكن الضباط السوريين في النهاية هم الذين يعرفون الأرض والجبهات والجغرافيا على نحو أفضل".
وقال معارضون في مقابلات مع "رويترز"، من بينهم قائد محلي من جماعة أحرار الشام، إن القوات الروسية تشارك في القتال.
وتقول موسكو إن هدفها الرئيسي في سوريا هو استهداف الجماعات الإسلامية المتشددة التي تمثل خطرا على العالم وعلى روسيا نفسها.
وأبو عمر الشيشاني، قائد قوات تنظيم الدولة من الشيشان، ومن المعتقد أنه يقود آلاف المقاتلين وأغلبهم من الشيشان وآسيا الوسطى.
وقف إطلاق النار
تقول مصادر موالية للحكومة إن الدور الروسي توسع ليشمل تسهيل إبرام اتفاقات محلية لوقف إطلاق النار في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة حول دمشق بهدف إقامة منطقة عازلة حول العاصمة.
ووصف وزير المصالحة الوطنية السوري، علي حيدر، الاتفاقات المحلية لوقف إطلاق النار بأنها سورية تماما حتى إذا كانت تتم في بعض الأحيان بمعاونة روسية.
وقال حيدر في مكتبه في دمشق: "الحقيقة بعدما صار هناك وجود للروس على الأراضي السورية يمكن لهم أن يلعبوا في بعض المناطق دور الوساطة".
وأضاف: "الاتصال مفتوح. الروس يتواصلون عندما يستطيعون طبعا، في دوما وفي مناطق أخرى"، مشيرا إلى منطقة دوما في شرق دمشق. وتابع: "أحيانا بعض المسلحين هم الذين يطلبون وساطة من الروس".
وقال إن الذين يرغبون في الانتقال يريدون ضمانات تتعلق بالمرور الآمن إلى معاقل المسلحين، والذين يرغبون في البقاء يريدون التأكد من أنهم لن يتم تصفيتهم فيما بعد.
وتقول المصادر غير السورية، التي أجرت "رويترز" مقابلات معها، إن المستشارين الروس دبروا اتفاقين تم فيهما إجلاء مقاتلين إسلاميين متشددين من الجنوب إلى مناطق سيطرة جماعاتهم في المحافظات الشمالية والوسطى.
وقال أحد المصدرين العسكريين غير السوريين إن الروس يعملون "في الخفاء" لتسهيل اتفاقات وقف إطلاق النار. وفي بعض الحالات قام الروس بدور الضامن للاتفاق.
وغادرت عشرات السيارات مدنا جنوبية في سوريا في كانون الأول/ ديسمبر حاملة المقاتلين من جبهة النصرة وأسرهم إلى محافظة إدلب الشمالي الخاضع لسيطرة تحالف من الجماعات من بينها جبهة النصرة.
وبعد أسابيع، غادرت قافلة منطقتي الحجر الأسود ومخيم اليرموك بالقرب من دمشق تقل مقاتلين وأسرهم من تنظيم الدولة إلى الرقة معقل التنظيم.
وقال مصدر ثان مطلع على الاتفاقين إن المقاتلين حصلوا على وعد بمرورهم بسلام، وكان الهدف هو تفريغ تلك المناطق من المتشددين الإسلاميين بما يتيح للحكومة إبرام اتفاقات مع قوى المعارضة الباقية.
وقال المصدر: "الروس يريدون تركيز كل المعارك في الشمال ويريدون تحييد الجنوب ودمشق والشريط الساحلي، وأخيرا فهم يعملون من أجل تحقيق حل سياسي أوسع نطاقا".
وتتهم الحكومة السورية وحلفاؤها المعارضة ومقاتليها بتعطيل الجهود الرامية لإنهاء القتال والتوصل إلى حل سياسي.