نشرت صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية، مقالا تحليليا للصحفي والكاتب كلود سيكار، حول "
صراع الحضارات" بين الحضارة
الغربية، وبين الحضارة الإسلامية، وخاصة إثر تدفق
المهاجرين إلى
أوروبا.
وقال الكاتب في مقاله الذي ترجمته "
عربي21"، إن تدفق المهاجرين إلى أوروبا خلال عام 2015، بالإضافة إلى الاعتداءات الجنسية التي شهدتها مدينة كولونيا خلال رأس السنة الميلادية؛ شكلت صدمة بالنسبة للأوروبيين.
ونقل عن عالم الاجتماع ماتيو بوك كوتي، قوله في هذا الصدد، إنه "من الصعب أن يدخل مئات الآلاف من الناس لبلد ما؛ دون أن يتسببوا في صدمة ثقافية بينهم وبين البلد المضيف، كما أن هذا الاختلاف يمكن أن يصل إلى صدام حضارات بين الطرفين".
وذكر الكاتب كلود سيكار أن مصطلح "صراع الحضارات" تم استخدامه من قبل علماء الأنثروبولوجيا، أو علم الإنسان، الذي يمثل فرعا من العلوم الإنسانية يهدف إلى دراسة كيفية عيش البشر سويّة، وكيفية تفاعل المجموعات داخل المجتمع مع بعضها البعض، "إلا أن هذا العلم لا يدرّس كثيرا في فرنسا، على الرغم من الحاجة الملحة اليوم لفهم طبيعة الحضارة الإسلامية، وخاصة مع تزايد عدد المسلمين في المجتمع الفرنسي، حيث سيساهم في تسليط الضوء على العديد من التحديات الاجتماعية القائمة".
وأشار إلى التباين الشديد بين كل من الحضارة الغربية، والحضارة الإسلامية، نظرا لأن كل حضارة تمتاز بخصوصياتها، وهويتها، وطريقتها في التفكير، ونظرتها للعالم، بالإضافة إلى تاريخها، مشيرا إلى أن "هاتين الحضارتين كانتا في صراع مستمر منذ حوالي 14 قرنا".
وأضاف سيكار أنه من الصعب فهم المعنى العميق لمفهوم الحضارة، "فأغلب الناس يعتقدون أن الحضارة تقتصر فقط على علامات خارجية يسهل فهمها، مثل الهندسة المعمارية، والموسيقى، وفن الطبخ، والأزياء، والملابس، وغير ذلك، إلا أن الحقيقة أعمق من ذلك بكثير، فالحضارة أسلوب تفكير، ورؤية للعالم الخارجي؛ تتميز بها عن غيرها من الحضارات".
وأشار إلى أن عالم الأثروبولوجيا المكسيكي رودولفو ستافنهاغن، عرّف الحضارة بأنها "مجموعة من السمات الروحية والمادية والفكرية والعاطفية للمجتمع، وهي تشمل أساليب الحياة والعيش المشترك، بالإضافة إلى النظم والقيم والتقاليد والمعتقدات التي تجمع بين أفراد المجتمع"، مضيفا أن "أغلب علماء الأثروبولوجيا؛ أجمعوا على أن أساس كل حضارة هو الدين، حيث إن الحضارة الغربية أساسها الديانتان
اليهودية والمسيحية، في حين أن الحضارة الإسلامية أساسها الدين الإسلامي".
وذهب الكاتب إلى أنه بعد وفاة النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) سنة 632؛ اندلعت الصراعات بين العالم الإسلامي والعالم المسيحي؛ لأسباب مذهبية، وأخرى تتعلق بالأراضي، وأيضا لأسباب نفسية يحاول العلماء إلى الآن دراستها.
وقال إن "الأسباب المذهبية تنبع من هدي النبي في القرآن الكريم، فقد أرسل النبي محمد حتى يفنّد اعتقاد المسيحيين، ويوضح أن النبي عيسى ليس ابن الله، وهو لم يمت على الصليب، وأن الإيمان بالثالوث المقدّس هو شرك بالله. كما أنه تم قبول المسيحيين في المجتمع النبوي؛ نظرا لكونهم من أهل الكتاب، بالإضافة إلى أنهم يؤمنون بالله، لكنهم كانوا يعتبرون أنفسهم مواطنين من الدرجة الثانية، وخاصة بعد أن تم فرض ضريبة محددة عليهم من قبل المسلمين".
وتابع: "أما الأسباب التاريخية، فتمثلت في انطلاق المسلمين بعد وفاة النبي محمد لمحاربة الإمبراطورية الرومانية التي اتخذت من
المسيحية دينا لها منذ أكثر من ثلاثة قرون، بعد أن غزوا كلا من شمال أفريقيا وشبه الجزيرة الأيبيرية، ثم حاولوا لاحقا استعادة بعض الأراضي ضمن الحملة الصليبية، التي ما زالت راسخة في أذهان المسلمين إلى يومنا هذا".
وأوضح أنه "مع بروز القائد العسكري صلاح الدين الأيوبي، الذي حارب المسيحيين في فلسطين، بالإضافة إلى الغزو الذي قام به الأتراك في جميع أنحاء أوروبا الشرقية حتى توسعوا إلى حدود فيينا؛ فقد تم بعد مضيّ عدة قرون إخراج المسيحيين من تلك المناطق".
وذكر الكاتب سيكار أنه خلال القرن التاسع عشر؛ قامت القوى الأوروبية هذه المرة باستعمار البلدان الإسلامية، "ما أدى إلى تزايد حدة الصراع خلال القرن التالي من أجل مجابهة هذا الاستعمار".
واعتبر أن هذه الصراعات، سواء الدينية أم العسكرية، أثرت بشكل كبير على الناس، وخاصة على المسلمين الوافدين إلى أوروبا، حيث إن الهوية الإسلامية راسخة في اللاوعي الجماعي لديهم، "لذلك هم لا يستطيعون التأقلم بسرعة داخل المجتمعات الغربية".
وفي الختام؛ فقد أوضح سيكار أن "التأقلم مع المجتمع الغربي لا يعني التخلي عن الهوية، فالدول الأوروبية وقّعت على الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان التي تمنع البلدان الأعضاء من اتباع سياسة من شأنها أن تستهدف أو تنتهك حقوق هؤلاء المهاجرين، وبالتالي فإن هذه الاتفاقية تضمن لهم الحق في الاحتفاظ بموروثهم الثقافي".