أصلحوا النظام قبل أن تصلحوا المناهج

مفارقة أن تطالب دول عربية ذات صبغة شمولية محاربة التطرف، في الوقت الذي تفتقد هذه الدول لأبسط مقومات الديموقراطية وتمارس تطرفا وعنفا بحق الآراء المخالفة لها، وتنكر على الشعوب حقها في تقرير المصير والمشاركة في الحياة السياسية.
 
ترافق تطرف الأنظمة مع خطاب بعض "النخب" العربية حول محاربة التطرف من باب "المناهج" في دول مثل تونس والمغرب و الأردن ومصر، مع إغفال هذه النخب غياب الاصلاح السياسي الذي يحفز الشباب على المشاركة السياسية والانخراط في الأحزاب وتحقيق العدالة الاجتماعية والتعددية، فأفقدت دول عربية الشباب أي أمل في التغيير  على الصعيد السياسي والاقتصادي، ما دفعهم إلى الالتحاق بالتنظيمات المتطرفة.
 
قضية المناهج على أهميتها لم تكن حجر الأساس في عثور هذه التيارات على بيئة خصبة لها في صفوف الشباب العربي، فالشواهد عديدة لشباب عرب درسوا مناهج غربية، وتشبعوا بالثقافة الأوروبية والتحقوا بتنظيمات متشددة، لكن ما تحدثه الأنظمة المستبدة والطائفية في الوطن العربي خلق حالة من الحنق والغضب بعد أن قمعت تلك الأنظمة شعوبها بالحديد والنار، وانقلبت على مطالبهم في تحقيق إصلاح سياسي وخلق بيئة من الحريات، واستبدلت ذلك باصلاح الخطاب الديني ومحاربة تيارات الإسلام السياسي تحت ذريعة "محاربة التطرف".
 
ومارست دول عربية في المنطقة قهرا وقمعا وتطرفا بحق إرادة الشعوب، ولّد عنفا في مواجهة آلة البطش البوليسية في ظل انسداد الأفق والأمل في العدالة والعيش بكرامة، وكسر حالة التفرد السياسي لأنظمة قائمة على أجهزة المخابرات والأمن. التطرف جاء ردة فعل على تطرف هذه الأنظمة.
 
الشباب المحبط اقتصاديا وسياسيا تواق للتغيير، بعد أن نُهبت مقدرات الأوطان وخصخصت الشركات العامة وبيعت المؤسسات الوطنية، وانتهكت كرامة المواطن، ورُفع شأن الفاسدين، لم يجد الشباب سبيلا للتغيير بعد أن قوبلوا بالرصاص والنار والبراميل المتفجرة، سوى قوى متشددة استطاعت فرض معادلة التغيير بطريقتها وربما أشبعت غريزة الانتقام لدى البعض.
 
الأولوية في محاربة التطرف تكمن في إصلاح النظام السياسي في البلاد العربية، وانتخاب حكومات ومجالس نيابية تمثل الشعب، ما يعني في المحصلة إصلاح النظام الاقتصادي، وخلق فرص عمل للشباب، ومحاربة الفساد، وتوزيع الثروات بشكل عادل، وتحقيق تنمية اقتصادية وإصلاح النظام التعليمي المترهل في أغلبية الدول العربية ودعم البحث العلمي والجامعات، ورفع القبضة الأمنية، وتحقيق المساواة بين كافة مكونات المجتمع من خلال دولة يسودها القانون على الجميع.
 
إلى جانب غياب الأمل لدى الشباب في الحرية والإصلاح وقمع الأنظمة العربية المستبدة للشعوب، يجب ألا نغفل وجود ظروف إقليمية ودولية عززت التطرف ونمو الجماعات المتشددة، كاحتلال دول عربية وتدمير ثرواتها، وانتهاكات الاحتلال الإسرائيلي اليومي للشعب الفلسطيني وبقائه جاثما على صدورنا، في ظل تخاذل وتواطؤ عربي أحيانا مع المحتل والانحياز الغربي للكيان الغاصب على حساب أهل الحق.