إنها حكاية الغدر والخسة والحزن والفرح والألم والأمل
إنها سردية الافتراء والإقصاء والقميص -الملطخ بالأسى- منها براء
لازال إخوة "يوسف" يحملون له من الحقد والحسد والكراهية ما تنوء بحمله الجبال.
لا زالوا يأملون الخلاص منه ومن "ثورته" ويخططون لحمله يوما ورميه في بئر " التطرف" .
إخوة يوسف لم يتعلموا شيئا من تاريخهم، ولم يعتبروا بمصير أجدادهم، لم يتخلصوا من الحقد في قلوبهم، لازالوا يعملون ليل نهار دون كلل على إقصاء يوسف .. كل يوسف قد نما في أرض العزة يوما .
يوسف المسكين لم يرتكب ذنبا ولم يحدث إثما، هو فقط قد فاز بقلب "أبيه" ورضا شعبه عندما كان نقي الفطرة، جميل الخلقة، واسع الفهم، عزيزا قد أقسم على ألا يحيا إلا كريما ولو كلفه ذلك حياته.
أدرك يوسف حقيقة الصراع وأن الظلم نهايته السوء، وأن الاستسلام للظلم عاقبته أسوأ من مقاومته، وأن مؤسسات العمالة والظلم والفساد يجب أن تكون إلى زوال، وأن رضا الله مع الأخذ بالأسباب سبيل النصر.
فأبى إخوانه من صلب أبيه ثم من خلفوهم من بعدهم إلا إقصاءه بكل خسة ونذالة.
راودوا عنه أباه واختطفوه من بين يديه باسم الأخوة الكاذبة، واتفقوا عليه وأصدروا "وثيقة العشرة" ثم جاءوا على قميصه ببيان كتب بمداد من زقوم، قد جاء "محسوبا" توقيته بعناية وقالوا "تطرف".
قالوا تطرف لأنه أراد الخلاص من عصابة تحكم بلاده بقوة السلاح والبطش، قتلت إخوانه وأراقت دماءهم حرقا وسحلا ورميا بالرصاص والبهتان.
اتهموه بالتطرف لأنه أراد الخلاص من مؤسسات قد أسست على شفا أجساد شعب وعظامه لم تخدمه يوما، وإنما كانت في خدمة أعدائه كل يوم .
وصموه بالتطرف لأنه يقول الحقيقة التي علمها إياه أباه متبعا ما أنزل عليه من وحي مقدس، دون تزييف أو بحث عن رضا الأسياد في "البيت الأبيض" والكنيست الأسود.
أقصوه باسم التطرف وساووا بينه وبين الذئب الأجرب الذي لا زالت دماء إخوانه تقطر من بين أنيابه، وقالوا يوسف والذئب سواء .. وهم والله قد كذبوا والكذب قد مل من فجورهم !
"وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ"
فبعدما أتموا خطتهم بليل، وأكملوا جريمتهم واجتمعوا على الخلاص من "الثورة"، جاؤوا يكملون المسرحية من أجل استلام قلب أبيهم والسيطرة عليه ، كي يستولوا على رضا شعب يوسف، ويتحدثوا باسمه وباسم ثورته زورا وبهتانا.
وقد تركوا خلفهم يوسف "المتطرف" يئن وحده ويناجي ربه بعدما ألقوه في غياهب الجب وظلمات التدليس والتغييب.
ولكن الله أكبر فقد أبصر "أبوه" ذو البصيرة فعلتهم وضبط جريمتهم وخيانتهم
"قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ".
فهل يئس يوسف وانتكس؟
لا، لم ييأس يوسف أبدا وأكمل ثورته وجهاده، حتى وصل إلى مصر الثورة.
ولكن عصابة الهوى والمناهج الساجدة بين أيدي أجهزة الغرب لم تتركه .. ولن تفعل.
أكملت مؤامرتها فأوصدت أبوابها دونه ومنعت عنه كل شيء.
هنا رفع يوسف يديه لربه في ثبات من صحت عقيدته، وصدقت عزيمته وقال : "رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِين".
ناجى الثائر ربه:
رب السجن أحب إلي من رضا هذه العصابة عني.
رب السجن والهجرة وحتى الموت أحب إلي من السجود لمؤسسات اللات والعزى.
رب السجن أحب إلي من الطواف حول معبد "النظام العالمي"، والسعي بين عملائه واستجداء رضاه ومعونته.
رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه باسم الوطنية والتوافق والاصطفاف المزعوم،
فأبوا إلا سجنه وإقصاءه وقالوا مرة أخرى جريمته "التطرف".