كتاب عربي 21

هل حمى الجيش الثورة؟! (6)

سليم عزوز
1300x600
1300x600
كنا قد ألفنا الدعاية وصدقناها؛ فالجيش جاء لميدان التحرير لحماية الثورة، وكانت بداخلنا رغبة ملحة لتصديق ذلك، وما أريد أن أبرئ نفسي، حتى بعد أن رأينا الآيات، وإذا لم نكن جميعنا قد رأينا مدير المخابرات الحربية "عبد الفتاح السيسي" وهو يطلب إخلاء "الميدان" من الثوار لصالح أنصار مبارك، في يوم "موقعة الجمل"، فقد شاهد العالم كله على الهواء مباشرة تحرك الدبابات على المداخل؛ لإفساح الطريق للخيل التي غزت "التحرير"؛ بهدف إخلائه بالقوة، وهو ما كان "السيسي" قد هدد به قبل قليل!

وقد صدقنا هذه الدعاية، رغم التواطؤ الذي ظهر جليا للثوار الفاعلين في هذا اليوم، عندما سلموا حوالي (220) بلطجيا تم القبض عليهم من داخل "الميدان"، وبحوزتهم الأسلحة البيضاء، للجيش، فشاهدوهم في اليوم التالي يحاولون الإغارة من جديد على "التحرير"، ما يعني أنه تم إخلاء سبيلهم، ولم تتخذ ضدهم الإجراءات القانونية!

في اليوم التالي للموقعة، وبعد أن تأكد للجميع حجم التواطؤ، توقف الثوار عن تسليم الشبيحة لقوات الجيش، واكتفوا بتصوير بطاقاتهم الشخصية، وكأنهم سيتمكنون من محاكمتهم في يوم ما، وقد تولى الحكم المجلس العسكري، بقرار من المخلوع، وأسعدنا قراره؛ لأن القوم هم قادة الجيش الذي حمى الثورة، ولم يكن لدينا رغبة في التفتيش في الدفاتر القديمة، ومن لم يروج لدعاية حماية القوم للثورة، فقد تواطأ مع هذه الدعاية بالصمت، فقد كانت بداخلنا رغبة للتسليم بذلك، حتى نأمن غدرهم بالثورة، وحتى لا يجهروا بالمعصية، يستثني من ذلك صبيان ائتلافات الوجاهة الاجتماعية، والقوى السياسية صنيعة الأجهزة الأمنية في زمن مبارك.

في اليوم التالي لموقعة الجمل، كان علي، كما هي العادة، أن أسير على قدمي من كوبري الجلاء، عند فندق شيراتون القاهرة للتحرير، فقد كان الأمن يمنع مرور السيارات إلى كوبري قصر النيل، بالقرب من "الميدان، وقد راعني في هذا اليوم أن طابور الواقفين قد امتد من "التحرير" حتى نهاية الكوبري، ولمسافة تقترب من الكيلو متر، فذهبت لبدايته؛ لكي أعرف ما الذي يعوق دخولهم، ووجدت ضابط جيش في هذا المدخل يتصرف على أنه "نابليون بونابرت"، ويقوم بإجراءات تستهدف الحد من دخول المتظاهرين، فينظر في بطاقة الداخل، ثم ينظر إليه متفحصا ملامحه، لعله يخفي سلاحا بين عينيه، ثم يقوم بتفتيشه تفتيشا دقيقا، ورغم توافر عدد من الجنود معه، فقد كان يقوم بالمهمة بنفسه؛ بهدف تعطيل الدخول، وربما حتى يمل الراغبون في التظاهر، وربما يستولي عليهم الخوف من عملية نظرات العيون فينصرفوا!

التفتيش والتدقيق، لم يكن يقوم بهما ضباط الجيش في الأيام السابقة، ولكنه كان مهمة يتولاها عدد من الثوار عند كل المداخل، ولأن عشرات كانوا يقومون بها عند كل مدخل فلم يكن هذا يمنع انسياب عملية الدخول، أو يُشعر المتظاهرين بالضجر!

أبديت لنابليون بونابرت احتجاجي على طريقته، التي تبدو أقرب للتنكيل بالمتظاهرين، وكنت أعتقد أن الميدان سيشهد "غارة جديدة"، وأنه يحد بتعنته من دخول الثوار، حتى يتمكن منهم الشبيحة، وقد رأيت بعضهم يقف بالقرب من المدخل غير بعيد، ومن لسعته النار لا يلام إذا نفخ في "الآيس كريم"، لا سيما أن اقتحام الميدان بالخيل والبغال والحمير، في اليوم السابق، كان لقلة عدد المتظاهرين فيه نسبيا، بالمقارنة بالأيام السابقة، وكنت في يوم الموقعة قد دخلت "الميدان" صباحا مع زميلي الكاتب الصحفي "محمد منير"، يمكنني القول إن العدد لم يكن يتجاوز خمسة آلاف شخص، لم يكونوا على قلب رجل واحد، فقد كان بينهم نقاش حاد، بين فريق يرى ضرورة الاستمرار حتى سقوط مبارك، وآخر يرى أن الثورة حققت أهدافها بالخطاب (العاطفي) لمبارك في الليلة السابقة، الذي قال فيه إنه يريد أن يموت على تراب هذا الوطن، وإنه سيغادر موقعه في انتهاء ولايته في سبتمبر المقبل، ولن يترشح مرة أخرى. 

كان كثيرون قد تأثروا بحديث مبارك، فقرروا عدم النزول للتحرير، فقد لامس الخطاب قلوب كثيرين، وزعزع إيمانهم بسلامة الموقف بالاستمرار في الثورة!

عندما أبديت اعتراضي على أسلوب "بونابرت"، وطلبت من الضابط لإثبات حسن النية أن يشرك رجاله معه في عملية التفتيش والتدقيق ونظرة العيون، ثار وهاج، وأعلن أنه يعلم كيف يكسبنا ويجعلنا نصفق له ونقول إنه مع الثورة، لكنه ليس مشغولا برأينا فيه، فهو ينفذ تعليمات قياداته فقط، وعلا صوتي وأنا أخبره أننا لا نصدق أبدا أنهم مع الثورة، فهم مع مبارك، وهم من أفسحوا الطريق لدخول الخيل، وقلت له: وأكبر دليل على أنهم من أدوات مبارك أنهم لم يقوموا بالأمس في مواجهة البلطجية الذين اقتحموا الميدان بما يقوم به اليوم في مواجهة الثوار.

كان والحديث على هذا النحو يضع الهاتف على أذنه، وقد أبعده ليخبرنا أن التعليمات جاءت له الآن من قياداته بوقف حركة الدخول لمدة نصف ساعة، ولم يكن أمامنا من خيار سوى الانتظار، وإذ راعني أن أحدا من الواقفين في الطابور الطويل لم يشاركني في هذا السجال ولو بكلمة اعتراض على هذا التعنت، فقد حمدت لهم أنهم تركوني في المقدمة، وهو ما استفز "نابليون"، وربما دفعه لأن ينفذ التعليمات حتى آخر دقيقة!

بعد انتهاء النصف ساعة، بالغ المذكور في تفتيشي، وكنت غاضبا للغاية. وعلى بعد خطوات، وجدت مجموعة تشير لافتة يحملونها إلى أنهم من الإخوان المسلمين بمحافظة بعينها، فأعلنت عن غضبي، وأشرت للضابط، واتهمته بالتآمر على الثورة، لعلي أستفزهم، وكان رأيي أن اعتراضا جماعيا على هذا التعنت كفيلا بوقفه، لكن أحدهم، ولعله كبيرهم، رمقني بنظرة ساخرة، ربما تريد أن تقول إنني دسيسة للوقيعة بين الجيش والشعب بعد أن صاروا يدا واحدة، وأصبحوا بنعمة الله إخوانا!

لم يكن أحد يريد أن يصدق أن الجيش لم ينزل لحماية الثورة، حتى بعد ما جرى بالأمس، وكنت من الذين يقفزون على التفاصيل، فلم تكن هناك رغبة لتصديق أعيننا، وإعلان الدكتور محمد البلتاجي، في برنامج تلفزيوني بعد تنحي مبارك دور "عبد الفتاح السيسي" في الثورة المضادة، وطلبه إخلاء الميدان لأنصار مبارك، وإلا.. لم يمنع غلمان الثورة من حضور اجتماعاته، والتباهي بالتقاط الصور معه، فهو من قادة الجيش الذي حمى الثورة، بل لم يمنع الرئيس محمد مرسي من أن يرقي "السيسي" رتبتين عسكريتين ويعينه وزيرا للدفاع، ولم يمنع جبهة الإنقاذ من أن تطلب تدخله وتسقط الرئيس المنتخب باسم الانحياز للثورة!

في يوم "موقعة الجمل"، تم اعتقال أحد الصحفيين، وتم الإفراج عنه بعد يومين، وقد سألني عندما التقيته في "التحرير" عقب الإفراج عنه: "هل قرأت عن التعذيب الذي كان يحدث في السجن الحربي في زمن عبد الناصر؟!.. صورة منه تحدث في هذا المكان"، وأشار إلى المتحف، ولأني لم أكن أريد أن أصدق شيئا خلافا للوهم الذي نعيش فيه، فقد قلت له: ربما كانوا بلطجية، فصدمني بقوله: بل من شباب الثورة.

وهو أمر تجاوزته في لحظتها؛ لأني كنت أريد أن أتجاوزه، وهو ملف لم يفتح؛ لأن الثورة دخلت في حالة سكر بيّن بسبب الدعاية عن الجيش الذي حمى الثورة، وأسكرنا عضو المجلس العسكري وهو يلقي بيان الجيش بعد تنحى مبارك، وهو يؤدي التحية العسكرية لشهداء الثورة!

وقد تم الترويج على نطاق واسع لدعاية الجيش الذي حمى الثورة، وبكتابة تفاصيل عن دور المشير محمد حسين طنطاوي في ذلك، أذيعت تلفزيونيا ونشرت مسلسلة في جريدة "الأخبار"، وذلك في الوقت ذاته الذي كان "طنطاوي" يعلن في شهادته بجلسة سرية أمام المحكمة التي تحاكم مبارك أن ثورة يناير مؤامرة أجنبية!

ربما كان هذا اعتقاد كل أعضاء المجلس العسكري، المعين من قبل مبارك، وعندما توجه التحية العسكرية لقتلى المؤامرة الأجنبية، فاعلم حجم النفاق في الموضوع!

لقد كانت هذه الدعاية الكاذبة هي الباب الذي دخل منه الشيطان، وجعل العسكر يرون أن لهم الحق في الحكم. 

ألم يحموا الثورة؟! 


 
التعليقات (2)
على ق
السبت، 13-02-2016 08:13 ص
ئء الجيش المصرى صناعة انجليزية ثم امريكية ثم شيوعية ثم امريكواسرائلية وكل جيوش الدول الاسلامية كذلك فلا ينتظر من هذه الجيوش الا الخراب والحكام منذ مئتى عام مصنوعون من نفس الجهات حتى الان خصوصا منذ انقلابات العسكر وبالاخص منذ انقلاب 52
إسماعيل
الجمعة، 12-02-2016 05:22 م
المأساة أننا أمام شعوب لا يتملكها شيء أكثر من العواطف وأمام ذئاب لا يحسنون شيئاً أكثر من اللعب على تلك العواطف . لو كان هناك منطق ما آمن مصري بجيشه بعد كل النكسات التي تلقاها شعب مصر على يد جيشه . فهل من المعقول أن جيشاً ربته أمريكا بيدها وصنعته على عينها يمكن أن يحقق آمال وتطلعات شعب يسعى الى التحرر من هيمنتها