قالت صحيفة "ميدل إيست آي" البريطانية، إن
المضائق التركية ستصبح أكثر توترا من أي وقت مضى منذ أوج الحرب الباردة، مع تصاعد الخلاف بين موسكو وأنقرة.
وأشارت الصحيفة إلى حادثة الجندي الروسي الذي وقف على ظهر سفينة حربية تعبر مضيق البوسفور في اسطنبول، حاملا على كتفه صاروخ أرض جو في حالة تأهب للإطلاق، وهو يعلم يقينا أن وسائل الإعلام العالمية تتابعه وتصوره.
وهو الحادث الذي أثار غضب أنقرة، التي استدعت، في اليوم التالي، السفير الروسي في أنقرة إلى وزارة الخارجية التركية لإنذاره بعدم تكرار هذه الحادثة.
ورأت الصحيفة أن صورة السلاح على كتف الجندي قد تكون مقصودة للاستهلاك المحلي لدى الرأي العام الروسي، ونقلت عن أحد المعلقين الأتراك ممن لديهم اهتمام بالسلاح البحري قوله: "الاستعراض بسلاح سا 18 لم يكن دعابة ولم يكن منطقيا".
واعتبرت "ميدل إيست آي" أن صورة الجندي الروسي والصاروخ على كتفه، ساعدت أنقرة على تأكيد روايته، بأن الاستفزازات الروسية المتكررة هي التي أدت إلى إسقاط المقاتلة الروسية لانتهاكها المجال الجوي التركي.
وقالت إن حدث إسقاط الطائرة أنهى وبشكل مفاجئ جدا، نصف قرن من التعاون والتعايش والتجاور بين بلدين، وأفضى إلى عقوبات اقتصادية وقيود على تأشيرات الزيارة وعلى السفر، كما أدى إلى مخاوف تركية من قرار روسي محتمل بوقف صادرات الطاقة إلى
تركيا.
واستطردت الصحيفة أن الحادث أعاد إلى الحياة أسئلة تتعلق بالوضع الدولي للمضائق، وفيما إذا كانت تمنح تركيا أي سطوة من الناحية العملية على
روسيا خلال النزاع الحالي، أم إن أي محاولة للقيام بذلك من شأنها أن تحول هذه المضائق إلى نقاط
توتر دولية جديدة.
وتابعت "ميدل إيست آي" "من المفارقات أن قمة دولية تعقد في اسطنبول ما بين التاسع والحادي عشر من ديسمبر لتعزيز التعاون بشأن المعابر المائية، ومن المفروض أن عددا من الوزراء يشاركون في هذه القمة. ولكن لا يبدو أن تركيا تستخدم هذه القمة لفرض أي مواقف سياسية، وكل ما هنالك أنها تؤكد على الحاجة إلى تقديم العون الإنساني للشعب السوري".
وشبهت الصحيفة مضيق البوسفور، الذي يعد عنصرا أساسيا في المواجهة بين تركيا وروسيا، بقناة السويس وقناة بنما والنزاعات التاريخية التي جرت بشأنهما.
وأوضحت أن الترتيبات المعمول بها حاليا في المضائق التركية تعكس "عقودا من ضبط النفس المتعمد من تركيا وروسيا خدمة لمصالحهما المشتركة"، معاهدة مونترو لعام 1936 التي صاغتها ووافقت عليها إحدى عشرة دولة، هي التي تنظم حقوق العبور خلال الدردنيل الذي يبلغ طوله 67 كيلومترا عند كاناكالي، ثم بحر مرمرة الصغير، وأخيرا، وهذا هو الأهم، البوسفور الذي يبلغ طوله تسعة عشر كيلو مترا.
وتابعت الصحيفة: "في ذلك الوقت لم تكن ثمة صراعات دولية ملحة ولم يكن يعبر من خلال مضائق اسطنبول في اليوم الواحد سوى سفينة تجارية واحدة أو سفينتان". وأضافت "ورغم أن الاتفاقية تنص على أنها يمكن أن تراجع كل عشرين عاما، إلا أن موادها صالحة ويجري تفعيلها على الدوام".
ورأت أنه ليس لدى تركيا الصلاحيات بأن تمنع أي سفن تجارية من العبور، أو أن تفرض عليها دفع رسوم مقابل العبور، وكل ما بإمكانها فعله هو إغلاق المعابر المائية في وجه السفن الحربية التابعة لدول معادية في زمن الحرب.
وكشفت الصحيفة أن تركيا كانت في عام 1976 قد خففت القيود عن السفن الحربية الروسية العملاقة، من خلال السماح لحاملة الطائرات "كييف" بالعبور من خلال المضائق إذا ما وصفت نفسها بأنها طوافة، ولذلك تعتبر المضائق عنصرا أساسيا في استراتيجية الروس، سواء فيما يتعلق بعملياتهم البحرية في الأطلسي أو بعملياتهم الحالية في سوريا.
وقالت الصحيفة إن مضيق البوسفور وكذلك بحر مرمرة يغصان بالسفن التي لا تملك تركيا سيطرة مباشرة عليها، "وتقع الاصطدامات وتسريبات الوقود من حين لآخر، حتى إن الأوضاع باتت على غير ما يشتهى سكان اسطنبول البالغ عددهم ثمانية عشر مليونا، الذين يتطلعون إلى اليوم الذي تصبح فيه هذه المياه متاحة لهم دون غيرهم".
وأشارت الصحيفة إلى أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، سبق له اقتراح، لما كان رئيسا للوزراء، "إنشاء قناة عملاقة – تسمى قناة اسطنبول – تمر من خلال شبه الجزيرة التي تقع خلف اسطنبول، لتمكين الملاحة الدولية من تجاوز المدينة"، لكن المشروع لازال بعيد المنال.
وترى الصحيفة أن "حكومة أنقرة الحالية مترددة بالقدر نفسه في اللجوء إلى تجريد سيفها من غمده بشأن مسألة المضائق، أما روسيا فترى أن تركيا لا تملك الصلاحية للتمييز فقط ضد السفن الروسية، دون أن يؤدي ذلك إلى وضع نفسها في حالة حرب".
في السياق ذاته قالت الصحيفة: "ليس بإمكان تركيا وحلفائها في حلف شمال الأطلسي (الناتو) المجازفة بالدخول في مواجهة شاملة بشأن المضائق دون أن يكون لذلك عواقبه، ولكن، فيما لو علقت روسيا أو خفضت صادراتها النفطية إلى تركيا منتهكة بذلك اتفاقيات ملزمة طويلة المدى، فقد تعلن تركيا بأن الوضع القانوني للمضائق يمكن أن يتبدل".
ونقلت الصحيفة عن بعض التقارير أن تركيا بدأت فعلا بممارسة مثل هذه الأعمال من خلال تأخير السفن الروسية لعدة ساعات، واستدركت أنه "لا يبدو أن هذا الوضع، الذي أشارت تقارير إلى وجوده في مطلع الشهر، لازال قائما".