أجمع باحثون وفاعلون سياسيون من
المغرب وخارجه على أن
الثورات العربية لم تحقق مبتغاها، وأشاروا إلى أن النخب التي باركت الربيع العربي لم تقم بدورها في حماية الثورة، ما جعل نخب "الأنظمة الاستبدادية" تستغل الفرصة و"تسطو على الثورة، لتعيد دكتاتورية الدولة العميقة".
الحمداوي: على الحركة الإسلامية ألّا تنخرط كليّا في العمل السياسي
وقال محمد الحمداوي، عضو مجلس الإرشاد لجماعة العدل والإحسان (جماعة إسلامية مغربية معارضة)، إن الحركة الإسلامية أصبحت لديها مسؤولية كبيرة في عدم الانخراط كليا في العمل السياسي، داعيا إياها للتركيز على الدعوة والعمل الاجتماعي.
ودعا، خلال مداخلة له في الندوة التي نظمتها الجماعة، السبت، في مدينة سلا، بعنوان "التحولات الإقليمية الراهنة، أي دور للنخب والشعوب" بمناسبة الذكرى الثالثة لرحيل مؤسسها الشيخ
عبد السلام ياسين، إلى اعتماد هذه الحركات الإسلامية على "خطاب سياسي يرسخ أجواء الثقة، ويكثف العمل التشاركي من خلال مبادرات جماعية"، مع مراعاة نبذ العنف كيفما كان نوعه أو مصدره، على حد تعبيره.
وأشار الحمداوي في مداخلته، التي كانت بعنوان "التحولات الراهنة قراءة في المسار والمآلات"، والتي تحدث فيها عن السياق التاريخي للثورات التي شهدتها المنطقة العربية، إلى ضرورة "تحصين الجو السياسي من أي نوع من أنواع المنافسة غير الشريفة".
ولفت إلى أن "الغضب ما زال متأججا في أعماق الشعوب العربية الثائرة التي شعرت بالغبن مما وقع من انتكاسات لآمالها، ولأن الأسباب التي قامت بسببها الثورات ما تزال قائمة من قبيل الأمية والتهميش والقمع والاستبداد والبطالة..."، وتأسف لعدم وجود قيادة تنظيمية للجماهير التي ثارت على الأنظمة المستبدة في بلدانها، والتي اعتبر غيابها بـ"الأمر الطبيعي"، لكن "من غير الطبيعي أن تكون المكونات السياسية التي رافقت الثورة غير متفقة"، ما فوتت على نفسها الفرصة في جني ثمار الثورة، "ففتحت الباب أمام القوى المضادة الموحدة والمدعومة من طرف جهات خارجية"؛ لتستعيد السيطرة من جديد على زمام الأمور، وتعيد "الدولة العميقة"، على حد تعبيره.
واعتبر غزو أفغانستان والعراق "خطأ استراتيجيا فادحا"، أدى إلى خلق تحول لدى تنظيم القاعدة، "فبعدما كان مشتتا في قندهار وجبال تورابورا جمعه الغرب في عمق المنطقة العربية باحتلال العراق، وتسببت في أن يكون لهذا الكيان الغريب سيطرة على أراض واسعة في العراق وسوريا"، بحسب قوله.
وشدد على أن الخطأ الثاني الذي وقعت فيه الدول الغربية تمثل في توجيهها للمزيد من الضربات على الأراضي السورية، ردا على العمليات الإرهابية التي عرفتها باريس، عوض أن "تسرع في مسار الحل السياسي في سوريا مثلا"، وأشار إلى أن رد الفعل هذا هو ما أراده المتطرفون؛ لكسب المزيد من الأنصار، ولعب دور الضحية، والتغلغل أكثر وسط الشعب "الناقم على الحمم التي تنهال عليه من كل مكان".
ودعا في الأخير الغرب إلى تجاوز إشكالياته الفلسفية والفكرية مع الدول العربية والإسلامية، ويقر بضرورة التعايش معها، كما دعا إلى اعتماد خطاب سياسي عام يكرس الثقة وينبذ العنف.
بن عبدلاوي: هناك نخب شعبية وأخرى تدافع عن القيم الأجنبية
في حين قال مختار بن عبدلاوي، الأستاذ في الفلسفة والفكر الإسلامي بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، إن الفكر لكي يكون مؤثرا لا بد أن يتعرض لعملية الغربة والنقد، آنذاك يمكن أن تتحول هذه الأفكار إلى قوانين وسياسات.
ودعا بن عبدلاوي في مداخلته "التحولات الراهنة أي دور للنخب الفكرية"، الدولة لأن تكون منفتحة ومتابعة ومتقدمة ومرنة مع المجتمع الذي يجب أن يكون بدوره مرنا ومستعدا للحوار السلمي.
وأشار الأستاذ الجامعي في مداخلته إلى نوعين من النخب، نخب لها قاعدة شعبية عريقة (الحركة الوطنية المغربية)، ونخب تدافع عن القيم الأجنبية، وهي أقلية، وأوضح أن النخب الشعبية همشت في حين أن نخب الأقلية هي التي أصبحت تتحكم بدواليب الاقتصاد والإدارة.
وأضاف قائلا: "لا يمكن تجاوز هذا الانحباس بين ثقافة المجتمع وثقافة الدولة"، داعيا إلى جعل ثقافة المجتمع هي المهيمنة بحكم أنها تحمي القيم.
الغزواني: النخب المهمشة فوتت على نفسها فرصة التغيير
بدوره، عرض فتحي الغزواني عضو المكتب السياسي لحركة البناء الوطني التونسية في مداخلة بعنوان "أي دور للنخب السياسية في التحولات الراهنة"، للفرق بين النخب السياسية قبل الثورة وبعدها، حيث قال: "كان هناك صنفان من النخب قبل الثورة، نخبة متمكنة في سدة الحكم، وفي مواطن صنع القرار، ونخبة أخرى مهمشة مطاردة ومنفية".
وأوضح أنه بعد الثورة فوجئت النخبة المهمشة بهذه الثورة، غير أنها لم تتعاط معها كما كان يرغب الجمهور الثائر، حيث كان تجاوبها (النخبة) "مهتزا، انعكس على تصرفها عندما أوكلت إليها مهمة إدارة الشأن العام".
وأضاف قائلا: "النخبة الحاكمة رجعت ونكست إلى الوراء للحظات؛ لكي تستقرئ الواقع الجديد، خصوصا أنها استفادت من سدة الحكم طوال عقود، ما جعلها تتكيف بشكل سريع مع الواقع الجديد، وتبنت الخطاب الثوري فغطت بذلك على النخب المهمشة".
ولفت الغزواني إلى أن النخبة الحاكمة (التابعة للنظام الاستبدادي) صنعت لنفسها، بعد الثورة، رداء جديدا، وهيأت نفسها في وقت قياسي، فاستعادت زمام الأمور من جديد، في حين أن النخبة المهمشة "تقهقرت، ولم تكن في مستوى الحدث".
الربيعي: لا بد من تحرير العقل والإنسان
أما فاتح الربيعي، برلماني جزائري، فقال في مداخلته "دور النخب العلمية والدعوية"، إن الدعاة والمصلحون تنبهوا إلى ضرورة رفع مستوى العقل وتطويره؛ لأنه محل التكليف والتكريم، لذلك رفعوا شعار "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم"، مضيفا أن الواقع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي لا يتغير "إلا بتغير ما بالنفس".
وأشار إلى أنه إذا لم يتم تحرير العقل والإنسان، ولم تكن لهذا الأخير رسالة نابعة من عقيدته "فلن يحقق شيئا"، على حد تعبيره.
ودعا إلى ضرورة تحقيق ما أسماه "الكفاية العلمية"؛ حتى يكون هناك تقدم ورقي للدول العربية والإسلامية، موضحا أنه من بين أدوار النخب العلمية والدعوية "تثبيت الأمة أيام النوازل والمحن".
التاقي: النخب جزء من الشعوب لا بد من انصهارها فيه
وفي مداخلة لزينب التاقي، نائبة برلمانية موريتانية، التي اختارت لها عنوان "دور الشعوب في التحولات الراهنة"، قالت إن النخب هي جزء من الشعوب عليها أن تنصهر فيها، غير أنها "للأسف" اتخذت لنفسها برجا عاجيا، وكان خطابها خطابا فوقيا، ما جعل التساؤل يطرح: هل الشعوب هي من خلقت الثورة أم النخب؟ وهل الشعوب هي من أفشل الثورة أم هذه النخب؟
وأضافت بقولها: "لكي تضطلع الشعوب بدورها يجب إحداث إصلاح على كافة المستويات، أولا، على المستوى السياسي، يجب على النخب السياسية أن تهدف إلى ترسيخ مفهوم "الحكم الرشيد" في ثقافة الشعب والشفافية، فإن لم تكن هذه المعاني وهذه المفاهيم مطالب ملحة لدى الشعوب، فإن مشاركتها في عملية التغيير ستكون مستحيلة".
واستطردت قائلة: "وعلى المستوى الثقافي، نحن بحاجة إلى تحريك دواليب العقل المسلم، وتقديم رؤى نقدية لموروثنا الثقافي الذي ظل في كثير من جوانبه يكرس ثقافة الخمول والخنوع والتشرذم والتشتت، ويوطن لفكر الإقصاء، خصوصا في ظل الاستبداد"، على حد تعبيرها.
ودعت التاقي قوى المجتمع المدني أن تسعى لأن تكون رافعة للتنمية وتعريف الشعوب بحقوقها، مضيفة أنه "على المستوى الاجتماعي لا بد أن تسعى النخب إلى بناء ثقافة وتصورات تجعل المجتمع يسمو على اختلافاته وعلى كل النعرات الناجمة عن تلك الاختلافات، ما يعزز نسيجه ولحمته الاجتماعية، ويمكّن من معايير التقوى وقيم المواطنة"، مشددة على دور التربية التي اعتبرتها "أساس كل تغيير".
وأكدت التاقي، في ختام مداخلتها، أنه إذا أحدث التغيير على كافة المستويات السابقة، آنذاك يمكن للأمة أن تكون عليها رهانات كبرى لمعركة الوجود، والانتصار على الاستبداد وفرض ذاتها على الدول المهيمنة.
يذكر أن
الندوة العلمية التي أقيمت في مقر
جماعة العدل والإحسان، السبت، في مقرها بسلا، بعنوان "التحولات الإقليمية الراهنة، أي دور للنخب والشعوب؟"، التي تأتي ضمن تخليد الذكرى الثالثة لرحيل مرشد الجماعة عبد السلام ياسين، حضرها أعضاء مجلس إرشاد الجماعة، وعلى رأسهم الأمين العام محمد عبادي، إضافة إلى مجموعة من قيادييها، ولفيف من المفكرين والفاعلين الجمعوين والحقوقيين وأحزاب سياسية من داخل المغرب وخارجه.