نشرت صحيفة لوبوان الفرنسية تقريرا، قالت فيه إن نظام بشار
الأسد يعدّ الطرف الأكثر استفادة من التطورات السياسية التي أعقبت هجمات
تنظيم الدولة على العاصمة الفرنسية، إذ إن هذه الأحداث ساهمت في تعزيز مكانته في مواجهة خطر تنظيم الدولة، كما أن تصعيد عمليات القوى الغربية ضد تنظيم الدولة ستؤدي لتقوية وضعية قوات الأسد.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن بشار الأسد استغل هجمات
باريس للقول إن السياسات الخاطئة التي اعتمدتها الدول الغربية، خاصة
فرنسا، في منطقة الشرق الأوسط، ساهمت في انتشار الإرهاب.
ولاحظت أنه الرئيس الوحيد الذي خرج عن صف خطابات المواساة الموجهة للرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند بعد هجمات باريس، حيث إنه استغل الزيارة البرلمانية التي قام بها نواب فرنسيون يوم السبت إلى دمشق، لتوجيه الانتقادات للغرب والتباهي بأنه "حذرهم" مما سيحدث في أوروبا قبل ثلاث سنوات، وحذرهم من الاستهزاء مما يحدث في
سوريا.
واعتبرت الصحيفة أن الأسد يمتلك كل الأسباب ليشعر بالسعادة بعد هذه الهجمات؛ لأنها ستدفع فرنسا نحو تركيز جهودها على محاربة تنظيم الدولة في سوريا، وهو ما سيساهم في إنقاذ النظام السوري من الورطة التي يعانيها في الميدان.
وفي هذا الإطار، جاءت تصريحات الرئيس هولاند الذي قال لأول مرة أمام البرلمان الفرنسي: "عدونا في سوريا هو تنظيم الدولة"، وهو ما يخدم بشكل واضح بشار الأسد، رغم أن فرنسا تتمسك بأن رأس النظام السوري لا يمكن أن يكون شريكا في الحل السياسي.
واعتبرت الصحيفة أن فرنسا فشلت بسبب سياساتها المترددة بين مواجهة تنظيم الدولة ومواجهة الأسد، وقد أدى هذا الفشل إلى المأساة التي عاشتها العاصمة الفرنسية يوم الجمعة الماضي، والتي أثارت تساؤلات بشأن الدور الغامض الذي لعبه الأسد في صعود تنظيم الدولة في سوريا، حيث إنه منذ بداية الحراك الشعبي في آذار/ مارس 2011 اعتبر الأسد مواطنيه مجرد إرهابيين، واستعمل ضدهم أقصى درجات العنف والاضطهاد، وهو ما أدى في النهاية إلى تحول بعضهم إلى إرهابيين فعلا.
كما أشارت الصحيفة إلى أن نظام الأسد قام في حزيران/ يونيو 2011، بفتح سجن صيدنايا، وتحرير مئات من المتشددين الذي شكلوا فيما بعد قيادات لمنظمات جهادية تحارب اليوم في سوريا، على غرار زهران علوش، الذي يتزعم جيش الإسلام، ومحمد الجولاني الذي يمثل اليوم زعيم جبهة النصرة.
وأضافت الصحيفة في السياق ذاته أن أبرز من تم إخراجهم من السجون لينضموا للتنظيمات الإرهابية، حاكم ولاية الرقة الذي يعدّ من أقرب مساعدي البغدادي، واسمه علي موسى شاوار. وكان هنالك أيضا فواز كردي، ونديم بلوش. وكل هؤلاء انضموا إلى تنظيم الدولة بعد خروجهم من السجن في ظروف غامضة؛ لأنهم حسب ترجيح الكثيرين كانوا يمثلون خطرا على الثورة وليس خطرا على النظام.
ونقلت الصحيفة عن باحث في معهد واشنطن للدراسات قوله: "من الخطأ القول إن الأسد صنع تنظيم الدولة، ولكن الرئيس السوري تصرف بطريقة استغلالية، ففي سنة 2011، أطلق سياسة القمع ضد الثورة، وقام بتحرير المتشددين من أجل تشويه سمعة المعارضة المعتدلة وإغراقها في العنف. فهو اعتبر أن هذه أفضل طريقة حتى لا تمثل المعارضة أي بديل مقبول إثر سقوط نظامه".
كما لاحظت الصحيفة أن نظام الأسد لطالما استثنى تنظيم الدولة من قصفه للمعارضة السورية، فالطيران لم يبدأ قصفه لمدينة الرقة إلا في آب/ أغسطس 2014، بعد انطلاق الغارات الجوية على تنظيم الدولة في سوريا. ومنذ سنة تبدو جهود النظام في مواجهة هذا التنظيم محدودة جدا، مقارنة بما يبذله للانتصار على بقية فصائل المعارضة.
ونقلت الصحيفة في هذا السياق عن "توماس بييري"، الأستاذ المحاضر حول الإسلام المعاصر في جامعة أدنبرة، قوله: "إن قصف نظام الأسد لم يكن يهدف للقضاء على التنظيم، بل كان يهدف فقط إلى جعل الحياة صعبة في المناطق التابعة له، وبالتالي دفع الناس إلى الهروب وحرمان المعارضة من الحاضنة الشعبية".
كما نقلت عن فابريس بارونش، قوله "إن بشار الأسد قصف المعارضة المعتدلة أكثر من تنظيم الدولة، كما أنه فضل دائما قصف أولئك الذي يقتربون من معاقله، ويمثلون خطرا على اللاذقية وحماة، بينما ترك هذا التنظيم يزدهر ويتمدد في المناطق البعيدة التي تخلى عنها".
وفي الختام، نقلت الصحيفة عن "فابريس بارونش" قوله: "من الواضح أن روسيا وبشار الأسد يريدان وضع المجتمع الدولي أمام خيار صعب بين تنظيم الدولة وبشار الأسد، لأنهما يعلمان جيدا أن خطر تنظيم الدولة سيجعل الجميع يقبلون مرغمين بقاء الأسد في السلطة".