اطلعت على المباردة التي تقدم بها أربعة وأربعون نائبا برلمانيا من نواب
الإخوان الموجودين في الخارج حاملة مقترحات لحل
الأزمة الدائرة داخل البيت الإخواني.. ولا شك أن أي محاولة أو مبادرة لحل الخلافات أمر محمود.. فإصلاح ذات البين فريضة.
أضف إلى ذلك أن ما احتوت عليه المبادرة من معاني عن "وحدة الصف ..ورأب الصدع ..والدعوة لتوسيع قاعدة الشورى" وغيرها من المعاني القيمة هي معاني لا خلاف عليها .. كما أن استشعار المسؤولية هو ما دفع لصياغة تلك المبادرة .. " إدراكا لخطورة الوضع القائم ...ودرءا للمفسدة وجلبا للمصلحة وإعمالا لواجب النصيحة بضوبطها مهما كان موقع المنصوح له .."، وفق ما جاء في صدر المبادرة.
لكني عدت إلى نفسي بعد قراءة تلك المبادرة وأنا أردد المثل العامي "النصيحة على الملأ فضيحة"، خاصة أن أبواب إلقاء النصيحة داخل جماعة الإخوان لم تسد وطرقها معروفة وآليتها محددة والمنصوح له معروف وغير مجهول .. فلماذا تلقون بالنصيحة - يرحمكم الله - في غير مكانها ليسمعها القاصي والداني قبل أن يسمعها صاحبها المعني بها؟ اللهم إلا إذا كنتم قد بتم لا تعرفون العنوان الذي تتوجهون إليه بنصائحكم أو مبادرتكم. وغالب ظني أن المعني بتلك المبادرة هي قيادة الإخوان المعروفة للكافة وفقا للوائح لمن يتحدثون عن المؤسسية واحترام اللوائح.
ومن لديه علم بهيكل آخر جديد منتخب من مجلس الشورى العام الذي تتواصل ولايته ولم ينتخب غيره حتى الآن فليبرزه. مرة أخرى حديثي هنا لمن يؤمن بالمؤسسية واللوائح والنظام العام وليس موجها لأصحاب التمنيات والأمنيات التي ينافحون لتحقيقها بطرقهم الخاصة.
عود على بدء ..فإن لي على تلك المبادرة – كواحد من قرائها ومتابعيها - ملاحظات من حيث الشكل والمضمون.
وبادئ ذي بدء فإن الأعراف المنطقية داخل المنظمات والجماعات والأحزاب الحية التي تؤمن بإفساح المجال لرؤى أبنائها تقضي بأن كل فرد يمكنه إسداء ما شاء من نصائح داخل مؤسسته وليس خارجها، خاصة في حال أزمة مثل الأزمة الداخلية التي يمر بها الاخوان، ذلك إن كان يريد إصلاحا حقا، أما اللجوء إلى ذلك عبر وسائل
الإعلام فذلك شأن آخر يسأل عنه من سلكه.
وبصرف النظر عن ماهية تلك المبادرة فإنني أتساءل: هل تحل الأزمات عبر الإعلام، وهل الفضائيات ومواقع النت باتت هي الميدان المناسب لعرض مثل تلك المبادرات؟! ... لا أعتقد أن ذلك الأسلوب يحل مشكلة أو يسهم في فك أزمة.
نحن جميعا نتابع جهود ومبادرات الوسطاء لحل الأزمات بين الدول والأطراف، وبات من المعلوم أن السبيل لإنجاح ذلك هو " الكتمان " بعيدا عن الأعين والألسن والأضواء حتى تؤتي ثمارها .. فكيف فاتكم ذلك؟ ألم يكن من الأولى أن تفعلوها بعيدا عن الإعلام؟
ثم .. لكي تكتسب المبادرة نوعا من المصداقية، كان ينبغي أن يوقع عليها النواب الأربعة والأربعون بأسمائهم حتى نعرف أصحاب تلك المبادرة الكرام ...فلماذا لم يوقعوا؟!
وقد سألت عددا النواب عن معلوماتهم ومواقفهم من تلك المبادرة فأفادني بعضهم أنه لا يعلم عنها شيئا، وعلمت أن معظم النواب يعارضون طرحها عبر وسائل الإعلام، كما أن عددا غير قليل في كل من السودان وقطر يتحفظون عليها.
هذه واحدة، ومن ناحية أخرى فإن رئيس مكتب الأزمة ونائبه نواب بينكم في
البرلمان كما أن رئيس البرلمان الشرعي هو من بين أعضاء مكتب الأزمة .. ألا يلقي ذلك بظلاله على تلك المبادرة؟ خاصة أن صلبها وفحواها يدعو إلى ما تدعو إليه بيانات مكتب الأزمة الأخيرة وكذلك بقية المبادرات الجزئية المطروحة من بعضكم ومن طرف قريب منكم، ألا يهز كل ما سبق مصداقية مبادرتكم بصورة مبدئية؟!
ومع ذلك، لندخل إلى المبادرة ولنتوقف أمام بعض بنودها وقفات سريعة:
تقولون إنكم استمعتم إلى كل الأطراف .. وسؤالي: من هي تلك الأطراف؟ هل استمعتم إلى الداخل وهو الطرف الأصيل في
الجماعة والطرف الفاعل على الأرض ..؟ إن كان الجواب بنعم .. فمن هو بالضبط وكيف استمعتم إليه؟
هل استمعتم لمؤسسات الجماعة المعتبرة وأبرزها مجلس الشورى العام ؟.. ولو تكرمتم لا تقولوا لي إنكم استمعتم إلى بعض أعضاء مجلس الشورى العام لتقنوعوني بأنكم استمعتم للمجلس، فهناك ثلاثة أو أربعة من هذا المجلس.. هم أعضاء في البرلمان ومكتب الأزمة.. وذلك بالمناسبة دليل على أن الجماعة تمكن أبناءها من تولي المواقع المتقدمة شبابا وشيوخا.. وعندما يكون المرء نائبا في البرلمان وعضوا في مكتب الأزمة وعضوا في المجلس الثوري فلابد أن تكون حركته في مجريات الأحداث واضحة!
وقد علمت أنه تم ترتيب لقاء بناء على طلب من عدد من النواب مع الدكتور محمود حسين، الأمين العام للجماعة، ليروي لهم الأحداث من وجهة نظره. وقد أفادني أحد الأفاضل الذين رتبوا هذا اللقاء أن الأمين العام للجماعة قدم شرحا وافيا للأحداث منذ الانقلاب حتى يوم انعقاد اللقاء.
وأمام مبادرتكم تلك التي تضع تصورا لحل الأزمة، هناك قرارات نافذة أصدرها مجلس الشورى العام وهو أعلى سلطة في الجماعة، فهل استمعتم إليه وتابعتم ما أصدره من قرارات نافذة على الجميع؟ وهل اطلع عليها أصحاب المبادرة قبل صياغة مبادرتهم ؟ ثم أيهما أولى بالتطبيق، قرارات مجلس الشورى العام أم مبادرتكم التي تتصادم في بنود منها بقرارات مجلس الشورى؟
والغريب أنني أشتم من كلامكم أنكم كونكم نوابا أصحاب مواقع قيادية في الجماعة وأنكم منتخبون من بين صفوف الإخوان .. فكيف تفوتكم تلك البديهيات؟!
نعم أسلم لكم أنكم كنتم قيادات داخل الجماعة ثم أصبحتم نوابا في البرلمان، وقبل الانتخابات العامة اختارتكم مجموعات انتخابية ضيقة داخل الإخوان لتزكية من تراه منكم مناسبا، ولكنها ليست انتخابات من القاعدة حتى القمة كانتخابات مجلس الشورى العام، وعموما فذلك أمر يحمد للقيادة التي أدارت ذلك ... تلك القيادة التي ترمي بالحجر صباح مساء من البعض وبات لسان حالها يقول:
أعلمه الرماية كل يوم فلما اشتد ساعده رماني
كم علمته نظم القوافي فلما قال قافية هجاني
أسأل حضراتكم : هل أنتم أولى بالاستماع والاتباع أم مجلس شورى الجماعة، أعلى هيئة، الذي يعد ثمرة انتخابات عامة داخل الجماعة من القاعدة إلى القمة؟.. كيف تتجاهلون هذا وتثبتون لأنفسكم وضعا ليس من حقكم؟
وبالطبع فأنا أربأ بعقولكم النيرة أن تعيروا أي انتباه للكلام الذي يزين لكم بأنكم يمكن أن تحلوا بديلا عن مجلس شورى الجماعة على قاعدة هم منتخبون وأنتم منتخبون.. هذه فتاوى سياسية فاسدة هدفها صب الزيت على النار لخلق مشكلة جديدة، فبعد عملية تصنيع مكتب الأزمة ليتصارع مع كل الكيانات القائمة ويحدث ما تابعناه خلال عام كامل، تجري محاولة ممن صنعوا تلك الأزمة سابقا لصناعة كيان جديد اسمه مجلس شورى جديد للجماعة من بين السادة النواب.. إنها محاولة لفتنة جديدة سيحاسب الله من يوقظها!.
يا حضرات البرلمانين الأربعة والأربعين.. هل سمعتم أن المهندسين أو الأطباء من الإخوان التقوا لمناقشة شؤون الإخوان الداخلية على صفحات الإعلام؟.. ثم وجهوا مبادرات إعلامية لحلها .. إن لشؤون الإخوان الداخلية أوعية وهياكل ولجانا تتخصص في ذلك، ومن أراد المناقشة أو المبادرة فعبر الطرق الرسمية المعروفة.
نقطة أخيرة وهي أننا نلمح من تلك المبادرة أن الخارج المتمثل في حضراتكم يتدخل في شأن الداخل بل ويسعي لإدارة شؤونه بدعوى أنه الأقدر على إدارة شؤون الجماعة ، فلماذا تنكرون على الرابطة وغيرها من قيادات الخارج دورهم ولم تضعوا أيديكم في أيديهم؟... ولماذا رفضتم تعيين قيادة الإخوان متحدثا إعلاميا من الخارج؟! أم هي حلال لكم حرام على غيركم !
استحلفكم بالله.. لم يمض على تشكيل مجلسكم الموقر من الوقت غير القليل، فما تقييكم لإعمال المؤسسية والشورى بينكم في اتخاذ القرار؟.. ليتكم تقدمون نموذجكم المثالي للإخوان جميعا في الإدارة والتداول والشفافية ليطبقوه على هياكلهم – أشهد الله أنني أقولها بصدق احتراما لكم - ألستم قيادات في الإخوان وقيادات برلمانية حالية تجد في نفسها القدرة على إصلاح الجماعة ... أطلعونا على ما فعلتم!
وبعد.. لقد أحجمت عن الخوض الإعلامي في تلك الخلافات من البداية، داعيا الله أن يلطف بتلك الجماعة الوطنية ذات التاريخ العريق وسجل الكفاح الطويل ضد الهجمات الاستعمارية ، لكن الأمر استفحل حتى بتنا لا نرى إلا طرفا واحدا مستأسدا على الساحة الإعلامية وبات يمطرنا بين الحين والآخر ببيانات نارية يتناقلها الإعلام حاملة معلومات مغلوطة تحاكم من تشاء وتعز من تشاء دون حسيب أو رقابة ولم نسمع منكم كلمة حق في ذلك ، ولم نعلم بأن أحدا سعى لوقف ذلك. ولله الأمر من قبل ومن بعد.