روى شاب
لبناني في مقتبل العمر تفاصيل رحلته على متن
قوارب الموت محاولا الوصول إلى القارة الأوروبية، قبل أن يفشل وتجبره السلطات على العودة إلى بيروت، مشيرا في حديثه لـ"
عربي21" إلى أن "الطرق ليست سالكة دوما، وإنما يعترضها الكثير من المخاطر".
وقال الشاب الذي تحدث لــ"
عربي21" إنه حاول
الهجرة عن طريق
تركيا إلى
اليونان ثم السويد لكنه فشل في تحقيق هذا الحلم فعاد إلى لبنان على أمل أن يعيد الكرة من جديد بعد جمعه المبلغ الكافي.
وكان الشاب اللبناني أنس الذي تخرج منذ نحو سنة ونصف ولم يتمكن خلالها من إيجاد فرصة عمل في بلده قرر استغلال جنسيته الثانية السورية التى يحملها للالتحاق بأقاربه من جهة الأم في السويد.
ويروي أنس بالتفصيل ما حدث معه وكيف غادر لبنان عبر الميناء في مدينة طرابلس بطريقة شرعية وصولا إلى إسطنبول ثم أثينا عبر "قوارب الموت" حيث مكث هناك ستة أشهر ونصف ما لبث أن عاد بعدها إلى لبنان بعد فقدانه الأمل بتمكنه من مغادرة اليونان.
قوارب الموت
يقول الشاب اللبناني: "بعد وصولي إلى إسطنبول وتحديدا إلى منطقة اكسراي اجتمعت هناك مع عدة مهربين وتعرفت على أسعار النقل إلى اليونان ثم اتفقت مع أحدهم على مبلغ 1200$ لنقلي إلى إحدى الجزر اليونانية ومن بعدها إلى العاصمة أثينا".
ويضيف: "بعد يومين توجهنا من إسطنبول بباص زجاجه غامق إلى منطقة جشمة القريبة من إزمير حيث تعتبر نقطة تجمع لعدد من طالبي اللجوء، وبعد انتظار لعدة ساعات في البرد من دون طعام ولا مياه بدأنا بالمسير ليلا في منطقة جبلية حتى وصلنا إلى منطقة ساحلية حيث انتظرنا مغادرة خفر السواحل التركية للانطلاق بقوارب نفخ مطاطية".
ويتسع القارب الواحد لـ25 شخصا في حده الأقصى لكن أنس يشير إلى أن 42 جلسوا بداخله بالإضافة للحقائب الشخصية ما أدى إلى انخفاض القارب في المياه للنصف بدلا من الثلث.
ويقول أنس إن "المهرب أبلغهم أن المسافة لا تتعدى ربع ساعة للوصول إلى جزيرة ميتيليني اليونانية"، لكن ما حصل شيء آخر حيث "انطلق قاربان قرابة الثانية والنصف فجرا واحدا تلو الآخر، وكان أحد الركاب هو من يستلم القيادة، على الساعة السابعة والنصف توقف المحرك عن العمل فقمنا بالاتصال بقوات الأمم المتحدة التى أخبرت بدورها خفر السواحل اليونانية وتم انقاذ القاربين واخذهم لجزيرة عسكرية".
16 يوما في مخيم يوناني
ويكمل أنس ما حدث معه في اليونان بالتفصيل فيقول: "بعد وصولنا للجزيرة أخذت إفادات جميع الركاب ثم نقلنا إلى مخيم حيث سحبت منا جميع أغراضنا ولم يتركوا معنا سوى ملابسنا فيما وضعت الهواتف والأموال في الأمانات.. مكثتُ في المخيم 16 يوما في أوضاع إنسانية مزرية، أول ثمانية أيام لم اتمكن من الاتصال بأهلي وبعد ذلك وزعت علينا بطاقات اتصالات قمنا بدفع ثمنها للتمكن من الاتصال مع العالم الخارجي".
وبعد 16 يوما قضاها أنس في المخيم يقول إنه دخل إلى التحقيق ووقع على الأوراق وبصم ثم قاموا بتوزيع ما يسمى بـ"الخارطية" أو الأوراق الثبوتية وهي التي تسمح بالتجوال والمكوث في اليونان مدة ستة شهور للسوريين وشهرين لباقي الجنسيات لكن لا يسمح لك باستئجار الشقق ولا الاقتراب من الحدود.
محاولات عديدة لمغادرة اليونان
بعد ذلك تم ترحيل أنس للعاصمة أثينا حيث بدأ رحلة عذاب جديدة.
يقول الشاب: "بعد مكوث عدة أيام في الفندق تمكنت خلالها من معرفة المنطقة، ذهبت مع بعض الأصدقاء لاستئجار شقة لكن هناك تم استغلالنا بسبب عدم قانونية أوراقنا فقاموا بتأجيرنا الشقة شهريا بسعر ألف و100 يورو بدلا من 250 يورو كما هو معروف في هذه البلاد".
وبعد راحة قصيرة بدأت محاولات أنس في مغادرة اليونان حيث حصل على جواز سفر سويدي أصلي قام أحد المزورين الإيرانيين في أثينا بوضع صورته عليه بشكل محترف واتجه نحو المطار بعد تعلمه بضع كلمات سويدية أملا في الوصول إلى وجهته النهائية.
وفي مطار أثينا الدولي شك الضابط بجواز السفر لكن من دون اتهامه بالتزوير واكتفى بمنعه من السفر وأمره بالعودة إلى أثينا.
يقول أنس إن هذه التجربة كررها سبع مرات وكل مرة بهوية مختلفة لكن كلها باءت بالفشل.
ووسط هذه المحاولات قرر الشاب تجربة السفر عبر البر، فسافر إلى منطقة حدودية مع ثلاثة آخرين حيث تحولت من منطقة مفتوحة بين البلدين إلى نقطة تفتيش أمنية مع تزايد التهريب في المنطقة.
ويضيف أنس: "هناك مشينا على الحدود في الأحراش والغابات في طقس شتوي حاد وبرد قارس بانتظار وصول قطار فيه مقطورات مغلقة لا تفتح إلا في صربيا لكن لم يصل القطار في ذلك اليوم. واصلنا المسير في تلك القرى الحدودية حتى قبض علينا من حرس الحدود اليوناني وقاموا بتوقيفنا يوما واحدا ثم اطلقوا سراحنا من جديد. ثم بعد فترة زمنية قمت مع بعض الشباب بمحاولة تكرار التجربة لكن عدنا أدراجنا بسبب البرد القارس والحرارة المتدنية في المنطقة".
ويؤكد أنس أنه سيعيد التجربة إذا توفر لديه المال الكافي لكنه سيختار التوقيت الصحيح هذه المرة، على حد تعبيره.
السياسيون سبب الهجرة
ما حدث مع أنس يتكرر باستمرار ولكن بأشكال مختلفة بحسب الناشط في المجتمع المدني بطرابلس محمود حداد.
وكشف حداد لـ"
عربي21" أن عائلة مكونة من زوج وزوجة وطفلتهما عادوا إلى لبنان الإثنين الماضي بعد وصولهم لتركيا حيث رفضت الزوجة اكمال الرحلة بعد غرق قارب يحمل مهاجرين أمامهم وعلى بعد امتار قليلة أثناء محاولتهم العبور إلى اليونان.
وردا على سؤال حول وضع اللبنانيين الذين وصلوا إلى ألمانيا قال: "هناك من يشتري هويات سورية من تركيا لتقديم اللجوء في ألمانيا ودول أوروبية أخرى لكن هناك احتمالية القبض عليه ووضعه في قوائم الترحيل وهو ما دفع المهاجرين اللبنانيين إلى التراجع عن أقوالهم في بعض الأحيان".
وأضاف: "معظم اللبنانيين الطالبين للهجرة في أوروبا يتذرعون بأن مناطق سكنهم يسيطر عليها حزب الله وهناك مضايقات عليهم".
وأكد حداد أن السياسيين اللبنانيين هم السبب الأول في هجرة الشباب اللبناني بالإضافة إلى الوضع الاقتصادي المتردي، مؤكدا أن اللبنانيين أجبروا على مغادرة أرضهم بعد ما وصل إليه الحال في البلاد.