المتابع لأسلوب إدارة الأزمة وتعاطي المسؤولين والمؤسسات المنتخبة والإعلام والرأي العام الفرنسي بعد الحادث الإرهابي الأخير هناك يدرك جيدا معنى أن تكون للدولة مؤسسات منتخبة تواجه عملا إرهابيا في إطار احترام القانون والشفافية واحترام حياة مواطنيها ومحاسبة المسؤولين والمقصرين، وأولهم رئيس الجمهورية المنتخب الذي يواجه الآن موجة انتقاد عارمة لأدائه الذي يعتبره كثير من السياسيين في فرنسا سيئا للغاية. فالرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند هبطت شعبيته لأدنى مستوياتها في أكتوبر الماضي لتبلغ 20% في آخر استطلاع رأي، ولا تزال مؤسسات الجيش والشرطة تأتمر بأمره، ولم نسمع أن وزير الدفاع الفرنسي جان إيف لودريان خاطب شعبه "بسهوكة" أنهم لم يجدوا من يحنو عليهم.. فضلا عن كل ذلك فإن إعلامهم يناقش كل شيء بمنتهى الوضوح والصراحة والانتقاد الموضوعي واللاذع لسلطات الدولة المنتخبة.
أما المتابع لما يجري في
مصر في العامين الآخيرين وكيف كان يروج لهما سيسي مصر نفسه على أنه محارب الإرهاب "الذي كان محتملاً قبل أن يبتلينا الله به"، فيدرك أن هناك مجموعة من المرتزقة يمتهنون آلة لتغييب الوعي وتجهيل وتسطيح الفكر لا يمكن تسميتها إعلاما بل "أذرعا إعلامية موجهة أمنياً" ومجموعة من المجرمين يرهبون الشعب ويمتهنون كرامته ويقتلون حرياته ويوبخونه ليل نهار على أنه لا يفهم ولا يعرف أي شيء، وعصابة مسلحة قامت بأكبر عملية سطو مسلح على مؤسسات ديموقراطية منتخبة كانت تتحسس بدايات طريقها للبناء بعد 62 سنة من بقاء الشعب أسيرا لعصابة سلبت مقدراته وممتلكاته.
لن تقوم لمصر قائمة إلا بعودة المسار الديموقراطي ودولة العدل وسيادة القانون والعمل باستراتيجيات واضحة ومحددة يراقبها الشعب لبناء المُستقبل، والإنسان في كل هذا هو الأصل. لذا فالتعليم والصحة ركيزتان للبناء والرخاء المنشود وليس "اللواء" عبدالعاطي وجهاز الكفتة والسهوكة والشحاتة وتحيا مصر.
الفارق بيننا وبين فرنسا في اُسلوب إدارة الدولة والمؤسسية وسيادة القانون كبير وشاسع، ويمكن أن تعبر عنه الفجوة الزمنية بين الثورة الفرنسية (1789- 1799) وثورة المصريين التي بدأت في 2011 ولم تنته بعد.
بالطبع يمكن اختصار هذا الفارق الزمني بشكل كبير، وتقليصه ليصبح في عداد عشرات السنين بدل المئات، بفضل عوامل التكنولوجيا والتقدم التي أصبحت متاحة الآن ولم تكن متاحة قبل أكثر من 200 عام، وكذا الاستفادة بخبرات الدول التي سبقتنا في مجال التقدم و تتشابه مع الدولة المصرية فينا مرت به من مرارات الديكتاتوريات العسكرية - البرازيل مثالاً بقيادة لولا دي سيلفا الذي وضع البرازيل على طريق النمو إلى أن أصبحت إحدى الدول الناهضة والمؤثرة دولياً و الأسرع نمواً في العالم، من خلال تجمع بريكس الذي أسسته مع روسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا - لكن لا يمكن أن يكون الفارق الزمني "صفرا". تحتاج مصر إلى وقت و عمل دؤوب منذ أن تضع أقدامها على الطريق السليم، وبداية الطريق هو إتمام ثورة المصريين.
ونحن نقارن بين هذين المشهدين، لا نستطيع أن نغفل تجربة نجاح هامة و ملهمة تحققت في عشرات من السنوات قريباً. هناك في مدينة أنطاليا التركية، حيث تنعقد قمة الدول العشرين الكبار في العالم، برئاسة تركيا ورئيسها أردوغان الذي وضع هو وحزبه تركيا في مصاف الدول العشرين الكبار في العالم في حدود العشرين من السنوات كانت تركيا قبلها منهارة. بالطبع من السهل على العصابة المجرمة الجاهلة والفاشلة أن تنعت الدولة صاحبة هذه التجربة الرائدة والنجاح الملهم، من السهل أن تنعتها هي وحكامها بالأعداء هروباً من سخرية المقارنة بين قمة النجاح وأعماق الفشل ووحل التخلف.
طريق مصر يبدأ بالعودة للميدان، لاسترداد الإرادة و التحرر للاستعداد لمسيرة المستقبل الذي نحلم به.