ما إن تصاعدت عمليات الدهس والطعن مع بداية الانتفاضة
الفلسطينية الثالثة، مطلع تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، حتى بدأت قوات الاحتلال
الإسرائيلي ممارساتها بالتضييق على سكان
الضفة والقدس المحتلتين، بنشر مئات
الحواجز العسكرية الثابتة والمتحركة، على مداخل ومخارج المدن الفلسطينية.
ويؤكد فلسطينيون في أحاديث منفصلة لـ"عربي21"، أن تلك الحواجز ساهمت في تقطيع أوصال المدن، ونجحت في عزل بعضها عن بعض، وذلك في إطار العقوبات الجماعية التي ينتهجها الاحتلال ضد المواطنين الفلسطينيين.
قطعة من الموت
ويقول السائق عمر عيد (48 عاما)، من سكان بلدة بورين قضاء نابلس، لـ"عربي21": "الحواجز تؤثر على حياتنا اليومية، وكثير من المواطنين لا يستطيع الوصول إلى مكان عمله أو جامعته في الوقت المناسب"، معتبرا أن ادعاءات الاحتلال بنشر الحواجز للحيلولة دون وقع عمليات فدائية "واهية".
ولفت السائق، الذي ينتقل كثيرا بين تلك الحواجز، إلى أن الحواجز الإسرائيلية هي "ساحة إعدام للفلسطينيين والتنكيل بهم"، موضحا أن مدينة القدس وحدها يوجد فيها أكثر من 18 حاجزا عسكريا "تنتهك حقوقنا في حرية التنقل والحركة".
وأضاف قائلا: "كوني سائقا، أكون شاهدا على ممارسات الجنود، بإطلاق النار مباشرة على من يشتبه به أو اعتقاله والتنكيل به".
ويمثل الحاجز بالنسبة لعلاء الطيطي معاناة يومية؛ لأنه بحسب قوله :"هو قطعة من الموت"، حيث أفاد بأنه كاد أن يُقتل بعد تعرضه لإطلاق النار على أحد الحواجز خلال مروره، منوها إلى أن "إغلاق الحواجز لساعات طويلة يتكرر بسبب التفتيشات الدقيقة من قبل جنود الاحتلال للمواطنين المارين عبره".
وأضاف لـ"عربي21": "أحيانا أضطر للعودة إلى المنزل دون تحقيق غاية الانتقال واجتياز الحاجز"، موضحا أنه يضطر للمشي مسافة طويلة ابتعادا عن الاختناق المروري عندما يكون الحاجز مغلقا؛ من أجل العودة إلى منزله الكائن في مخيم العروب بمدينة الخليل، حيث تنتابك مشاعر مختلطة خشية رصاصة يطلقها جنود الاحتلال.
انتظار يطول
وتابع بقوله: "هنا تكون المشكلة، فجنود الاحتلال وبمجرد ترجل المواطنين يعلنون الاستنفار داخل الأبراج، ويهمون بالصراخ وإشهار الأسلحة في وجوهنا"، بحسب قوله.
معاناة المهندسة إسلام هندي (24عاما)، من بلدة تل قضاء نابلس، وتعمل في مدينة رام الله، لا تختلف كثيرا. وتوضح لـ"عربي21" أن "وقت اجتياز الحاجز يستغرق خمس دقائق، ويصل أحيانا إلى أكثر من ساعتين"، والأسباب كما تشير هي "إجراءات الإذلال بتدقيق الهويات وإنزال الركاب من السيارات". وتقول: "فقط يصرون على إهدار أوقاتنا وإذلالنا".
وحول رد فعل المواطنين الفلسطينيين في مثل تلك الحالات، أشارت إلى أن البعض "يصيبه الملل فيترك السيارة ويترجل وصولا إلى سيارة في أول الصف الطويل، عله يحظى بفرصة أسرع، فيما يتبادل آخرون الأحاديث عن مدى الإذلال الذي يعيشون تفاصيله على الحواجز، ووسط هذا وذاك تسمع بكاء الأطفال الذي لا ينقطع"، وفق قولها.
وتتحدث هندي عن معارك "بالشتائم بين جنود الاحتلال والسائقين الذين يستخدمون أصوات أبواق سياراتهم، وربما تتطور لإطلاق نار من قبل الجنود"، موضحة أن من المواقف المرعبة حين يحدث على الحواجز إطلاق النار ويصاب أحد المواطنين.
وأكدت هندي أنها كانت شاهدة على إطلاق جنود الاحتلال الرصاص على فتاة فلسطينية داخل سيارة عند حاجز زعترة في وقت سابق.
طرق وعرة
وتشكو المواطنة سماح وليد (28 عاما)، من قرية برقين بقضاء سلفيت، من "مزاجية جنود الاحتلال" على الحواجز، مؤكدة لـ"عربي21" أنها وصديقتها لم يكن أمامهن حينما أغلق الحاجز في إحدى المرات؛ سوى سلوك "طرق وعرة" للوصول إلى بلدتهن سلفيت.
وتضيف مبتسمة من الغيظ: "يومها ضللنا الطريق من كثرة الحواجز ومضايقات الجنود، ووصلنا إلى المنزل بعد خمس ساعات، رغم أن المسافة لا تحتاج أكثر من الساعة"، كما تقول.
وتلفت سماح وليد إلى أن المواطن "لا يملك خيارا للمرور سوى الانتظار وتحمل فظاظة الجنود، وإلا يكون مصيره الاعتقال أو الاستهداف بإطلاق النار".
ووفقا لدراسة أعدها مركز القدس لدراسات الشأن الإسرائيلي، فإن الاحتلال منذ بداية أحداث الانتفاضة الثالثة، أعاد نشر الحواجز الثابتة والطيارة بكثافة في مختلف المناطق الفلسطينية المحتلة، خاصة مدينتي القدس والخليل، حيث قطعت الحواجز ونقاط التفتيش الإسرائيلية أوصالهما.
وبحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA)، فإن عدد الحواجز التي تعرقل حركة الفلسطينيين في الضفة الغربية بلغ نحو 522 حاجزا، شكلت مصدرا لمأساة يومية يعيشها المواطن الفلسطيني.