احتفلت المعارضة في فنزويلا، الاثنين، بغالبيتها
البرلمانية التي حققتها للمرة الأولى منذ 16 عاما، في اقتراع جرى الأحد، على خلفية استياء شعبي إزاء الأزمة الاقتصادية التي أفرغت متاجر هذا البلد الغني بالنفط.
وصرح خيسوس توريالبا، رئيس ائتلاف المعارضة "طاولة الوحدة الديموقراطية" الذي أحرز النصر: "اليوم بدأ التغيير في فنزويلا"، وذلك بعد فوز ائتلافه بـ99 مقعدا من أصل الـ167 في البرلمان المؤلف من مجلس واحد، مقابل 46 مقعدا للحزب الاشتراكي الموحد بزعامة الرئيس نيكولاس مادورو، فيما لا يزال 22 مقعدا غير محسوم بعد في انتظار انتهاء عمليات فرز الأصوات.
وتابع توريالبا أن "الشعب قال كلمته بوضوح، العائلات الفنزويلية سئمت من معايشة تبعات فشل" برنامج الحزب الاشتراكي الموحد في فنزويلا الذي بنى شعبيته على البرامج الاجتماعية.
ورحبت الأمم المتحدة بسير عملية
الانتخابات "سلميا". وقال فرحان حق، المتحدث باسم الأمين العام بان كي مون، أمام الصحفيين في مقر الأمم المتحدة في نيويورك: "من المؤكد (...) أن الشعب قال كلمته، ونأمل أن يحترم الجميع نتائج الانتخابات"، مضيفا: "من المرحب به على الدوام إجراء الانتخابات بصورة سلمية".
وقال وزير الخارجية الأمريكي جون كيري في بيان: "إن الولايات المتحدة تهنئ شعب فنزويلا لإسماع صوته بصورة سلمية وديموقراطية في اليوم الانتخابي" الأحد، مضيفا: "الناخبون الفنزويليون عبروا عن رغبة لا تقهر في تغيير التوجه لبلادهم. إن الحوار بين جميع الأطراف في فنزويلا ضروري لمواجهة التحديات الاجتماعية الاقتصادية التي تواجهها البلاد". وقال كيري: "إن الولايات المتحدة مستعدة لدعم مثل هذا الحوار مع آخرين في المجتمع الدولي".
واعتبرت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فديريكا موغيريني؛ أن الأمر يتعلق بـ"تصويت من أجل التغيير"، و"نداء واضح إلى جميع الفاعلين السياسيين والمؤسسات في فنزويلا لبدء جهود سياسية بناءة".
وهنأ رئيس الحكومة الإسبانية ماريانو راخوي (يميني) الفنزويلييين، وطالب بالإفراج عن المعارضين المسجونين، وبينهم ليوبولدو لوبيز رئيس حزب الإرادة الشعبية المعارض والعضو في ائتلاف طاولة الوحدة الديموقراطية، وهي مسألة سممت العلاقات بين البلدين.
من جهته، أعلن الرئيس الكوبي راؤول كاسترو؛ دعمه لنيكولا مادورو الذي خاض، بحسب قوله: "معركة استثنائية" خلال هذه الانتخابات الخاسرة التي تضع حليفه الاستراتيجي والشريك التجاري الرئيسي للجزيرة في وضع صعب.
"صفعة"
وفي حال الحصول على المقعدين اللازمين لإحرازه الأغلبية البرلمانية 61 في المئة في البرلمان، يمكن لهذا الائتلاف الفائز المتنوع من اليسار إلى اليمين؛ إطلاق إجراءات لحجب الثقة عن نائب الرئيس أو أحد الوزراء. كما أنه يعتزم تبني إصلاحات اقتصادية في النصف الأول من السنة المقبلة، إضافة إلى العفو عن 75 سجينا سياسيا.
لكن في إطار النظام الرئاسي في البلاد، فإن هذا الائتلاف سيواجه صعوبة لإحراز توازن مقابل التيار التشافي (نسبة إلى الرئيس السابق هوغو
تشافيز)، نظرا إلى قدرة مادورو على الحد من صلاحيات البرلمان الجديد الذي يبدأ مهامه في 5 كانون الثاني/ يناير، ولو أنه يجازف بذلك بإثارة احتجاجات.
وبالرغم من المخاوف من حصول اضطرابات في البلد الذي شهد عام 2014 تظاهرات أسفرت بحسب الحصيلة الرسمية عن مقتل 43 شخصا، مضى يوم الانتخابات بهدوء، وشهد "مشاركة استثنائية" بلغت نسبتها 74,25 في المئة، بحسب المجلس الوطني الانتخابي.
وعند إعلان النتائج الرسمية ليلة الأحد، بعد تأخير استمر عدة ساعات، ارتفعت هتافات الفرح وأصوات المفرقعات في بعض أحياء كراكاس، فيما فرغت ساحة بوليفار التي تجمع فيها التشافيون تدريجيا.
وفور إعلان النتائج، أعلن مادورو (53 عاما) وريث تشافيز السياسي ورئيس البلاد منذ وفاته في 2013، اعترافه بها، وقال في كلمة تلفزيونية: "جئنا بأخلاقياتنا وأدبياتنا للاعتراف بهذه النتائج وقبولها، ولنقول لفنزويلا إن الدستور والديموقراطية انتصرا". لكنه أقر أنه تلقى هذه الهزيمة "كصفعة".
"تصويت عقابي"
وكانت استطلاعات الرأي تشير منذ عدة أشهر إلى فوز كاسح للمعارضة في هذه الانتخابات، مستفيدة من الاستياء الشعبي في ظل الأزمة الاقتصادية الناتجة عن هبوط أسعار النفط في بلد يملك أحد أكبر الاحتياطات النفطية في العالم.
واعتبر لويس فيثينتي ليون، رئيس مؤسسة الاستطلاعات "داتاناليسيس"، أن هذا الفوز يشكل "تصويتا عقابيا بالغا في الأهمية ردا على إدارة مادورو"، وهو منعطف تاريخي في هذا البلد منذ وصول الحركة التشافية إلى السلطة عام 1999.
وهو يأتي بعد أسبوعين على انتخابات أخرى بارزة جدا في أمريكا اللاتينية، تلك التي أوصلت ماوريسيو ماكري إلى الرئاسة في الأرجنتين، منهية 12 عاما من سلطة نستور ثم كريستينا كيرشنر، الحليفين الكبيرين لتشافيز واللذين بدآ معه نقل المنطقة إلى اليسار مع انطلاق سنوات الألفين.
وفي فنزويلا، ستؤدي هذه النتيجة إلى "إعادة تشكيل القوى السياسية"، على ما أكد المحلل الفنزويلي نيكمر إيفانز، فيما أشار المحلل السياسي جون مغدالينو إلى أنها قد تشكل ثقلا موازيا في بلد تخضع فيه السلطات بالكامل للتشافية، بحسب قوله.
ورأى ليون أنها "ستغير قدرة المعارضة على التفاوض. على الحكومة الإقرار بذلك، وإن رفضت ذلك فسنواجه نزاعا مؤسسيا".
أما المحلل في كابيتال إيكونوميكس، إدوارد غولسوب، فبدا أكثر تشاؤما، واعتبر أن "تغييرا كبيرا في السياسة غير مرجح"، وتوقع دييغو مويا- أوكامبوس، الخبير في مكتب آي اتش أس "شللا سياسيا، وتفاقما لنقص الأغذية والسلع، وانعدام الاستقرار الحكومي".
وبعيدا عن الاعتبارات السياسية، قال الناخب وليام كراسكو (55 عاما) الأحد؛ إن همه الرئيسي هو تأمين التموين لمنزله. فكل يوم جمعة يجول على المتاجر بين الساعة 07:00 والساعة 15:00 بحثا عن مواد أساسية مثل الأرز أو ورق الحمام.