منذ إنشاء مخيم
الزعتري في الأردن، اتبع اللاجئون السوريون طرقا لممارسة
التجارة داخل المخيم، عبر مقايضة السلع، أو ما يسمى "مقايضة الحصة الغذائية" لتأمين احتياجات أسرهم، لكن الأساليب تطورت لتواكب الطرق الجديدة التي تتبعها الأمم المتحدة في توزيع المساعدات.
فعندما يدخل الزائر للمخيم، ويتجول في سوقه وبين قطاعاته، من الطبيعي أن يسمع صوت البائع الجوال وهو ينادي: "يلي عنده تمر، يلي عنده عدس، يلي عنده برغل ورز للبيع".
وهكذا تبدأ قصة المقايضة، وهنالك أشخاص متخصصون بهذه التجارة، ولهم معرفة كاملة بهذا النوع من الصفقات، حيث قاموا بفتح المحلات التجارية التي تتعامل بمقايضة السلعة الغذائية، بالإضافة إلى العربات الجوالة التي تتولى شراء الحصص الغذائية التي تصل إلى
اللاجئين ضمن المساعدات الغذائية التي تقدمها منظمة الغذاء العالمي ومفوضية شؤون اللاجئين، كالحمص والعدس والمعلبات بكل أنواعها.
وسابقا، كانت مساعدات اللاجئين عبارة عن السلة الغذائية التي تتألف من السكر والملح والعدس والبرغل، ولكن فيما بعد أصبحت تقدم على شكل الكوبون الغذائي، ليتوجه اللاجئون لشراء حاجاتهم المتنوعة من خلال تخصيص محلات تجارية في المخيم، وهذا من أجل فتح المجال أمام اللاجئين لاختيار السلع الغذائية التي تناسبهم.
ولكن تعامل اللاجئون مع قسائم الكوبون بطريقتهم التجارية الخاصة، حيث يقايض اللاجئون الكوبون الغذائي بالمال والملابس وغيرها من الأشياء الكثيرة. وقد ظهرت محال تجارية لبيع الأدوات الكهربائية والأدوات المنزلية، وكل ذلك من خلال التصرف بالكوبون الذي تقدمه المفوضية.
كل شيء قابل للبيع
يقول اللاجئ السوري محمد علي، وهو من ريف دمشق، لـ"عربي21": "لقد قمنا بمبادلة ومقايضة المواد والأشياء المقدمة لنا كمساعدة من المجلس النرويجي لنستمر بحياتنا، ولا أخفيكم، إنها بضاعة مهمة بالنسبة للتجار، وذات قوة شرائية، والطلب عليها عال جدا".
لكن محمد علي عبر أسفه لأن "سعر هذه البضائع لا يخضع لأي رقابة، والسوق السواء هي المتحكم بأنفاس اللاجئين، ودائما يظلم اللاجئ بسبب الحاجة"، كما يقول.
ويضيف قائلا: "أما بالنسبة لقسيمة الغاز المقدمة من المجلس النرويجي فوجد اللاجئون السوريون عدة طرق لمقايضتها، كبيعها بنصف الثمن، أو تبديلها بمواد غذائية من المولات، أو مواد تنظيف ومستلزمات أخرى".
من جهتها، قالت الناشطة الاجتماعية والإغاثية، أسماء محمد، لـ"عربي21": "إن أغلب سكان مخيم الزعتري ومنذ بدايته يقومون بالمبادلة، وذلك لحاجتهم للتنوع".
وأضافت: "كمجتمع قائم، وجد اللاجئون أساليب كثيرة للتحايل على واقعهم كلاجئين يحصلون على نوعية معينة، سواء من الغذاء أو غيره، وقاموا بالمبادلات على أساس رغباتهم وحاجاتهم الأساسية كاللباس، والطعام المتنوع وغيره".
وتتابع قائلة: "شهدت المقايضة مراحل عدة، وفي كل مرة يكون هنالك خطة جديدة للمبادلة حسب درجة أهمية الشيء لدى اللاجئ، قد يظلم اللاجئ أحيانا، ولكن، بالنتيجة، كلا الطرفين راض عن عملية المبادلة"، وفق قولها.
والجدير بالذكر أنه ليس هنالك طرف خارجي، وإنما تتم المقايضة بين اللاجئ "التاجر" ولاجئ آخر، فالمخيم هو مجتمع قائم بحد ذاته.
الفيزا كارد والطرق الجديدة
في زمن الفيزا كارد التي تحمل مبلغا من المال لكل عائلة لاجئة، تضعه مفوضية شؤون اللاجئين، يتم شراء مواد غذائية من الأسواق الخاصة بداخل المخيم (المول). وهناك التقت "عربي21" بـعماد العاصم، الذي قال إن اللاجئين يقومون بعملية بيع المبلغ المخصص عبر البطاقة، بثلثي قيمته، والطريقة هي "أن يذهب المشتري إلى السوق التجاري بداخل المخيم، ويحضر ما يريد من الأغذية عن طريق الفيزا كارد الخاصة بالبائع (اللاجئ)، وبعد ذلك يدفع له ثلثي الثمن نقدا".
وقد لجأت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين لوضع قواعد صارمة على أصحاب البطاقات هذه من اللاجئين، من أجل ضمان استفادتهم من قيمة المبلغ المخصص لهم للمواد الغذائية، حيث يجب أن يذهب صاحب الفيزا بنفسه، ويحمل معه البطاقة الخاصة به.
ومع ذلك لم يستسلم اللاجئون، حيث وجدوا طريقة جديدة للمقايضة، وأصبحوا يشترون المواد الهامة من الأسواق التجارية في المخيم، كالسكر والحليب، ويقومون ببيعها لتجار الجملة والمحلات التجارية بسعر أقل من سعرها الحقيقي من أجل الحصول على المال، كما أفاد شهود من داخل المخيم لـ"عربي21".