أطلق متمردو
اليمن، خلال اليومين الماضيين، أكثر من خمسة صواريخ بالستية، باتجاه مواقع لقوات التحالف المتمركزة في مأرب، وأطلقوا كذلك البعض منها على جنوب المملكة، وجميع هذه الهجمات فشلت، وتم اعتراضها قبل أن تصل أهدافها، وهناك صواريخ أخرى انفجرت في منطقة الإطلاق.
وحده فقط صاروخ "التوشكا" هو الذي أصاب هدفه في باب المندب، وأودى بحياة قائد عمليات القوات الخاصة
السعودية العقيد عبد الله السهيان وضابط إماراتي معه، قبل أكثر من أسبوع.
الدلالة المباشرة لهذه الهستيريا، هي أن المتمردين وفي المقدمة منهم المخلوع صالح، أدركوا أنهم باتوا معرضين لخطر الهزيمة أكثر من أي وقت مضى، خصوصا بعد التقدم الكبير للقوات الحكومية والمقاومة باتجاه صنعاء، وسقوط معظم الجوف وتداعي الجبهة الغربية من مأرب عند منطقة صرواح.
تداول الموالون للمخلوع صالح
الحوثي خلال اليومين الماضيين رسالة تحريض سرية تتعلق بحلول ساعات الصفر، وكان أبرز ما ورد في هذه الرسالة هو أن ساعة الصفر تقتضي البدء باستخدام الخيارات الاستراتيجية، التي لا تعني أكثر من إطلاق الصواريخ، إلى جانب ما كشفت عنه الرسالة من تصعيد محتمل ضدهم وخوض حرب تصفية استباقية على من يعتقدون بأنهم خلايا نائمة في صنعاء، وهو أمر يبدو مستحيلا وغير منطقي، ومقامرة، وقد يأتي بنتائج عكسية تماما.
تبدو مشاورات "بييال" السويسرية، مجرد غطاء لتحولات هائلة تحدث على الأرض، بعد أن اضطر التحالف العربي، أن يصادر على المتمردين التكتيك الذي برعوا فيه خلال المرحلة الماضية، حيث كانوا يتصرفون عكس التزاماتهم تجاه جهود التسوية التي ترعاها الأمم المتحدة، و يتوسعون على الأرض، ويسقطون المدينة تلو المدينة، حتى بلغ بهم الحال أن حاصروا الرئيس، وفرضوا عليه الإقامة الجبرية قبل أن يهرب فيما بعد إلى عدن.
تحولت خروقات الحوثيين للهدنة لثالثة المعلنة خلال الحرب الدائرة في اليمن إلى وبال على الحوثيين وحليفهم صالح، لم يحترم هؤلاء
الهدنة وخرقوها منذ الدقائق الأولى لبدء سريانها.
كان الأسهل والأيسر في هذا الخرق هو أعمال القصف من المواقع التي يتمركزون فيها، كما يحدث في مدينة تعز، أما الأخطر، فهو التحركات التي تتم على الأرض، وتشمل نقل الأسلحة، وإعادة التمركز والانتشار في مسرح العمليات، وهو ما تنبه له الجيش الوطني والمقاومة والتحالف العربي، وجرى التعامل معه لحظة بلحظة، إلى أن تحول التعامل مع الخروقات إلى حرب هي الأشرس التي تدور حاليا بين القوات الحكومية والمتمردين.
سقط معسكر ماس الواقع بين محافظتي مأرب والجوف، وسقط معسكر اللبنات في الجوف، وسقط معسكر الخنجر إلى الشمال الشرقي من المحافظة، ومهدت هذه الانتصارات لسقوط الجوف بالكامل، إذ لم يعد هناك سوى بضعة جيوب قيل أن تنتقل القوات الحكومية باتجاه مديريات صنعاء القريبة من الجوف.
حدث ذلك بالفعل، وتمكنت القوات الحكومية من إسقاط معظم مديرية نهم التي تعد جزءا من محافظة ريف صنعاء، بعد أن تمت السيطرة على معسكر "صلب" الذي يطل على مديرية بني حشيش الواقعة على الأطراف الشرقية للعاصمة.
وخلال اليومين القادمين سوف نرى تقدما للقوات الحكومية باتجاه مديريتي أرحب وحرف سفيان، وهو أمر خطير للغاية بالنسبة للانقلابيين، لأنه سيسرع من تطويق العاصمة، وقد يحدث التحامٌ سريعٌ بين الجيش الوطني والمقاومة في صنعاء، وهي مقاومة مؤثرة.
أنجز هذه الانتصارات لواء مدرب تدريبا قتاليا عاليا على يد قوات التحالف، ويضم سبعة آلاف مقاتل بقيادة العميد هاشم عبد الله الأحمر، بكل ما يعني وجود هذه الشخصية من أثر نفسي سيئ لدى الانقلابيين..
وعلى الجانب الغربي من البلاد، يشرف اللواء علي محسن صالح مستشار الرئيس للشؤون العسكرية والأمنية، من منطقة قريبة في إمارة جيزان السعودية، على المعارك التي اندلعت منذ ثلاثة أيام في المناطق الساحلية الحدودية مع المملكة، وتم خلالها السيطرة على منفذ حرض الحدودي وعلى ميناء ميدي الذي كان المتمردون يعتمدون عليه في تهريب الأسلحة.
قوات المتمردين تتراجع بسرعة أمام زحف القوات الحكومية وضرباتها المؤثرة التي تتم أيضا بإسناد قوات التحالف في هذه المنطقة المهمة، والهدف على ما يبدو هو تحرير تهامة الساحلية ومدنها الرئيسة وفي مقدمتها مدينة الحديدة التي يوجد فيها الميناء الرئيس، الأكثر نشاطا على مستوى البلاد..
وبهذا الإنجاز، سيتم تطويق المعقل الرئيس للانقلابيين من كل الجهات تقريبا ما قد يسهل التعامل العسكري معه.
بات واضحا إذن أن التحركات العسكرية التي تتم على هامش الهدنة سوف تصنع الانتصار الاستثنائي الذي انتظره الكثير من اليمنيين الراغبين في طي صفحة الانقلاب، وإنهاء نفوذ مليشيا أحدثت خللا هائلا في بنية المجتمع، وأثرت في تماسكه، ووضعت الهوية الوطنية أمام اختبار صعب للغاية.