يا إمامي هذه روحي فسل روحك عنها...
أنت صوت في ضميري يأمر القلب وينهى...
لك في الوجدان آيات يشع النور منها....
لم أكن من بين جند المصطفى إن لم أصنها...
بهذا النداء الصادر من أعماق قلب الابن البار، التقى المجاهد أحمد سيف الإسلام
حسن البنا ( 22 نوفمبر 1934م – 4 فبراير 2016م ) والده الشهيد في المستقر الموعود لنا جميعا، مقدما أسمى قيم الحب والاحترام والاقتداء من ابن لأبيه، ومن جندي إلى قائده ومعلمه.
وقد كتب الأستاذ أحمد سيف الإسلام هذه الأبيات إهداء لوالده في مقدمة تشرف بها لكتاب والده "مقاصد القرآن الكريم" الصادر في 17 صفر 1425هجرية - 7 أبريل عام 2004م عن دار الوثيقة بالكويت، وهو باكورة سلسلة الأعمال الكاملة للإمام البنا، كان هدفها إماطة اللثام عن تراثه الفكري الذي لم ير النور حتي اليوم. وقد ضم هذا الكتاب تفسير الإمام البنا لآيات من القرآن الكريم وبيانا لمعاني ومقاصد القرآن في رؤية فقهية حركية لم يسبقه إليها أحد.
يقول عنه سيف الإسلام يرحمه الله في مقدمته: "هذا التفسير يحمل في طياته نفحة ربانية ولمسة روحانية يشع نورها بين ثناياه، فإضافة إلى أن الله قد وهب كاتبه العديد من الملكات العقلية والنفسية التي جعلت منه عالما فذا فريدا وعلما في مختلف المجالات الدينية والاجتماعية والسياسية، فإنه سبحانه وتعالى قد أفاض عليه من فضله وصدق فيه قوله سبحانه وتعالى: "يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ ومَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ" (269) البقرة، أحسبه كذلك ولا أزكي على الله أحدا، وإلا فكيف يتسنى لشاب لم يبلغ الثالثة والعشرين من عمره واستشهد ولم يبلغ الثالثة والأربعين أن يكتب كل هذه الأدبيات بكل هذه الروعة والانضباط...؟! إنه فضل الله وكفى.
في بيت القرآن ولد سيف الإسلام، وعلا صوت والده مرتلا لآياته، اهتز قلبه وهو يتشرب أحكامه وقيمه وقصصه وعبره.. يقول عن والده: "كان الإمام يدعوني وشقيقتي الكبرى (أم أيمن) حفظها الله ليقرأ علينا القرآن الكريم قبيل الفجر أو قبيل المغرب، خاصة في شهر رمضان، وكان صوته جميلا لم أسمع مثله حتي اليوم، وكانت قراءته في خشوع تام... وفهم وتدبر.. وتأثر بما يقرأ، وكانت عيناه تدمع في بعض الأحيان.. وكنا نتأثر تأثرا قويا بما نسمع منه.. وكان هذا هو المقصود الأول، أما الثاني فكان تعليمنا قراءة القرآن الكريم".
هكذا تفتحت عينا سيف الإسلام الابن الوحيد وأخواته على الحياة.. وهكذا نشأ وترعرع، وخاض مسيرة جهاد طويلة في قافلة الإخوان المسلمين، وقد درس في كلية الحقوق ودرس في الوقت نفسه في كلية دار العلوم، الكلية التي تخرج فيها والده، وحصل على ليسانس الحقوق عام 1956م، وليسانس دار العلوم عام 1957م، وعمل بالمحاماة.
ناله ما نال بقية الإخوان من اعتقال وسجن على امتداد سنوات دعوة الإخوان فقد تم اعتقاله عام 1965م في عهد عبد الناصر ثم أفرج عنه بعد قضاء فترة محدودة مع تحديد إقامته في منزله لمدة عام، ثم اعتقاله ومحاكمته عسكريا عام 1969م، وحكم عليه بالسجن لمدة عشر سنوات، قضى منها أربع سنوات، وخرج في 1 أكتوبر من عام 1973م قبل حرب أكتوبر بخمسة أيام في إطار مساعي السادات لتلاحم الجبهة الداخلية المصرية استعدادا للحرب.
ومع انفراجة جزء من الحرية انتخب عضوا في مجلس الشعب عن دائرة السيدة زينب، وذلك ضمن قائمة التحالف الإسلامي التي ضمت الإخوان وحزبي العمل برئاسة المهندس إبراهيم شكري والأحرار برئاسة أ. مصطفى كامل مراد وذلك في برلمان 1987م. وقد كشفت تلك الانتخابات عن شعبيته الكبيرة التي تأكدت وسط أبناء مهنته ( المحاماة ) حين حصل في انتخابات نقابة المحامين عام 1992م على أعلى الأصوات بين كافة المرشحين بمن فيهم نقيب المحامين في ذلك الوقت أحمد الخواجة، واختير أمينا عاما للنقابة. وتكرر انفراده بأعلى الأصوات بين مرشحي النقابة كافة في انتخابات عام 2001م.
ذلك جانب من مسيرة هذا الرجل الذي رحل عن دنيانا الفانية الخميس الرابع من فبراير الجاري.
رحمك يا سيف الإسلام.. لقد تجرعت العلقم صغيرا وأنت تشاهد دماء أبيك تهدر شهيدا -بإذن الله- وكابدت البلاء وأنت في ربيع صباك.. في الثانية عشرة من عمرك، حين كنت تسير وراء نعش أبيك وحيدا إلى مثواه الأخير.. فكانت جرعة قوة، وجرعة صبر، وجرعة عزة، وجرعة كفاح متواصل من أجل رفعة الإسلام.. جرعة كانت زادك على الطريق.
• الكاتب هو مدير تحرير جريدة الشعب المصرية والمجتمع الكويتية - سابقا