نشر موقع "ديبلواب" الفرنسي، تقريرا عن دراسة فرنسية أجريت مؤخرا حول مشكلة غلق الحدود بين
الجزائر والمغرب، وأسباب هذا الإجراء الذي يتمسك به الجانبان منذ عقدين من الزمن، وما نتج عنه من أضرار اقتصادية كبيرة، وتفاقم لظاهرة
التهريب وتجارة الممنوعات.
وقال الموقع في تقريره الذي ترجمته "
عربي21"، إن الحدود الجزائرية
المغربية البالغ طولها 1559 كيلومترا، مغلقة رسميا أمام جميع أنواع الحركة والمبادلات، وهو أمر لا يثار كثيرا في كواليس السياسة الدولية، رغم تأثيراته الكبيرة على الجارين، ربما لأن العلاقة بينهما لا تصل لمرحلة التوتر والمواجهة العسكرية؛ مثلما هو الحال بين الجارتين الكوريتين.
وأضاف أن الوضع على الحدود يتحول شيئا فشيئا إلى عقبة حقيقية تقف أمام البلدين، في ظل تواجد عسكري كثيف، ومراقبة مشددة من قبل حرس الحدود للنقاط الحدودية من كلا الجانبين، كما لو أنها حدود تفصل بين فلسطين و"إسرائيل"، ويفترض أن يكون المرور بشكل سري بين هذه الحدود مستحيلا، ولكن الواقع على الأرض يظهر غير ذلك، حيث إن عمليات التهريب تتم بشكل مكثف، ما يطرح تساؤلات عديدة حول فاعلية ومصداقية إجراء غلق الحدود.
وذكر التقرير أن النزاعات الحدودية بين المغرب والجزائر ليست جديدة، حيث تعود أولى الخلافات إلى عهد الاستعمار الفرنسي، حيث تم إلحاق بعض المناطق المغربية بالجزائر بين 1845 و1950، ثم خلال حرب الاستقلال تمت إثارة التفاوض حول هذه المسألة بين قادة الجانبين، ولكن هذه المحادثات تم تجميدها بعد صعود قيادات مرحلة ما بعد الاستقلال منذ عام 1962، وهو أمر لم يرق أبدا للمملكة المغربية.
وبيّن أن العلاقة بين الجانبين ظلت متأرجحة بين التقارب والتخاصم إلى حدود عام 1994، الذي شهد نقطة تحول في العلاقات، بسبب عملية تفجير حصلت في فندق بمراكش، اتهمت السلطات المغربية المخابرات الجزائرية بالتورط فيها، ما أدى لإطلاق سلسلة إجراءات من الجانبين؛ شملت ترحيل الرعايا، وفرض التأشيرة، وغلق الحدود.
وأوضح أن الوضع الحدودي الحالي بين الجانبين يكشف عن مفارقات غريبة، حيث إن المرور عبر الحدود ممنوع قانونيا، ولكن يمكن السفر بين البلدين عبر الطائرة، وبعد الحصول على التأشيرة، "أما قبل عام 1994؛ فقد كانت الطريق الرابطة بين مدينة وجدة المغربية، وشمال غرب الجزائر؛ تعج بالمسافرين من الجنسيتين، وكانت الروابط بين سكان
المناطق الحدودية من الجانبين قوية من النواحي الثقافية واللغوية.
وأكد التقرير أن المرور عبر الحدود البرية قبل 2013 كان ممكنا بشكل غير رسمي لأي شخص، بشرط المشي على الأقدام، ودفع مبلغ لحرس الحدود يتراوح بين 20 و40 أورو، ولكن منذ المظاهرات التي حصلت أمام السفارة الجزائرية في الرباط، ووقوع تبادل لإطلاق النار على الحدود في 2014، فقد أصبح المرور أكثر صعوبة، ويتم بالاعتماد على دفع المال للمهربين، والمخاطرة للعبور بشكل أكثر سرية.
في المقابل؛ أشار التقرير إلى أن الأزمات السياسية، وإجراءات غلق الحدود؛ لم تؤدِّ إلى موت حركة المبادلات التجارية بين الجانبين، حيث إن هذه الحدود مليئة بالممرات السرية، وتنشط فيها عمليات التهريب، لعدة أسباب.
وأضاف أن الجانب المغربي يحتاج أولا للنفط الجزائري، ويؤكد سكان المناطق الحدودية أن تجارة الوقود تحتل صدارة البضائع المهربة، خاصة أن ثمنه في الجزائر أرخص بست مرات. وفي الجانب الآخر يبيع المهربون المغاربة
مخدرات الحشيش التي تعد المغرب من أكبر منتجيها في العالم، وتنشط عمليات تهريب المواد الغذائية المدعمة من قبل الدولة الجزائرية، بالإضافة لبعض المواد الأولية الأخرى والكحول والنسيج من الجانب المغربي.
ولفت التقرير إلى أن الأساليب التي يعتمدها المهربون متنوعة، وتشير الشهادات المتوفرة إلى أنهم يسلكون طرقا سرية، وممرات فرعية غير مهيأة؛ لا يمكن المرور فيها بالسيارة، كما أنهم يمرون عبر الحدود الجنوبية التي تكون الرقابة فيها أقل، ويفضلون المرور في الليل تحت جنح الظلام، "ومنذ أن عمدت السلطات الجزائرية لحفر خنادق؛ فقد ابتدع المهربون فكرة استعمال الحمير لنقل البضائع المهربة".
وقال التقرير إن الجزائر والمغرب أمام تفاقم ظاهرة تهريب السلع وتجارة الممنوعات؛ تفضلان تشديد إجراءات غلق الحدود، عوضا عن فتحها، وتنظيم التجارة في إطار القانون، ويواصل كل طرف تقديم قائمة من الذرائع والمخاوف التي تبرر هذه القطيعة بين الجارين.
وذكر التقرير أن هذا الوضع أدى إلى تشتيت آلاف العائلات الممتدة على جانبي الحدود، كما أن من يريد المرور من جانب للآخر؛ يتكبد عناء كبيرا، ومشقة زائدة لا مبرر لها، كما أن كثرة الطلب المغربي على الوقود؛ تؤدي أحيانا لاختفائه من المناطق الحدودية الجزائرية، وحرمان المستهلكين منه؛ لأنه يُباع بثمن أعلى بخمس مرات في المغرب بعد تهريبه.
ويتعرض الجانب المغربي أيضا لضرر كبير، حيث إن الفنادق والمقاهي التي كانت تقدم خدماتها للمسافرين أغلقت أبوابها، بعد أن كان حوالي مليوني جزائري يمرون عبرها كل سنة، وأغلقت محطات بيع الوقود كذلك بسبب اعتماد السكان على الوقود المهرب.
وفي الختام؛ حذر التقرير من أن التباعد بين الجزائر والمغرب يزداد يوما بعد يوم، رغم أن هذه الخلافات في الحقيقة موجودة فقط بين السلطات من الجانبين، "أما الشعبان فلا تزال تجمعهما علاقات أخوة واحترام رغم طول فترة غلق الحدود".