نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" تقريرا لإدوارد لوس، قال فيه إن جريمة
سان برنارديو تبدو وكأنها جانب المقياس الآخر، مقارنة بهجمات 11 أيلول/ سبتمبر: مقتل 14 شخصا مقابل 3000، وزوجان قاما بإقناع نفسيهما بالأفكار المتطرفة مقابل 20 من إرهابيي تنظيم القاعدة المدربين، وهجوم تم القيام به مشيا على الأقدام في إحدى الضواحي، مقابل طائرات ضربت البرجين في نيويورك.
ويستدرك التقرير بأنه بالرغم من هذا، فإن الحادثة تمخضت عن تداعيات خطيرة، قد تغير وجه
الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها العام القادم، حيث أصبح الشعب الأمريكي يشعر بالعرضة للخطر من عدو داخلي. ويصعب في الواقع أن يبالغ المرء بتأثير ما وقع في سان برنارديو على الحالة النفسية الأمريكية.
ويقول لوس إنه "حتى قبل جريمة الأربعاء، التي سماها مكتب التحقيقات الفيدرالي عملا إرهابيا، فإن الخوف من الإرهاب تفوق على الاقتصاد، كونه أهم ما يقلق الشعب، بحسب الاستطلاعات، وجاء ذلك رد فعل على مجازر
باريس الشهر الماضي، التي ذهب ضحيتها 130 شخصا".
ويضيف الكاتب أن "مؤشر الخوف كان في صعود طيلة الوقت، منذ بث
تنظيم الدولة فيديوهات قطع رؤوس الأمريكيين وغيرهم قبل أكثر من عام. من السهل التقليل من شأن القلق العام حول أحداث احتمال وقوعها ليس كبيرا، فاحتمال أن يموت الشخص في حادث سيارة، أو يختنق بينما يتناول القرشلة أكبر من أن يموت في هجوم إرهابي في أمريكا. ولكن الخوف ليس معادلة حسابية، وهذه هي فكرة الإرهاب".
ويتساءل لوس: "ماذا يعني هذا لعام 2016؟ كلما زاد قلق الأمريكيين من الإرهاب المنتج محليا قلت ثقتهم بالإدارة. وكان الرئيس باراك
أوباما مثالا للهدوء في وجه التخمينات بخصوص هجوم سان برنارديو. وحذر الناس قائلا إنه يجب انتظار نتائج التحقيق، وقال إن مثل تلك الهجمات تقوي حجة المطالبين بتشديد قوانين اقتناء السلاح. وكان الرئيس قد أبدى التحفظ ذاته بعد مذابح باريس، حيث قال إنها كانت إخفاقا في الحرب ضد تنظيم الدولة، التي كانت مع ذلك تحقق تقدما. وبعد ذلك بأيام قال إن عقد مؤتمر التغير المناخي في باريس سيكون "توبيخا" للإرهابيين الذين يريدون تعطيل أسلوب الحياة الغربية".
ويعلق الكاتب: "لا يمكن الاعتراض على محتوى رد فعل أوباما، حيث يجب على الزعماء عدم إثارة الذعر، وعليهم أخذ الأدلة بعين الاعتبار قبل التصرف. إلا أن انطباع الانفصال غذى شعورا بأنه متردد، بل أسوأ من هذا، أن الإجراءات التي اتخذها إلى الآن لمحاربة تنظيم الدولة هي مجرد ردود فعل. وبعد أن اعتبر تنظيم الدولة مجرد تهديد بسيط قبل 18 شهرا، اضطر الرئيس أوباما لاتخاذ عدد من الخطوات التصاعدية، بدءا بالحملة الجوية، ثم نشر القوات الأمريكية المتدرج في العراق".
ويشير لوس في تقريره، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن "أوباما أحاط كل خطوة بحذر شديد. وأعلن في شهر تشرين الأول/ أكتوبر، أنه سيرسل 50 عنصرا من القوات الخاصة إلى سوريا، ولم يصلوا حتى الآن. وأعلن هذا الأسبوع عن مئة عنصر سيرسلهم إلى العراق. فمن الصعب ألا يكون المرء انطباعا بأن أوباما هو ضحية عملية عسكرية تمتد بشكل متدرج، وهي عملية لا يؤمن بها".
ويجد الكاتب أنه لهذا السبب "تتزايد الهوة بين أوباما ومنتقديه اتساعا، خاصة مع مرشحي الحزب الجمهوري للرئاسة. فالآن هناك جبهة جديدة يستطيعون توجيه النقد اللاذرع للرئيس بخصوصها. وبحسب تقارير مكتب التحقيق الفيدرالي، فقد قام الزوجان سيد فاروق وتاشفين مالك بتجميع كمية من الأسحلة والمتفجرات المصنعة بيتيا، مثل القنابل الأنبوبية والبنادق شبه الأوتوماتيكية وحوالي ستة آلاف رصاصة، وتمكنا من الإفلات من الرقابة؛ كونهما زوجين، ولم يكن عليهما الاتصال ببعض إلكترونيا".
ويرى لوس أنه "إن كان مصدر إلهامهما هو تنظيم الدولة أم لا، أو أنه تم توجيههما من التنظيم أم لا، فإن التداعيات كبيرة. وكان السيد فاروق، الذي ولد في أمريكا، يعيش حياة مريحة في وظيفة للطبقة الوسطى، حيث يكسب 70 ألف دولار سنويا، وكان الزوجان قد أنجبا طفلهما الأول في شهر أيار/ مايو".
ويعتقد الكاتب أن "ما يقلق هو كونهما كانا عاديين. ويتساءل الناقدون كيف لم يستطع مكتب التحقيقات الفيدرالي ملاحظة تجميع الزوجين لذلك الكم من الأسلحة النارية. وربما يكون من الأصح السؤال هو كيف كان على الشرطة الأمريكية والمخابرات المحلية أن تكشفاهما. حيث كان شراء الزوجين للأسلحة بشكل قانوني، ولم يتركا أي مؤشرات لآرائهما المتطرفة على شبكة الإنترنت أو بأي شكل آخر".
ويحذر لوس من "تزايد مخاطر وقوع مثل تلك الجرائم، وكذلك ردود الفعل التي تأتي بنتائج عكسية. وقد دعا تنظيم الدولة وتنظيم القاعدة مؤيديهما في الغرب بالقيام بهجمات في المجتمعات التي يعيشون فيها. وكان مرشح الحزب الجمهوري الأوفر حظوظا دونالند ترامب، حث الأمريكيين على أن يكونوا متنبهين بخصوص جيرانهم المسلمين. وقال: (إن شككتم في شيء فأخبروا الشرطة، ستكونون في الغالب مخطئين، ولكن لا بأس في هذا. فكل واحد هو شرطي نفسه بشكل أو بآخر، وعليكم فعل ذلك)".
ويربط الكاتب هذا كله "مع اقتراب الانتخابات الرئاسية، حيث يتوقع زيادة الاستقطاب الذي يريده تنظيم الدولة. وقال 31 حاكما جمهوريا بأنهم لن يسمحوا بدخول اللاجئين السوريين إلى ولاياتهم. أما الديمقراطيون في المقابل فيتحدثون عن المزيد من القوانين الصارمة، التي تنظم اقتناء الأسلحة. وينظر كل من الحزبين إلى واقع غير الذي ينظر إليه الآخر".
ويختم لوس تقريره بالقول: "وأفضل الأمثلة هو مصير اقتراح متواضع بمنع 47 ألف شخص على قائمة الممنوعين من الطيران من شراء الأسلحة النارية. ولكن المقترح لم يقر ولا يتوقع أن يقر. فيمكن للسلطات الأمريكية أن تمنعك من الطيران، وقد يكون لديها سبب قوي لتخافك، ولكن لن تحرمك، لا سمح الله، حقك في حمل السلاح".