ذكرت صحيفة "فايننشال تايمز" أن
تنظيم الدولة ينفق معظم ميزانيته على الجهود الحربية، ويغدق الأموال على المقاتلين الأجانب "المهاجرين"، فيما يعامل السكان الذين يعيشون في مناطقه الواسعة معاملة مواطنين من الدرجة الثانية، ويثقل كاهلهم بالضرائب والغرامات ومصادرة الممتلكات.
ويكشف التقرير، الذي أعده سام جونز وإريكا سولومون، الذي تضمن مقابلة عشرات السوريين والعراقيين المحاصرين في مناطق تنظيم الدولة، وشهادات دبلوماسيين ومسؤولين أمنيين، يعملون في التحالف الدولي، الذي تقوده الولايات المتحدة، عن صورة مختلفة عما يدعيه التنظيم من إقامته نظام حكم إسلامي عادل.
ويورد الكاتبان وصف دبلوماسي في التحالف الدولي التنظيم بقوله: "إنهم منظمة إرهابية ثرية، ولكنهم دولة فقيرة جدا". وتظهر وثائق حصلت عليها الصحيفة أن الجهود الحربية تسيطر على نشاطات التنظيم المالية كلها. فرغم توسعه العام الماضي في العراق وسوريا، وبنائه ثروة من 900 مليون دولار أمريكي من
النفط والضريبة والمصادرة، إلا أن هذه الموارد المالية غير ثابتة؛ بسبب زيادة الغارات الجوية على منشآت النفط، التي توفر المال لخزينته.
وتشير الصحيفة إلى أن هناك إدارة مركزية يمارس من خلالها قادة التنظيم السيطرة الكاملة على الأموال المتدفقة من موارد النفط بشكل رئيس إلى خزينة "الدولة"، وأخرى لامركزية لا يتحكم القادة فيها بالمصادر الأخرى التي يفوضون بأمر جبايتها لأمراء "الولايات".
ويلفت التقرير إلى أن التنظيم يمارس من مدينة الموصل مركزية عالية، ويترك أمر الولايات لقادتها وأمرائها، حيث يتم جمع الضرائب وتوزيعها داخل كل ولاية.
وينقل الكاتبان عن مقاتلين سابقين قولهم إن المال يتم توزيعه على مؤسسات الولاية، الحربية والتعليمية والمالية. مشيرين إلى أن الصحيفة حصلت على فواتير موثوقة تظهر طريقة توزيع المال على المدنيين والمشاريع. وتكشف هذه الوثائق الكيفية التي يتم من خلالها توزيع وإنفاق الأموال.
وتذكر الصحيفة أن التنظيم ينفق ثلثي
الميزانية من الموارد السنوية، حوالي 600 مليون دولار، على المقاتلين. ويحول التنظيم 20 مليون دولار كل شهر إلى المقاتلين الرئيسيين، وهم الأجانب "المهاجرون". ويتم إنفاق ما بين 15 إلى20 مليون دولار على المقاتلين المحليين. ويقدر مسؤولون العدد الإجمالي للمقاتلين بما بين 50 ألفا إلى 70 ألفا، منهم 30 ألف مقاتل أجنبي.
ويفيد التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، بأنه يتم إنفاق عشرات الملايين من الدولارات على شراء المقذوفات والذخيرة، مشيرا إلى أنه في كل أسبوع ينفق التنظيم مليون دولار على حملاته العسكرية، فيما تخصص الملايين من الدولارات لشراء الأسلحة الجديدة. ويوفر تنظيم الدولة أسعار الوقود؛ نظرا لاستخرجه النفط، ولهذا فإن الوقود المستخدم في العربات والآليات مجاني.
ويبين الكاتبان أن التنظيم يخصص كل شهر ما بين 10 إلى 15 مليون دولار للشؤون الأمنية، وتضم الشرطة والحسبة والجهاز الأمني "أمنيات"، وتوسعت مهمة هذا الجهاز في الأشهر الأخيرة في ظل المخاوف المتزايدة من الوضع الداخلي، كما أنه أرسل عملاءه إلى تركيا والأردن. وخصص ميزانية لإنشاء نظام تنصت على المكالمات.
وبحسب الصحيفة، فإن التنظيم لا ينفق إلا اليسير من الأموال على الخدمات العامة. وتحظى المستشفيات والعيادات والمدارس داخل مناطقه بـ 10 ملايين دولار في الشهر.
وينوه التقرير إلى أن التنظيم يدير في دير الزور، التي تعد من أكبر المحافظات الخاضعة تحت سيطرته، تسع مستشفيات، يعمل في كل واحدة منها 50 طبيبا وممرضا، يتلقى الواحد منهم الحد الأعلى من الراتب، وهو 300 دولار. وتظل النفقات المخصصة للسلطات المحلية والبلديات محدودة، وتتراوح ما بين 10 إلى 15 مليون دولار في الشهر، أي أقل من خمس الدخل العام.
وينقل الكاتبان عن مدير المخابرات البريطانية السابق "إم آي-6"، جون سويرز، قوله إن الجهاديين "يحاولون بناء شكل لمفهوم
الخلافة، ويريدون تحديث المدارس والمستشفيات، ويريدون السيطرة على المساجد وما يرتديه الناس وكيف يتصرفون، والسيطرة على النظام القضائي، ولكن لا يعني هذا أنهم حققوا مفهوم الدولة".
ويكشف تحقيق "فايننشال تايمز" أن التنظيم يركز على المقاتلين. وبحسب فواتير حصلت عليها الصحيفة، وكشفت عن رواتب المقاتلين الذين يقسمون إلى محليين وأجانب، فإن كل المقاتلين يحصلون على راتب أساسي يتراوح ما بين 50 إلى 150 دولارا في الشهر، وتأتي معه معاشات للبيوت، ويعتمد المعاش على موقع المقاتل. وبالنسبة للمقاتل المحلي، فراتبه يتراوح ما بين 200 إلى 300 دولار. أما الأجنبي فيأخذ الضعف أي 600 دولار، بالإضافة إلى علاوة هجرة بقيمة 200 دولار.
ويظهر التقرير أن القادة يعطون مصاريف خاصة بقيمة 50 دولارا في الشهر، وتصل في بعض الأحيان إلى ألف دولار، ينفقونها على الضيوف أو شراء وجبات أو لاستئجار سيارات. ويحصل المقاتل على 50 دولارا للزوجة أو السبية، وكذلك 35 دولارا علاوة لكل طفل، سواء كان ابن زوجة حرة أم سبية.
ويعتقد الكاتبان أن النظام المالي للتنظيم رغم فعاليته، إلا أنه يعاني من قصور، فلا توجد قاعدة بيانات إلكترونية، والحسابات غير مكتملة في بعض الأحيان. وذكر
مقاتلون سابقون أن وصول الرواتب كان يتأخر لشهور، وأحيانا لا تدفع. وذكر قائد سوري سابق كيف كان مسؤول الرواتب يأتي إلى مكتب الوالي، ليكتشف عدم وصول الرواتب، ويطلب منه استخدام أموال الزكاة عوضا عن ذلك. ويقول إن النظرة الخارجية عن التنظيم توحي بأنه منظم ولديه قيادة "أما من الداخل فإنه لا يملك التخطيط.، هذه ليست دولة بل (مسخرة)".
وتشير الصحيفة إلى أن المقاتل يحظى بالميزات كلها، أما السكان المحليون فيعانون. فمثلا وعد التنظيم أبا قتادة (16 عاما) من شرق سوريا بتلقي العلاج الصحي المجاني، سواء في المستشفيات الميدانية أو في العيادات الصحية، أو تهريبه إلى تركيا. وأخبر أبو قتادة الصحيفة أن الجهاديين "يتكفلون بالنفقات المالية بشكل كامل".
ويفيد التقرير بأنه بالمقارنة مع حالة أبي قتادة، فقد لقيت أم إياد من الموصل معاملة مواطنة من الدرجة الثانية، وهو ما جعلها تتوقف عن الذهاب إلى المستشفيات الحكومية، رغم أنها لا تستطيع توفير رسوم العلاج الخاص لابنها المريض.
وتختم "فايننشال تايمز" تقريرها بالإشارة إلى قول أم إياد: "عندما أدخل المستشفى أشعر بالخوف"، وهو ما دعاها إلى الهرب إلى المناطق الكردية. وتضيف: "كان كل من في المستشفى من تنظيم الدولة، واضطر بقية المرضى لشراء أدويتهم".