لا يزال عدم التوافق بين العرض والطلب يفاقم المخزون النفطي ويضغط على أسعار النفط الخام. حيث إن سياسة "أوبك" في الدفاع عن حصتها السوقية وعدم خفض الإنتاج أضافت أكثر من مليون برميل في اليوم إلى الإنتاج العالمي خلال الأشهر الـ12 الماضية. كما أن رفع العقوبات الخاصة ببرنامج إيران النووي المفروضة على قطاع النفط يمكن أن يؤدي إلى ارتفاع إنتاجها بنحو 500 ألف برميل في اليوم في هذا العام على أقل تقدير. في هذا الجانب، تقول وكالة الطاقة الدولية أن إيران قد ترفع إنتاجها بنحو 300 ألف برميل في اليوم في الربع الأول من هذا العام، ما قد يفاقم من اختلال التوازن في ميزان العرض والطلب. بالحقيقة، إيران لا تحتاج إلى رفع إنتاجها بسرعة، حيث إنها تمتلك نحو 30 مليون برميل في خزاناتها العائمة. معظم هذه الكمية على الأرجح هي مكثفات نفطية (Condensate)، لكن مع ذلك سوف تضيف إلى التوازن وتتنافس مع غيرها من النفوط في الأسواق العالمية.
في الوقت الحاضر، تنتج "أوبك" أكثر ما هو مطلوب للدفاع عن حصتها في السوق. في العام الماضي، كان الطلب على نفط المنظمة – بما فيها إندونيسيا- نحو 29.5 مليون برميل في اليوم أو أكثر قليلا، في حين أن إنتاجها الفعلي وصل إلى أكثر من 32 مليون برميل في اليوم. من المتوقع أن يصل فائض الإمدادات في الفصل الأول من هذا العام إلى ثلاثة ملايين برميل في اليوم، قبل أي علامة على إعادة التوازن إلى الأسواق تصبح واضحة. تأتي معظم الزيادة في إنتاج "أوبك" من العراق والمملكة العربية السعودية، اللذين قاما برفع حصتهما السوقية إلى 18 في المائة من 17 في المائة قبل عام. إنتاج العراق الآن أعلى من أي وقت مضى عند 4.25 مليون برميل في اليوم.
في حين أن الإنتاج من خارج "أوبك" لم يعد يرتفع على أساس سنوي. حيث كان إنتاج شهر كانون الأول (ديسمبر) الماضي أقل تقريبا بنحو 300 ألف برميل في اليوم ما كان عليه قبل عام – وهذا أول انخفاض على أساس سنوي في أكثر من ثلاث سنوات. في نهاية عام 2015، بلغ إنتاج الولايات المتحدة 9.2 مليون برميل في اليوم، أي نحو 200 ألف برميل في اليوم أقل من الفترة نفسها من العام الذي سبقه ومنخفض عن ذروته 9.7 مليون برميل في اليوم التي وصلها في نيسان (أبريل) 2015. يمكن أن تتطلع "أوبك" إلى حصة أكبر في السوق في عام 2016، حيث إن انخفاض الأسعار أثر على إنتاج النفط الصخري الأمريكي. من المتوقع أن نشهد انخفاضا أسرع في إنتاج النفط الصخري إذا ظلت أسعار النفط عند أو أقل من 30 دولارا للبرميل، حيث انخفض عدد منصات الحفر واتسعت فجوة الإمدادات بين تراجع إنتاج الآبار القديمة وإنتاج الآبار الجديدة.
في شهر كانون الأول (ديسمبر) 2015، كان إنتاج مناطق النفط الصخري السبعة أقل بنحو 290 ألف برميل في اليوم ما كان عليه قبل عام، حسب تقرير إنتاجية الحفر الصادر عن إدارة معلومات الطاقة. وانخفض عدد منصات الحفر إلى 474 من 1265 في الفترة نفسها، ووصل معدل الإنتاج من الآبار الجديدة بالكاد إلى 225 ألف برميل في اليوم.
ويتناقص إنتاج النفط الصخري بنحو 100 ألف برميل في اليوم كل شهر. في الشهر الماضي، كان الإنتاج من تشكيلات باكن والنسر فورد الرئيسة أقل بنحو 700 ألف برميل في اليوم مما كان عليه في شهر كانون الثاني (يناير) 2015، حسب إدارة معلومات الطاقة. لكن إنتاج النفط التقليدي لا يزال أكثر قوة، حيث إن المشاريع العملاقة – التي تم التخطيط لها عندما كانت أسعار النفط أعلى من الآن بكثير – بدأت بالإنتاج. في شهر كانون الأول (ديسمبر) 2015، وصل إنتاج النفط الروسي إلى أعلى مستوى له بعد انهيار الاتحاد السوفياتي إلى 10.8 مليون برميل في اليوم، وإنتاج بحر الشمال كان أعلى بنحو 125 برميلا في اليوم ما كان عليه قبل عام.
هناك توافق أن فائض الإمدادات كان السبب الرئيس وراء تراجع أسواق النفط منذ منتصف عام 2014. لكن الفترة الأخيرة من هبوط الأسعار يبدو لها علاقة أيضا بالطلب. في الواقع، نمو الطلب العالمي على النفط على ما يبدو قد تباطأ. حيث إن الطلب على النفط في الربع الرابع من عام 2015 كان أعلى بنحو 500 ألف برميل في اليوم فقط مما كان عليه قبل عام، بعد أن ارتفع بنحو 1.9 مليون برميل في اليوم في الأرباع الثلاثة الأولى من العام الماضي. بالفعل، انتعاش الاقتصاد العالمي في خطر. حيث خفض صندوق النقد الدولي توقعاته بخصوص الناتج المحلي الإجمالي في آخر تحديث له لآفاق الاقتصاد العالمي، حيث إن تباطؤ النمو الصيني وانخفاض أسعار السلع الأساسية يشكلان ضغوطا على اقتصادات البلدان المصدرة للنفط.
طلب قطاع الصناعة على نواتج التقطير المتوسطة بطيء، والشتاء المعتدل في نصف الكرة الشمالي يخفض الطلب على وقود التدفئة. في شهر كانون الأول (ديسمبر) 2015، انخفض الطلب الأمريكي على نواتج التقطير بشكل حاد بعد أن شهدت ولايات شمال المحيط الأطلسي أكثر مناخ معتدلا في شهري تشرين الأول (أكتوبر) وتشرين الثاني (نوفمبر) في أكثر من 100 عام. وكانت مبيعات زيت التدفئة طفيفة في أوروبا، لكن الطلب على وقود الديزل ارتفع العام الماضي، بفضل النسبة العالية من المركبات التي تعمل بالديزل في أسطول السيارات الخاصة.
من ناحية الخزين، إجمالي مخزونات النفط الخام والمنتجات هي بالفعل أعلى بأكثر من 200 مليون برميل ما كانت عليه قبل عام، وسوف يستمر هذا الفائض في النمو خلال النصف الأول من هذا العام ما لم يستوعب أعضاء "أوبك" الآخرون الإنتاج الإيراني الإضافي. من المتوقع، أن ينخفض الإنتاج من خارج "أوبك" بنحو مليون برميل في اليوم في نهاية الربع الثالث من هذا العام مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق، ما قد يعيد تقريبا التوازن لأسواق النفط. ولكن أسواق النفط العالمية سيجب عليها التعامل مع المخزون الهائل الذي تراكم على مدى العامين الماضيين.