ذكرنا
السيسي بالمجلس الأعلى للقوات المسلحة، عندما تم الإعلان يوم الأربعاء الماضي، عن أنه دعا المجلس للانعقاد برئاسته بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة!
المجلس العسكري، هو من تولى الحكم بقرار من المخلوع مبارك، الذي تنحى بقوة الدفع الثوري، وقاد البلاد نيابة عن الثورة المضادة، فخرج الثوار للميادين يهتفون بسقوط حكم العسكر. ومن المفترض أنه لا دور سياسي للمجلس الآن، وانعدام هذا الدور، ولو نظريا، لم يجعل أحدا مهتما بمعرفة من بقي من زمن الحكم ومن خرج على التقاعد، وعلى سبيل المثال، فقد تذكرت بمناسبة الإعلان عن انعقاد المجلس، أنني لا أعرف مصير اللواء "عتمان"، الذي تلا بيان المجلس بعد تنحي مبارك، وقدم التحية العسكرية لشهداء ثورة يناير، قبل أن يؤكد رئيس هذا المجلس في شهادته، أن ثورة يناير مؤامرة خارجية!
الثورة الطيبة البلهاء، استقبلت هذه التحية بالهتاف للجيش الذي حمى الثورة، وفي هذه الليلة لو ترشح "عتمان" رئيسا للبلاد لفاز بسبب هذه التحية، ويبدو أن السيسي استشعر الخطر من شعبيته فعمل على حرقه سياسيا، وهو الذي كان يسيطر على المجلس الأعلى للقوات المسلحة عن طريق سيطرته على قلب المشير طنطاوي، الذي كان يشعر تجاهه بعاطفة الأبوة. عبقري السيسي في التزلف لرؤسائه، وقد كان يتعامل مع الرئيس محمد
مرسي بعد ذلك على أنه "مريد" في حضرة شيخه.
لقد تم تكليف اللواء "عتمان" بعد ذلك بإلقاء بيان المجلس العسكري التحذيري للثورة، واستخدم سبابته في التهديد، فناصبته الثورة العداء، وهتفت ضده، وقال الثوار إنهم سيقطعون هذا الإصبع!.
ما علينا، فكما يقولون أن الشيء بالشيء يُذكر، وكما يقول أهل البادية "الكلام يجر بعضه بعضا"، فقد ذكرنا الاجتماع بالذي مضى!
فها هو المجلس الأعلى للقوات المسلحة يتم دعوته للانعقاد، بعد الإعلان الروسي عن أن
الطائرة الروسية قد انفجرت من جراء قنبلة وضعت بداخلها، وأعلنت القيادة الروسية أنها سوف تستخدم المادة (51) من ميثاق الأمم المتحدة في حربها دفاعا عن كبرياء موسكو، الذي تم طعنه باستهانة في مطار شرم الشيخ. والمعنى أن القوات الروسية قد تتدخل للحرب ضد تنظيم الدولة "داعش" في سيناء، وتستبيح الأراضي
المصرية، ولأن التنظيم سبق له التهديد بأنه سينقل نشاطه للقاهرة، فلا يوجد ما يمنع من أن ينتقل الروس في معركتهم ضد التنظيم إلى قلب العاصمة المصرية.
هكذا دون تنسيق مع "الصديق السيسي"، الذي صفق له أنصاره عندما سافر لروسيا، وقالوا إنه خرج من التبعية الأمريكية بذلك، وعبثا حاولنا إفهام القوم أن
روسيا ليست الاتحاد السوفيتي، وأن بوتين ليس خرشوف، وأن السيسي ليس جمال عبد الناصر. كنا نتحدث حديث العقل في "مولد" منصوب، غاب فيه العقل وحلت العاطفة الجياشة، وعندما أهدى الزعيم الروسي، عبد الفتاح السيسي، "الجاكت"، الذي احتارت البرية في الوقوف على صفته التشريحية، أقام الإعلام المصري "زفة" لأن هذه الهدية كاشفة عن الاحترام الذي يكنه الزعيم بوتين للزعيم المصري، مما يمهد لعلاقة قوية بين الزعيمين أو بين "القيصر والفرعون" بحسب قول صديقنا المتخصص في الشؤون الروسية الدكتور "نبيل رشوان"!
وللحديث عن قيمة الهدية الروسية، ظننت أن هذا "الجاكت"، الذي يشبه "الزعبوط"، خاص بوالد بوتين، الذي لم يجد أعز من السيسي ليهديه إياه، باعتبار أن "الجاكت" هدية ثمينة لأن فيه من "رائحة الحبايب"، ومن "عظم التربة"، وربما لأن السيسي وثيق الشبه بوالد فلاديمير، المغفور له بإذن الله تعالى الحاج "وفيتش بوتين"، فقد قرر إهداءه إياه، وأصر أن يراه عليه، صحيح أنه كان قصيرا من ناحية الأكمام، وفي الطول، وضيقا ناحية الأرداف، لكن الهدية لها قواعد أخرى تحكم عملية التقييم، وقديما قيل إن "بصلة المحب خروف"!
حادث الطائرة الروسية، أثبت أن "الروس" ليسوا عاطفيين مثل العرب، ولو كان "بوتين" عربيا أصيلا، لقال للسيسي: الضحايا فداؤك، لكن لأنه ليس عربيا، فلم يكن مهتما في ردة فعله، أن يحافظ على كرامة صديقه السيسي، وليس بينهما "خبز وملح" فقط، ولكن بينهما "زعبوط" أيضا، وقديما قال أهل البادية، "العيش والملح لا يهن إلا على ابن الحرام". وعند أهل البادية فإن "العيش" مرادف لـ "الخبز".
لقد أعلن الرئيس "بوتين" سحب السائحين الروس من مصر، دون تنسيق، ثم خطى خطوة أخرى بأن أوقف استقبال طائرات مصر للطيران في المطارات الروسية أيضا دون تنسيق، وبدا أهل الحكم في مصر كما "الأطرش في الزفة"!
وعلى الرغم من التحقيقات الخاصة بتفجير الطائرة الروسية في مصر، وفي حضور جهات أجنبية من بينها وفد من موسكو، فإن جهاز أمن الدولة الروسي أعلن دون تنسيق أيضا مع الجانب المصري، عن أن الطائرة جرى تفجيرها بقنبلة وضعت داخلها، وكان الإعلان عن الأخذ بالمادة سالفة الذكر في ميثاق الأمم المتحدة، وكأن مصر محكومة بالهواء، وكأنه قرر إدارة حرب في الأرض الخراب، التي ليس لها صاحب.
وكان التعالي على السيسي واضحا منذ البداية، فعندما عقد المؤتمر الصحفي للطيار أيمن المقدم رئيس هيئة التحقيق، قال الرجل إنه دعا الجانب الأجنبي ولا يعرف سبب عدم حضوره المؤتمر.
وبعد ذلك أمد الجانب البريطاني بمعلوماته عن الحادث للجانب الروسي دون اطلاع القيادة المصرية عليه.
وفي أجواء الحرب هذه، فإنه عندما يدعو المجلس الأعلى للقوات المسلحة للانعقاد برئاسة السيسي، فإنه يتوقع الرد على هذا الصلف الروسي، أو حتى مناقشته، ففي ظني أن عقل المتابع لن يذهب به في الاتجاه الآخر الذي بشر به "أحمد موسى" الشعب المصري، وهو يقول جيشك سيوفر لك "البيض"، و"العكاوي" و"الفخذة الضاني"، وبأرخص الأسعار.
لقد انفض الاجتماع، وصدر عنه بيان إنشائي، وبدا كما لو كان لمناقشة الإجراءات الأمنية في المطارات، وهو أمر يقع ضمن مسؤولية وزارة الداخلية، وحتى لو كان الهدف الدفع بالجيش لمشاركة الداخلية فيه، فإنه أمر لا يستدعي دعوة المجلس الأعلى، وقادة الأفرع الرئيسية بالجيش، وإنما كان يكفي اجتماع رباعي برئاسة السيسي يحضره وزير الداخلية، ووزير الدفاع، ورئيس الأركان.
بيان تنظيم الدولة "ولاية سيناء"، صدر بينما المجلس العسكري منعقد، وربما أفسد الهدف من الاجتماع، وقطع طريق المناورة على السيسي، بإعلان التنظيم أنه من زرع القنبلة، مستغلا ثغرة أمنية في المطار، ونشر التنظيم وثائق خاصة ببعض الضحايا الروس، مما يعني أن رجاله وصلوا لحطام الطائرة مبكرا، وبشكل يدفعنا للتساؤل: مطار هذا أم "موقف عبود"؟، وهو موقف سيارات "الميكروباص" في أحد أطراف محافظة القاهرة من ناحية منطقة "عبود"، ينقل المسافرين إلى الأقاليم والمحافظات الأخرى.
تكمن أزمة السيسي، في أنه إذا كان الغرب يريد لمصر حاكما يحمي مصالحه، فقد أظهرت الأيام أنه ليس هذا الرجل، الذي استدعى الإرهاب، وقال إنه تحت السيطرة، ليتبين أنه فشل في المهمة الوحيدة التي كرس لها كل جهده وهي محاربة الإرهاب.
والحال كذلك، فقد كنت أنتظر من اجتماع المجلس العسكري أن يدافع عن السيادة المصرية، وعن كرامة السيسي نفسه، لكن أذل الحرص أعناق الرجال.
فأنا لا أفهم، كيف تواجه مصر بالغطرسة الروسية، وبما يمكن أن يهدد سيادتها ثم يجتمع السيسي بالمجلس الأعلى للقوات المسلحة، ويتصرفون على أنهم من "بنها"، لم يسمعوا شيئا مما حدث؟!
نحن لا نريد من القوم أن يوفروا لنا "فخذة اللحمة الضاني" و"العكاوي" و"الزبدة الفلاحي"، فدورهم هو التصدي للتهديدات الخارجية.
[email protected]