ما يزال شد الحبل قائما بين الأساتذة المتدربين والحكومة المغربية فيما بات يعرف بقضية "
المرسومين" اللذين يعارضهما الأساتذة بشدة وتحاول الحكومة تنفيذهما، مما تسبب في احتقان بين الطرفين دخل شهره الثالث.
ويطالب
الأساتذة المتدربون بإسقاط مرسومين وزاريين أقرتهما وزارة التربية الوطنية، ينص الأول على فصل التكوين عن التوظيف، ويقلص الثاني من قيمة المنحة، معتبرين إياهما "تراجعا خطيرا في القطاع التعليمي".
وتصر الحكومة في شخص رئيسها، عبد الإله بن كيران، على تطبيق المرسومين، مشيرة إلى أنهما سيوسعان من دائرة المستفيدين من التكوين لإعدادهم للالتحاق بالوظيفة العمومية أو القطاع الخاص، لافتة إلى أن المرسومين سيساهمان في "تجويد الولوج لسلك الوظيفة العمومية لقطاع التربية والتكوين".
وللضغط على حكومة ابن كيران، قاطع الأساتذة المتدربون الدراسة النظرية والتطبيقية في جميع مراكز تكوين الأساتذة بالمملكة، معلنين عن استعدادهم لسنة بيضاء إذا اقتضى الأمر، ومحملين الحكومة نتائج هذا الوضع، مؤكدين استمرارهم في احتجاجاتهم إلى حين إسقاط "المرسومين".
وكان من بين وسائل الضغط والاحتجاج التي مارسها الأساتذة المتدربون، أيضا، تدشين هاشتاغ "
#لا_للمرسومين" الذي مايزال يتصدر قائمة الهاشتاغات الأكثر تداولا على شبكات التواصل الاجتماعي بالمغرب، وتنظيم العشرات من الوقفات والمسيرات الجهوية في مختلف المدن المغربية، وكذا تنظيم مسيرتين وطنيتين الأولى في تشرين الثاني/ نوفمبر والثانية في كانون الأول/ ديسمبر من العام الماضي عرفت حضور الآلاف من الأساتذة المتدربين وذويهم.
اقرأ أيضا: انتفاضة أساتذة المغرب ضد وزير التربية بمسيرة حاشدة (فيديو)
في حين تقول الحكومة إنها لن تتراجع عن المرسومين ولن ترضخ لضغوطات المحتجين، جاء ذلك على لسان رئيسها عبد الإله بن كيران في كلمة له، السبت 9 كانون الثاني/يناير، أثناء أشغال المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية (برلمان الحزب)، حيث قال إنه لن يتراجع عن المرسومين الخاصين بمراكز التكوين ولن يخضع للضغط "ولو أدى ذلك إلى سقوط الحكومة".
ولقيت طريقة تعامل الحكومة المغربية مع مطالب الأساتذة المتدربين احتجاجا واستنكارا شديدين من مختلف الهيئات الحقوقية والسياسية والنقابية المغربية، خصوصا بعد
التدخلات الأمنية العنيفة فيما بات يعرف بـ"الخميس الأسود"، حيث شهدت مجموعة من مراكز تكوين الأساتذة المتدربين إصابات بالجملة كان ضحيتها الأساتذة، بعضهم وصفت حالاتهم بالخطيرة.
اقرأ أيضا: إصابات خطيرة بتدخل أمني ضد الأساتذة بالمغرب (فيديو+صور)
ونددت مختلف الأطياف السياسية والحقوقية والنقابية من داخل وخارج المغرب ما وصفوه بـ"القمع" الذي مارسته السلطات الأمنية على الأساتذة المتدربين.
شبيبات إسلامية ويسارية تستنكر
اعتبرت الكتابة الجهوية لشبيبة حزب العدالة والتنمية (الحزب الحاكم) بجهة سوس، أن تعنيف الأساتذة المتدربين بإنزكان (جنوب)، "استهداف للخيار الديمقراطي وانتكاسة حقوقية مقصودة قبل أن يكون استهدافا لأجساد المحتجين"، مستغربة عبر بلاغ لها، "تزامن هذه التدخلات الأمنية العنيفة مع تنامي
الاحتجاجات ضد الوضع الأمني المتردي بالمنطقة".
بدورها، دعت منظمة التجديد الطلابي (الجناح الطلابي لحركة التوحيد والإصلاح)، في بيان أصدرته عقب التدخل، الجهات المسؤولة إلى رد الاعتبار للأساتذة المتدربين بعد تعنيفهم من طرف قوات الأمن، محملة رئيس الحكومة ووزير الداخلية ووزير العدل مسؤولية ما حدث.
أما المكتب الوطني لشبيبة النهج الديمقراطي (معارضة) فقال في بيان له، توصل "
عربي21" بنسخة منه، إن "الأمن عوض أن يستجيب للمطالب العادلة والمشروعة للأساتذة المتدربين، أبى إلا أن يكشف عن طبيعته الدموية بتدخل همجي".
وطالبت الشبيبة الدولة والحكومة بالاستجابة الفورية لمطالب الأساتذة "العادلة والمشروعة" المتمثلة في إلغاء المرسومين.
في حين أدانت شبيبة جماعة العدل والإحسان (معارضة) التدخل الأمني العنيف في حق الأساتذة، وقالت في بيان لها الجمعة، توصل "
عربي21" بنسخة منه، إن الدولة "تقدم دماء الأساتذة المتدربين هدايا على أعتاب مشروع خوصصة التعليم"، معبرة عن استغرابها لـ"حجم القمع والعنف الهمجي ضد حقهم في الاحتجاج السلمي على قرارات حكومية مجحفة وغير عادلة".
منظمات حقوقية تدعو لفتح تحقيق ومحاسبة المسؤولين
المنظمات الحقوقية بمختلف تلاوينها وانتماءاتها السياسية ساندت بدورها الأساتذة المتدربين في مطالبهم، ودعت الحكومة للجلوس إلى طاولة الحوار من أجل معالجة ملف الأساتذة في إطار مقاربة قانونية واجتماعية، مستنكرين العنف غير المبرر الذي مارسته السلطات الأمنية على الأساتذة المتدربين خلال احتجاجاتهم السلمية الأخيرة، ومطالبين بفتح تحقيق في ملابسات التدخلات العنيفة للقوات العمومية.
نقابات مغربية وعربية تدين قمع الأساتذة المتدربين
ودخلت النقابات المغربية والعربية على الخط لتتضامن بدورها مع الأساتذة المتدربين، حيث ندد الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب في بيان للجامعة الوطنية لموظفي التعليم ما أسماه "منطق العنف والقمع كحل لملفهم"، ودعا إلى عقد لقاء مستعجل لمدارسة الحلول الممكنة "درءا لأي احتقان في هذا الموضوع".
بدورها، عبرت النقابة الوطنية للتعليم المنضوية تحت لواء الفيدرالية الديمقراطية للشغل، عن اعتزازها وفخرها بنضالات الأساتذة المتدربين في مختلف المراكز الجهوية للتربية والتكوين، منددة وبشدة بالقمع الدموي الذي تعرضت له معتصماتهم واحتجاجاتهم في أغلب المراكز الجهوية.
أما قطاع التربية والتعليم بجماعة العدل والإحسان، فدعا في بيان له توصل "
عربي 21" نسخة منه، إلى ضرورة "تشكيل جبهة وطنية لحماية ومساندة الأساتذة المتدربين حتى تحقيق مطالبهم المشروعة لأن حمايتهم هي صون للمدرسة العمومية..".
في حين أدان الاتحاد العربي للنقابات، "القمع الذي تعرض له الأساتذة المتدربون من أجل المطالبة السلمية بتعديل وضعيتهم"، مشددا على أن "الأمر يشكل وصمة عار في جبين الدولة المغربية ويتنافى مع المواثيق والمعاهدات الدولية التي صادق عليها المغرب، لاحترام الحقوق الأساسية في العمل وحقوق الإنسان".
وأكد الاتحاد وشبكة الإعلاميين النقابيين العرب وشبكة الشباب النقابي العربي وشبكة المرأة العربية النقابية، "مساندتهم ودعمهم اللامشروط للأساتذة المتدربين بالمغرب".
وزارة الداخلية المغربية تبرر
قالت وزارة الداخلية المغربية في بيان لها، مبررة تدخلها لفض مسيرات الأساتذة المتدربين الخميس الماضي، إنه "إذا كانت هذه المسيرات لم يتم التصريح بها وتم تبليغ قرارات منعها للمعنيين بالأمر، فإن بعض الطلبة أصروا على تنظيمها في خرق تام للقانون"، مشيرا إلى أنه "أمام ذلك قامت السلطات المحلية والقوات العمومية، في امتثال تام للضوابط والأحكام القانونية، بمحاولات لثني المحتجين عن الاستمرار في خرق القانون ومطالبتهم بفض تجمهراتهم، وهو ما استجاب له الطلبة بكل من فاس وطنجة".
وأضاف البيان: "أما مجموعات المحتجين بكل من الدار البيضاء ومراكش وإنزكان، وبتشجيع من بعض الأطراف التي اعتادت الركوب على بعض المطالب الفئوية لإذكاء الفوضى، فقد عمدت إلى تحدي القوات العمومية واستفزازها والإقدام على محاولة اختراق الطوق الأمني لدفعها للمواجهة، مما خلف نوعا من الفوضى والتدافع وسط المحتجين أدى إلى وقوع إصابات خفيفة وتسجيل حالات عديدة من التظاهر بالإغماء في صفوف المتظاهرين".
وزير العدل يعد بفتح تحقيق عميق
وعد وزير العدل والحريات، مصطفى الرميد، بفتح تحقيق وصفه بـ"العميق" من أجل تحديد المسؤوليات وترتيب الجزاءات على خلفية التدخل الأمني العنيف الذي عرفته مجموعة من مراكز تكوين الأساتذة، ويأتي ذلك في سياق مقابلة الأساتذة المتدربين لوالي جهة سوس ماسة زينب العدوي، الجمعة الماضية، على هامش ندوة نظمتها رابطة قضاة المغرب والتي حضرها وزير العدل والحريات.
كسور وشلل وإغماءات حصيلة التدخل الأمني
كشفت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، بالاعتماد على تقرير من التنسيقية الوطنية للأساتذة المتدربين بالمغرب، ومن خلال بعض تقارير فروعها في مجموعة من المدن المغربية، عن الحصيلة الأولية التي خلفها التدخل الأمني في حق الأساتذة المتدربين الخميس الماضي.
وقالت الجمعية في بيان لها، نشر على موقعها الإلكتروني، الاثنين، إن التدخل الأمني في حق الأساتذة المتدربين خلف إصابات تتنوع بين الكسور والشلل والإغماءات، وأشارت إلى أن مدينة إنزكان (جنوب) هي التي تصدرت عدد الإصابات بحوالي 100 إصابة، 50 حالة نقلت إلى المستشفى، تلتها مدينة الدار البيضاء (وسط) بـ40 حالة، أما مدينة مراكش (جنوب) فشهدت إصابة 20 شخصا، منها حالة شلل نصفي مازالت في العناية المركزة، في حين عرفت مدينة طنجة (شمال) ثماني حالات خطيرة، منها حالة اختناق رئوية، وإصابات قريبة من العمود الفقري.
ويستمر الضغط والاحتجاج
أجمع المحتجون في الوقفة التضامنية مع الأساتذة المتدربين، الأحد، أمام قبة البرلمان بالرباط، على التنديد بالعنف الذي تعرض له هؤلاء الأساتذة في العديد من مراكز التكوين الخميس الماضي، وطالبوا بمحاسبة المسؤولين عن هذا العنف، والتعجيل بحل للملف المطلبي للأساتذة.
اقرأ أيضا: تنديد حقوقي وسياسي مغربي بقمع الأساتذة المتدربين (فيديو)
الوقفة التي دعت إليها هيئات حقوقية وسياسية ومدنية عرفت رفع شعارات تنديدية بسياسة ابن كيران في التعاطي مع ملف الأساتذة، وأخرى تستنكر العنف الذي تعرض له مربو الأجيال المستقبليين، وقال قياديو التنسيقية الوطنية للأساتذة المتدربين، خلال الوقفة التضامنية، إن نضالهم سيستمر حتى إلغاء ما أسموه بـ"المرسومين المشؤومين" ولن يثنيهم عن ذلك العنف الممارس عليهم، وسيتشبثون بسلمية احتجاجاتهم.
اقرأ أيضا: غضب ودعوات لمسيرة وطنية بعد الاعتداء على الأساتذة بالمغرب