قال الكاتب البريطاني
ديفيد هيرست إن سعي الغرب لإيجاد حكومة وحدة وطنية بشدة يأتي ضمن سعيها "للموافقة على تدخل خارجي جديد يستهدف
تنظيم الدولة"، بحسب تعبيره.
وأضاف هيرست، في مقال على موقع "ميدل إيست آي" الذي يرأس تحريره، أن التدخل العسكري الغربي في
ليبيا كان له عواقبه غير المحسوبة؛ إذ كان من نتائجه التمرد في مالي الذي أطاح بالطوارق، وكان من نتائجه إغراق البلاد بالسلاح محولا إياها إلى بقع تقوم في كل منها دويلة، فلا يبقى للوحدة الوطنية معها من معنى، بينما لم تبق قوة إقليمية إلا وسعت للسيطرة على هذا الجزء أو ذاك منها، واصفا ليبيا بأنها "تحولت إلى مسرح للصراعات التي تدار بالوكالة".
إلى ذلك، اعتبر هيرست أنه "لم يبق للمجتمع الدولي من مصداقية تذكر، بل ذهبت كلها أدراج الرياح، ولم ير النور صندوق مارشال الذي وعد به مؤتمر مجموعة الثمانية الكبار في عام 2011 بدعم مالي، تقدر قيمته بواحد وستين مليار يورو، كما أخفقت الانتخابات المبكرة في إنتاج حكومة وحدة وطنية، نعم، لقد تعذر على ديمقراطية ويستمنستر أن تهبط بالمظلة على طرابلس"، بحسب قوله.
وتحدث الكاتب البريطاني المخضرم عن عدد من الأحداث الدولية التي تجاهلها الغرب، مثل رسائل إيميل المبعوث الأممي بيرناردينو ليون المسربة مع
الإمارات، والمبادرة التونسية، واجتماع روما الذي تم خلاله اقتراح إيقاف إطلاق النار، إذ تجاهلت
الأمم المتحدة كل ذلك، بما فيه برلماني طبرق وطرابلس، وسعت لتوقيع اتفاق الصخيرات.
الإمارات وسحب الشرعية
وناقش هيرست بالتفصيل في مقاله عددا من الرسائل المسربة التي توضح استراتيجية ليون بالتعاون مع الإمارات، حيث قال ليون إن الهدف الأول من خطته هو: "كسر التحالف الخطير جدا بين الإسلاميين المتطرفين والإخوان المسلمين والمصراتيين"، في حين استدرك ليون بقوله إنه "أيا كان تصنيفك لهم، فأنت هنا تتحدث عن طرف في النزاع مقره طرابلس، كان حلف شمال الأطلسي (الناتو) سعيدا بالقتال إلى جانب هؤلاء المتشددين عندما كان يعمل على إسقاط القذافي".
وتابع بقوله بأن ليون لم يكن يريد اتفاقا يمنح جميع الأطراف حصصا متساوية في المستقبل السياسي للصراع، وكان أيضا شديد الوضوح في هذه النقطة حيث قال: "لدي استراتيجية، أنا على يقين بأنها ستنجح، وخلاصتها نزع الشرعية عن المؤتمر الوطني العام".
وأوضح ليون في رسائله أن الإمارات لا تريد دعم المساواة بين الأطراف، وهو ما اعتبره هيرست هو المشكلة، بأن "هذا كل ما يهم في نظره لهيرست، ليس الولايات المتحدة ولا الاتحاد الأوروبي ولا حتى الأمم المتحدة".
ونقل هيرست رسالة مسربة أخرى تضمنت قلقا دبلوماسيا إماراتيا "إزاء كيفية توفير غطاء للتستر على قيام حكومة بلاده بشحن الأسلحة إلى ليبيا، في انتهاك صريح للحظر الذي تفرضه الأمم المتحدة على توريد السلاح إلى ليبيا"، موضحا أنه في إيميل مؤرخ في الرابع من آب/ أغسطس خاطب به لانا نسيبة سفيرة دولة الإمارات العربية المتحدة لدى الأمم المتحدة، قال الدبلوماسي الإمارتي أحمد القاسمي: "الحقيقة التي لا مراء فيها هي أن الإمارات العربية المتحدة انتهكت قرار مجلس الأمن الدولي الخاص بليبيا ولا تزال تنتهكه".
وكتب القاسمي يقول لو أن الدبلوماسيين تقيدوا بالإجراءات المطلوبة بموجب قرار الأمم المتحدة، لأدى ذلك إلى "الكشف عن مدى تورطنا في ليبيا … ولذلك يتوجب علينا السعي إلى توفير غطاء يقلل من الأضرار الناجمة".
وكان ليون ذاته قد قال قبل ذلك بعام في رسالة الإيميل ذاتها، إن مواجهة وجود تنظيم الدولة أو الجماعات التي تنتسب إلى القاعدة في ليبيا يأتي في المرتبة الثانية من حيث الأهمية، بعد الحاجة الماسة إلى كسر التحالف بين الفصائل الإسلامية ومدينة مصراتة.
تنظيم الدولة في ليبيا
واعتبر هيرست أن قوة تنظيم الدولة تعاظمت، لكنها ليست بالحجم الذي يتم تضخيمه، ناقلا عن أليسون بارغيتر، المحللة المختصة في شؤون شمال إفريقيا وزميلة البحث في المعهد الملكي للقوات المشتركة، التي قالت: "كل الحديث عن أن ليبيا أصبحت ملاذا لتنظيم الدولة يتوافد عليها العراقيون والسوريون من كل حدب وصوب، هو كلام مبالغ فيه في هذه اللحظة"، مستدركة بقولها: "نعم، تنظيم الدولة موجود، ولكنه فعليا يتمتع بالقوة فقط في مناطق محدودة مثل سرت ومحيطها".
وقالت بارغيتر إن ثلاثة عوامل تقيد تمدد التنظيم في ليبيا، ألا وهي: الدور الذي تؤديه القبائل، ووجود مجموعات مسلحة أخرى، والريبة الكامنة لدى الليبيين تجاه الغرباء، محذرة المجتمع الدولي من مغبة الخلط بين تنظيم الدولة والجماعات الليبية الجهادية الأخرى، التي انبرت في يوم من الأيام لقتال التنظيم، ومن هؤلاء: مجلس شورى ثوار بنغازي، ومجلس شورى مجاهدي درنة، والمجلس الشوري الثوري لأجدابيا، وهذه كلها أصدرت بيانات نأت فيها بأنفسها عن تنظيم الدولة.
وقالت، خلال مؤتمر الحوار المتوسطي الذي انعقد في روما، إنه "ليس بوسعنا أن نرفض كل هؤلاء الجهاديين ونضعهم في سلة واحدة مع تنظيم الدولة واعتبار ذلك مشكلة يمكن ببساطة التخلص منها"، معتبرة أنه "ربما علينا أن نقبل بأن بعض هذه العناصر لا يمكن هزيمتها عسكريا، وسواء كنا نحب ذلك أم لا، لا مفر من أن يصبحوا جزءا من الحل في ليبيا، وهم بلا شك جزء غير مريح في هذه العملية، ولكن لابد من التعامل معهم إذا ما أريد لليبيا أن تنعم بالسلام".
الحكومة كمدخل للتدخل العسكري
وأشار هيرست إلى أن الغرب لا يسعى لدعم محادثات السلام، بل "يتحركون باتجاه" خطة لإرسال الدعم العسكري بالتعاون مع الحلفاء الأوروبيين، من أجل إلحاق الهزيمة بتنظيم الدولة في ليبيا.
واعتبر هيرست أن هذه هي النتيجة التي طالما دفعت باتجاهها كل من
مصر ودولة الإمارات العربية المتحدة منذ الانقلاب العسكري في مصر قبل عامين، فقد كان أول إجراء اتخذه النظام الجديد في مصر في عام 2013 هو التحذير من أن ثمة حاجة ملحة إلى تدخل خارجي في شرق ليبيا، وكان الجنرال الذي اختاره عبد الفتاح السيسي لهذه المهمة هو عميل السي آي إيه الليبي السابق الجنرال خليفة حفتر، وهو شخص مثير للنزاع والشقاق لدرجة أنه تمكن حتى من شق البرلمان في طبرق، بحسب قوله.
وأوضح الكاتب البريطاني أن الغرب يحتاج مبررا ودعوة للتدخل، ولذلك عمل على تشكيل الحكومة، التي "لن يكون مطلوبا منها أن تجتمع، ولكن كل ما هو مطلوب منها أن توجد كواقع افتراضي"، مضيفا أن هذا السر في التدافع نحو إيجاد حكومة وحدة وطنية، لن يكون إجراؤها الأول هو البدء بعملية المصالحة الوطنية، ولا حتى السعي لتحقيق الأمن القومي، وإنما إعطاء الموافقة على تدخل خارجي آخر".
واختتم هيرست بقوله إن قصف تنظيم الدولة في سرت "سيؤدي لا محالة إلى قصف المجموعات الجهادية الأخرى في شرق البلاد، رغم أن هذه المجموعات ساهمت حتى اليوم في قطع الطريق على تمدد تنظيم الدولة في المنطق"، داعيا الليبيين لليقظة وإدراك حقيقة أنه "لا الأمم المتحدة ولا المجتمع الدولي بإمكانهما أن ينهيا الصراع في ليبيا، وقد أثبتت التجربة أن الوساطة الدولية يمكن أن يعتريها الخلل والفساد، وأنها يمكن نتيجة لذلك أن تؤدي إلى تعميق الصراع وإطالته"، بحسب قوله.