نشرت صحيفة لكسبرس الفرنسية تقريرا حول الهجمات التي استهدفت باريس ليلة الجمعة الماضية، حاورت فيه الصحفي الفرنسي المتخصص في شؤون الحركات المسلحة، دافيد تومسون، حول وضع
تنظيم الدولة في التراب الفرنسي، وموقع الفرنسيين في سلسلة القيادة في هذا التنظيم في
سوريا والعراق.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن تومسون الذي عمل لسنوات على ملفات الحركات المسلحة، خاصة في
فرنسا وتونس، ونشر في السنة الماضية كتابا بعنوان "الجهاديون الفرنسيون"، كان قد أجرى عدة استجوابات مع من عادوا من صفوف تنظيم الدولة، لرسم صورة عامة عن دوافعهم وتوجهاتهم.
واعتبر تومسون أن الانتحاريين الفرنسيين الذين شاركوا في هجمات باريس، يجسدون بكل وضوح النمط الاجتماعي الذي يختص به أغلب المقاتلين الفرنسيين الملتحقين بالتنظيم، فهم ينتمون لفئة الشباب المنحرف الذي لا يتردد في ممارسة العنف، وهم يغيرون نمط عيشهم عند المرور من حياة الجريمة والفساد إلى حياة التشدد الديني، ولكنهم يحافظون على الميول العنيفة ذاتها. والجديد في الأمر هو أنهم يبررون ممارساتهم السابقة ذاتها بذرائع جديدة دينية.
ولكن في المقابل، حذر تومسون من تعميم هذه الفكرة، حتى لا يتم اختزال الظاهرة الجهادية الفرنسية في مجموعة من الشباب الذين لديهم ماض إجرامي وسجلات في مراكز الشرطة؛ إذ إنه من بين الأفراد الذين التحقوا بصفوف التنظيم في الفترة الماضية، سواء في فرنسا أو تونس، هنالك أشخاص مجهولون تماما بالنسبة للأجهزة الأمنية، على غرار أحد المتورطين في محاولة الهجوم على مركز اتصال بحري في جنوب البلاد. وهو ما يعني الخروج عن الفكرة السائدة؛ إذ إن هذا الشاب ينحدر من عائلة ميسورة من الطبقة الوسطى، كما أنه ليست له علاقات مع الجالية المسلمة في فرنسا، ولم يظهر اسمه أبدا في سجلات الشرطة، وكل التغييرات التي طرأت عليه تمت بسبب وقوعه تحت تأثير دعاية تنظيم الدولة على الإنترنت.
وحذر تومسون من أن غياب صورة واضحة ونمط محدد لشخصيات هؤلاء الجهاديين، يعقد مهمة الأجهزة الأمنية في فرنسا، أثناء سعيها إلى اكتشاف هؤلاء المتشددين ومراقبتهم أو منعهم من شن هجمات، لأن هذه الظاهرة أصبحت تخص كل الشرائح في فرنسا وتهدد كل العائلات.
وأشار إلى أنه بالنسبة للرجال يخرج أغلب هؤلاء الجهاديين من الأحياء الشعبية، ويأخذون معهم ثقافتهم إلى سوريا، ولكن لن يكون من المجدي حصر هذه الظاهرة في معادلة الضواحي الفقيرة، والمهاجرين، والفقر، والجموح، فقد كان شاهدا على ذهاب أطباء وطلبة في كليات الطب والهندسة إلى سوريا، لم يكونوا خاضعين لأي مراقبة من قبل وزارة الداخلية الفرنسية.
أما بالنسبة للفتيات، فإنهن لا يشاركن في الحرب، وغالبا لا يمكنهن العودة إلى فرنسا بعد الوصول إلى سوريا، فقد عادت خمس فتيات فقط من بين 250 مواطنا فرنسيا فضلوا العودة إلى بلادهم. وأغلب هؤلاء الفتيات هن من المعتنقات حديثا للدين الإسلامي ومن الطبقة المتوسطة.
ولاحظ تومسون أنه بالإضافة إلى السابقة الأولى من نوعها، المتمثلة في استعمال الأحزمة الناسفة لأول مرة على الأراضي الفرنسية، فإن العثور على جوازي سفر سوريين قرب اثنين من الانتحاريين، يعكس صعوبة ضبط الحدود الفرنسية، وتضاعف الخطر المحدق بفرنسا، بعد أن أصبح يتمثل في عودة الجهاديين الفرنسيين، ودخول الجهاديين الأجانب مع المهاجرين القادمين من سوريا.
وذكر تومسون أن الفرنسيين في تنظيم الدولة مكلفون بمهام عديدة على غرار الدعاية والاستقطاب، ولكن على مستوى سلسلة القيادة، يبقى العراقيون في المرتبة الأولى، سواء في سوريا أو في العراق، كما أن إعلان أي فرع لتنظيم الدولة، سواء في ليبيا أو نيجيريا، يكون مسبوقا بإرسال قائد ميداني عراقي ليقود ذلك الفرع. ورغم ذلك، يوجد عشرات القادة الفرنسيين الذين يشغلون مناصب هامة، من بينهم ثلاثة أمراء عسكريين واثنان من القيادات الدينية.
كما لاحظ تومسون أن الأرقام التي قدمتها السلطات الفرنسية حول عدد الذين ذهبوا للقتال في صفوف تنظيم الدولة كانت أقل من الواقع، خاصة في الفترة بين سنتي 2012 و2013، وقد تأخرت السلطات في تقدير هذا الخطر في ذلك الوقت.
وانتقد تومسون ضعف الأجهزة الأمنية، وذكر أن بعض مقاتلي التنظيم الذين قابلهم بعد العودة إلى فرنسا أكدوا له أنهم كانوا ينشرون تغريدات أثناء سفرهم من فرنسا إلى سوريا، يذكرون فيها أماكن تواجدهم وكافة مراحل الرحلة، ولكن السلطات لم تتفطن إلى ذلك، كما أن والد أحد الملتحقين بالتنظيم ذكر أنه سارع إلى مركز شرطة المدينة للتنبيه إلى أن ابنه أصبح متشددا دينيا، ولكن رجال الشرطة سخروا منه، وقالوا له: "أنت متأثر بمشاهدة التلفاز".