نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريرا لديفيد بارتشارد، حول تدهور العلاقات بين
تركيا والعراق فجأة، بعد أن أعلنت تركيا أنها أرسلت كتيبة مؤلفة من 150 جنديا وسبع دبابات إلى مدينة
بعشيقة الحدودية في
العراق، ما زاد من تعقيد شبكة النزاعات الدولية التي تتورط فيها تركيا حاليا.
ويتساءل الكاتب: ماذا كان الهدف من إرسال هذه القوة؟ ولماذا أراد من في العراق دخولها؟ وكون العراق احتج مباشرة، وادعى أن تركيا اخترقت القانون الدولي، فكيف يمكن للكتيبة البقاء هناك؟
ويشير التقرير إلى أن "بعشيقة" عبارة عن بلدة صغيرة، تقع على بعد 20 كيلومترا شرق
الموصل، التي تعد عاصمة للمحافظة الغنية بالنفط، والواقعة تحت سيطرة
تنظيم الدولة منذ حزيران/ يونيو 2014. ويعد موقع "بعشيقة" مكانا مناسبا لحشد القوات، استعدادا لعملية استعادة الموصل، ولذلك تم إنشاء معسكر فيها، حيث كانت تقوم تركيا بتدريب المقاتلين فيه منذ شهر آذار/ مارس هذا العام على الأقل، وربما منذ فترة أبعد.
ويجد الموقع أنه كون تركيا جارة أقوى وأكثر ثراء، فقد انجرت أكثر وأكثر إلى شمال العراق في العقود الأخيرة، لدرجة أن شمال العراق أصبح شبه دولة تابعة. مشيرا إلى أن كونها دولة كانت تحتل العراق سابقا، فإن لدى تركيا صلات قوية مع عشائر وعائلات في العراق؛ بنية عابرة للأديان والإثنيات كانت أساسا لإدارة العثمانيين للبلاد، ولكنها كانت غير معروفة لدى أمريكا خلال احتلالها للعراق بعد 2003.
ويلفت بارتشارد إلى أن تركيا أصبحت قوة اقتصادية مكنت مناطق الحكم الذاتي في كردستان العراق من التطور والإزدهار المستمر بمستوى لم تره بقية العراق. كما أن المصالح الاقتصادية التي ربطت بين أكراد أربيل وتركيا قادت إلى تحول دراماتيكي في العلاقات.
ويذكر التقرير أن تركيا كانت لعقود تعد الأكراد العراقيين وقواتهم البيشمركة عدوا خطيرا لها، بينما كانت تحاول هزيمة الحركة الكردية لديها. مستدركا بأن هذا كله تحول تماما قبل خمس سنوات، وأصبحت حكومة برزاني هي أقرب وأقوى حلفاء تركيا، لدرجة أنه في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 2013، قام رئيس الحكم الذاتي لإقليم كردستان مسعود برزاني، بإلقاء خطاب مشترك مع الرئيس التركي رجب طيب
أردوغان في ديار بكر، المدينة التي تقطنها أغلبية كردية في تركيا.
ويورد الموقع أنه بعد ذلك بعامين ونيف، أصبح برزاني يعد واحدا من قلة من القيادات العراقية التي تؤيد وجود القوات التركية في "بعشيقة". ويقول القادة الأكراد بأن القوات التركية تساعد في تدريب قوات البيشمركة، وتجعلهم أكثر فعالية في الحرب ضد تنظيم الدولة.
ويستدرك الكاتب بأنه يبدو أن صراعا قد نشب في "بعشيقة"، قبل بداية الهجوم على الموصل، بين المجموعات المختلفة، الأكراد والسنة والشيعة، ومع حكومة بغداد، التي تريد بسط سيطرتها على الموصل عندما يذهب التنظيم.
ويبين التقرير أن تركيا تشعر بأن الوجود هناك هو عامل استقرار في وضع غير مستقر، ما دفع القنصل التركي السابق في الموصل، يلماظ أوزتورك، للتحذير من وقوع مذابح بشكل أسوأ من أي شيء رأيناه سابقا. وكان أوزتورك، الذي أصبح عضوا في البرلمان عن حزب الشعب الجمهوري، قد احتجز هو وزملاؤه من طرف تنظيم الدولة لمدة ثلاثة أشهر، عندما احتل التنظيم الموصل في 2014.
وينوه الموقع إلى أن الأنظار الآن تحولت إلى مستقبل الموصل، بعد سقوط مدينة أصغر، وهي سنجار في 13 تشرين الثاني/ نوفمبر، في أيدي قوات مشتركة من الأكراد واليزيديين، بدعم جوي أمريكي.
ويذكر بارتشارد أن من أهم المواضيع التي نوقشت خلال زيارة الرئيس برزاني إلى أنقرة، التي بدأت في 9 كانون الأول/ ديسمبر، واستمرت يومين، هو مستقبل الموصل، وتمركز جنود أتراك بالقرب منها. مشيرا إلى وجوب قراءة زيارة برزاني إلى تركيا في سياق زياراته إلى السعودية والخليج قبل ذلك بأربعة أيام. ويبدو أن برزاني، الذي ذكرت التقارير بأنه مدح الملك سلمان، ووصفه بأنه "صلاح الدين في عصرنا"، يحاول بناء جبهة كردية- عربية سنية في الموصل ومحيطها.
ويفيد التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، بأن هذا يتطابق مع ما عرف عن محاولات القوات التركية تعزيز وجودها في "بعشيقة". وأضاف أن محاور تركيا هناك ليس كرديا، بل هو قائد لحركة عراقية سياسية سنية اسمه "أثيل النجيفي"، قائد الحشد الوطني، وهي مليشيا سنية ضد تنظيم الدولة.
ويلفت الموقع إلى أن النجيفي هو المحافظ السابق لمحافظة نينوى، وهو من أقام المعسكر، ورحب بالمشاركة التركية، ويعتقد أن عدد مقاتليه يصل إلى 600 مقاتل. وصلات النجيفي قوية، وقد ارتفع شأن عائلته أصلا خلال الحكم العثماني، وكان أخوه أسامة النجيفي رئيسا للبرلمان العراقي، ونائبا للرئيس العراقي حتى عام 2015، عندما تم إلغاء ذلك المنصب.
ويعلق الكاتب بالقول: "عندما ننظر للأمر من زاوية هذا التحالف، وإصرار تركيا على البقاء في العراق، وإصرار حيدر العبادي (وهو شيعي) على عدم الموافقة على أي تنازل يتعلق (بسيادة البلاد)، يسهل علينا فهم المسألة".
وبحسب التقرير، فقد كانت العلاقات بين أنقرة والحكومة العراقية المركزية التي يقودها الشيعة في بغداد باردة؛ بسبب الخلفية الطائفية المتباينة لكل منهما. لافتا إلى أنه في هذه الحالة يبدو أن الطرفين فقدا أعصابهما، وتفاقم سوء الفهم إلى درجة غير مسبوقة. وأوفدت تركيا اثنين من كبار مسؤوليها هما وكيل وزير الخارجية فريدون سينيرليوغلو ورئيس المخابرات هاكان فيدان، إلى بغداد في 10 كانون الأول/ ديسمبر. وعادا بعد الحديث إلى العبادي معتقدين بأنهما توصلا معه إلى "آلية" لحل الخلاف. ولكن بدلا من ذلك قام العبادي باللجوء مباشرة إلى الأمم المتحدة، فيما يبدو أنه تغير كلي للموقف، وصفه الرئيس أردوغان بأنه "ليس صادقا".
ويستدرك الموقع أنه في اليوم التالي أبدى رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو استعدادا للتنازل، معلنا أن تركيا "ستعيد ترتيب" وجودها العسكري في بعشيقة. منوها إلى أن ذلك كان بعد مكالمة هاتفية مع نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن.
ويورد بارتشارد أن انسحابا عسكريا جزئيا بدأ مع السادسة صباحا يوم الاثنين الماضي، واستشهد الموقع الإخباري "دايكن"، وهو موقع إخباري تركي، بقول قائد عسكري، لم يذكر اسمه من البيشمركة، بأن عملية الانسحاب شكلية، وأن 144 جنديا انسحبوا في العملية، ما يقلل عدد الجنود الأتراك إلى حوالي 450 جنديا. وتوقع القائد أن يتم تموقع الجنود المنسحبين في مواقع أخرى في شمال العراق.
ويختم "ميدل إيست آي" تقريره بالإشارة إلى أنه يعتقد بأن أي خطط للهجوم على الموصل لإخراج تنظيم الدولة منها تأجلت؛ بسبب هذا الخلاف، بينما يتم الاتفاق بين المجموعات المختلفة التي تسعى للسيطرة عليها.