كتاب عربي 21

حزب النور اللاسلفي والحصاد المر

إحسان الفقيه
1300x600
1300x600
كلٌ يدّعي وصلا بليلى     وليلى لا تقر لهم بذاكا

هذا البيت الذي عزاه ابن تيمية في مجموع فتاواه إلى مجنون ليلى، والبعض الآخر إلى أبي العتاهية وغيره، نسقط معناه على على أولئك الذين يدّعون أنهم أصحاب منهج سلفي، بل يحتكر بعضهم ذلك المنهج لنفسه، إلا أن كثيرا من المنتسبين إليه هم أبعد ما يكون عن الانتماء له.

مصطلح السلفية أصبح عائما ليس لدى خصومه وحسب، إنما لدى من ينتسبون إليه كذلك.

السلفية تعني اتباع منهج السلف الصالح من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، فهو إذن منهج عقدي وفكري وتعبدي وسلوكي عام، يتحدد إطاره وفق واقع هذا الجيل الفريد.

وعلى هذا المعنى، فكل من اتبع منهج النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فهو سلفي وإن لم ينسب نفسه إلى السلفية، وكل من خالف ذلك المنهج فليس سلفيا وإن انتسب إليه.

وبناء على ذلك، لا يحق لأي طائفة أو جماعة أو حزب، أن يحتكر السلفية، أو يجعل لنفسه إطارا محددا من المفاهيم والسلوكيات والاختيارات الفقهية، يختبر الناس عليها، ويدخل ويخرج الناس من المنهج السلفي بحسب دخولهم في إطاره هذا أو خروجهم عنه.

يقول العالم السلفي الجليل محمد العثيمين رحمه الله في أحد لقاءات الباب المفتوح: "السلفية هي اتباع منهج النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فاتباعهم هو السلفية، وأما اتخاذ السلفية كمنهج خاص ينفرد به الإنسان ويضلل من خالفه من المسلمين ولو كانوا على حق، واتخاذ السلفية كمنهج حزبي فلا شك أن هذا خلاف السلفية".

من خلال متابعتي المستمرة للشأن الداخلي المصري وعلى وجه الخصوص منذ ثورة يناير، تزداد دهشتي كل يوم لمسار حزب النور الذي ينتسب إلى السلفية، وبتعبير دقيق إلى فصيل سلفي يدعى "الدعوة السلفية"، كان هذا الفصيل منذ نشأته يركز على منافسة جماعة الإخوان المسلمين، وينصب من نفسه حاكما ومصنفا على جميع الفصائل الأخرى، حتى إنه قد اشتهر لدى المصريين والمتابعين للحركة الإسلامية في مصر، أن هذه الدعوة كانت حتى قبل الانقلاب تنسق مع الأمن وتصنف له الرموز والجماعات، وبالتالي يمنحها مساحات أوسع لممارسة أنشطتها.

هذا الفصيل الذي احتكر السلفية، وجعل من لم يدخل فيها ليس سلفيا، وادعى لنفسه الحق دون سائر الفصائل، تمخض بعد ثورة يناير عن حزب النور.

في ظل الظروف القاسية التي مرت بها مصر، ودخولها في حالة استقطاب حاد، كان رأي المخلصين أن تدعم فصائل التيار الإسلامي جماعة الإخوان المسلمين سياسيا، باعتبارها صاحبة تجربة طويلة في العمل السياسي، إلا أن الدعوة السلفية آثرت المنافسة لامتداد قواعدها الشعبية، ولأنها تنظر إلى نفسها على أنها الأنقى منهجا.

وفاز حزب النور بالمركز الثاني بعد حزب الإخوان في البرلمان، ليحاول القيام في عهد الرئيس مرسي بدور المعارض الفذ، ووضع العراقيل أمام مسيرة نظام مرسي بدلا من دعمه، حيث لم ينس الحزب جذور الصراعات الحزبية بين الدعوة السلفية وبين الإخوان.

وكانت الطامة الكبرى عندما كان حزب النور جزءًا من الانقلاب، بل وأعطاه الشرعية، وألقى أمينه كلمة في خطاب الانقلابي، بدعوى اختيار أخف الضررين، ودفع الضرر الأكبر باحتمال الضرر الأخف، وكان ذلك الموقف هو القربان الذي قدمه لزعيم الانقلاب، ليحافظ على بقائه على حساب الدماء والأشلاء.

سار الحزب بعدها في طريق اللاعودة، وظل يقدم التنازلات تلو التنازلات، لإرضاء سيده، والتلاقي مع الزمرة العلمانية المتنفذة، وامتلأت تصريحات قادته ورموزه بتحميل الإخوان المسؤولية عن هذه الأوضاع المأساوية، وقام بتأييد السيسي رئيسا لمصر، فما أقبح مشهد أصحاب اللحى وأوسمة السنة، وهم يرفعون صورة السفاح.

بل وذهب زعيمهم برهامي إلى تبرئة عبد الفتاح السيسي من دماء الشهداء التي أريقت في رابعة والنهضة، إنه السقوط في وحل التأويل.

كان الحزب يرفض بشدة القول بأن الصراع هو صراع على الهوية، وأكد أنه مجرد صراع سياسي، ومرر الدستور العقيم مُرحبا به، في الوقت الذي كان يستأسد فيه على نظام مرسي ويتمسك بالمادة 219 المفسرة للمادة الثانية، والتي تقيد التشريع بالمذاهب السنية وحدها، ويقول: "دونها الرقاب".

وبعد أن كان الحزب يعيب على الإخوان تهنئة الأقباط ويحرمه، ذهب رموزه بأقدامهم إلى الكنائس للتهنئة.

وبعد أن كان يعيب على الإخوان تساهلهم في تطبيق الأحكام الشرعية والالتزام بها، جعل يتقرب إلى سادته بترشيح قبطيات على قوائمه.

 وحتما أنا لا أناقش المسألة من جانب فقهي، وإنما من جانب سلوكي، حيث فعل ما كان يأخذه على الآخرين وينتقدهم بشأنه.

وبالرغم من كل التنازلات التي قدمها الحزب، ومده يده لمصافحة كتلة الانقلاب، وزمرة العلمانيين، ورموز الثورة المضادة، إلا أن كل هؤلاء تنكروا لجهوده ودوره في الانقلاب وشرعنته، وصاروا يؤلبون عليه، وتعالت النداءات بإقصاء حزب النور باعتباره حزبا دينيا، وكانت حملة شرسة عليه، جعلته أضحوكة في الانتخابات البرلمانية الأخيرة.

وبدلا من أن يعود الحزب إلى رشده ويصحح مساره بعد إدراكه، أن نظام الانقلاب وأعوانه في الداخل والخارج ينبذون السمت الإسلامي، ويرفضون وجود أي قوة سياسية ذات جذور إسلامية، بدلا من ذلك، جعل كبيرهم يُحمّل نتائجها الكارثية (بالنسبة للحزب) على جماعة الإخوان، وفصائل ومشايخ السلفيين الذين قاطعوا الانتخابات، واعتبرهم فرطوا في مسؤوليتهم الشرعية والتاريخية والوطنية بعدم دعمهم للحزب الذي يمثل الحركة الإسلامية بحسب دعواه.

بعد هذه المسيرة المعوجة لحزب النور وتنكبه عن طريق الحق، نستطيع القول إن دعواه بالانتساب إلى المنهج السلفي باطلة، لأنه والى أعداء الدين، وعادى الصالحين المصلحين، وشرعن الباطل، وبرر القتل، وفرط في المبادئ، وكلها أمور تقدح في انتسابه إلى المنهج السلفي.

يا معشر حزب النور اللاسلفي، هل وجدتم ما وعدكم سادتكم حقا؟ لم تحصدوا سوى الشوك والمر، وانفض عنكم الناس، وانهارت قواعدكم الشعبية، واحتقركم الكبير والصغير، والعدو والصديق.

قد تكونون وصلتم إلى نقطة اللارجوع، وأن مزيدا من التنازلات تنتظرها الأمة منكم، وأن مزيدا من الشوك ينتظركم لحصده، غير أني أبشركم بثورة جديدة، لن تكونوا طرفا فيها، ثورة يلتقي فيها الشرفاء المخلصون، ولن تجدوا مكانا لكم بعدها، كما لم تجدوا لكم مكانا قبلها.
التعليقات (29)
عمرو المغازى
الأحد، 13-12-2015 11:00 م
آسف للأستاذة إحسان إن قلت ان هذا المقال يحتوي على كثير من الزور والبهتان والافتراء وقد خاب من افتري فمثال ذلك ما جاء بمقالكم أننا احتكرنا مفهوم السلفية لأنفسنا وحاكمنا الناس إلى مفاهيمنا أقول لم تحتكرالدعوة السلفية مفهوم السلفية يوماً ما فهى تعترف بوجود كيانات سلفية ممثلة فى مشايخ وافاضل أمثال الشيخ الحوينى والشيخ حسان والشيخ العدوى وتجلهم وتحترمهم أشد الإحترام وهؤلاء لاينتسبون إلى هذا الكيان من الناحيه الاداريه بل أحيل جنابك إلى قراءة كتاب فقه الخلاف بين المسلمين للدكتور ياسر برهامى لتقفي على ما تتميز به هذه الدعوة المباركة عن غيرها من التيارات والكيانات الموجودة على الساحة من إحترام الرأي الآخر ما دام فى دائرة الخلاف السائغ هذه واحدة الافتراء الثاني أننا عملاء للأمن وأننا كنا ننسق معهم اقول لك قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين وما سيد بلال منا ببعيد وهو إبن من أبناء هذه الدعوة المباركة بل لا أبالغ إن قلت أن أحداث كنسية القديسيين أمر دبر بليل للقضاء على الدعوة السلفية فى عقر دارها وإقرأى إن شئت مقال رئيس تحرير مجلة روزاليوسف بعد أحداث كنيسة القديسين تحت عنوان ( ياسر برهامي أخطر رجل ضد مصر وعلى مصر) وهو يوشى بهذه الدعوة المباركة ممثلة فى صورة د.ياسر برهامي للقضاء عليها لكن الله عزوجل جعل كيدهم في تضليل الافتراء الثالث وهو التنازل عن الثوابت أقول لك استاذتى الفاضلة إن الثوابت عندكم متغيرات والمتغيرات عندكم ثوابت فنحن لا ولم ولن نهنئ النصاري في اعيادهم بل أقولها وبكل فخر إننا مازلنا الكيان الوحيد الذى تنسب إليه هذه الفتوى إلى يومنا هذا واتحدى إن جئت بمقال واحد اوفيديو يدلل على ما تقولين اللهم إلا كان من باب القص واللزق الذى اتخذته جماعة الإخوان المسلمين منهجا لها فى إلصاق التهم بغيرهم كذبا وزورا فقد يأخذون من صور بعض المشايخ وهم يعزون النصاري فى من مات من ذويهم واقرابهم حيث لا محذور شرعى فى ذلك ويصورونه للناس على غير حقيقته ولا عجب في ذلك وليس هذا جديدا عليهم فقد رأينا منهم ماتشيب له الولدان فى إنتخابات مجلس الشعب 2012 حيث قالوا عن مرشحنا بدائرتنا انه عاق لوالديه وله علاقات بالنساء وأمور يعف اللسان عن ذكرها وهم فى هذا الباب حدث ولا حرج أما ما تنقميه علينا من ظهورنا في المشهد الانقلابي كما تقولين اقول إننا لسنا بدعا من الناس فقد سلكنا فى ذلك مسلكا شرعيا ولم نسلك مسلك العنترية الكاذبة التي لا تراعى فقة الواقع وفقة المآل و التي هى من المرتكزات التى تقوم عليها فقة السياسة الشرعية كما هو مذكور فى كتاب فقيه الإخوان د.يوسف القرضاوي (السياسية الشرعية ) لكن ماذا نفعل لفصيل لايريد أن يفهم أو أن يستمع لمن يفهم إن الإخوان المسلمين فى كل مكان يدورن مع عقارب الساعة إلا في مصر يدورون ضدها فهم يصدق فيهم قول من قال إن المنبت لا أرضا ولا ظهراً أبقى فلا هم استفادوا من التجربة التركية ولا من التجربة الجزائرية بل ولم يستفيدوا من تجربتهم هم أنفسهم في 52 مع عبد الناصر لسان حالهم يقول ما اريكم إلا ما ارى فلا استفادوا من الحاضر ولا من الماضى بل ولا حتى من مواقف السلف فى التعامل مع الحاكم المتغلب الذى له شوكة والسؤال هل ما فعله قيادى الإخوان محفوظ نحناح فى الجزائر من تعامله مع رموز الانقلاب ومن قتلوا أكثر من 200 الف مواطن آنذاك كان خيانة وعماله أم أنه مراعاة لقاعدة المصالح والمفاسد؟ وكذلك نظيره التركى هل سكوت اربيكان على الانقلاب العسكري فى تركيا وانخراطهم فى العمل السياسى وحفاظهم على الدولة وجييشها كان خيانه وعمالة أيضا؟ لقد أثنى مستشار اربيكان السابق على عقلة وحكمته فقال لولا حكمة اربيكان ما وصل أردوغان أم أن هذا من باب قول الشاعر حلال على بلابله الدوح حرام للطير من كل جنس إن السلفيين يا أختاه ليسوا دراويش ذوو عمائم خضراء بل يعملون بمقتضى القواعد الفقهية وأنا لا أدري هل تنقمين علينا أننا اعملنا القاعدة الشرعية مراعاة أخف الضررين ودفع أعلى المفسدتين سبحانك ربي هذا بهتان عظيم لكنها العاطفة التى دائما ماتغلب النساء اقول اختنا الفاضلة لقد أحدث الإخوان المسلمون بتصرفهم الغير مسئول فى التيار الاسلامى من النكاية والدمار ما عجز عنه أبناء يهود لقد كفر الناس فى مصر بدين الإخوان أقصد بما قدموه للناس عن فهمهم للدين حينما ظهروا أمام الناس ولسان حالهم يقول أنا ومن بعدى الطوفان أرواحنا فداء للكرسى حتى لو كان هلاك البلاد والعباد فمن الذى وصل لنقطة اللاعودة نحن أم هم؟ إن المشاركة السياسة لحزب النور فى الانتخابات الحالية على الرغم من الحرب الضروس التى تعرض لها إلا أنها كان لها من الأثر الطيب فى عودة الثقة فيما تبقى مما يسمى بالتيارالاسلامى إن العاقل اختنا الكريمة ليس من يعرف الخير من الشر ولكن من يعرف خير الخيرين وشر الشرين كما يقول شيخ الإسلام ماذا لو تصالح الإخوان مع النظام بمرور الزمان كما حدث فى السبعينات بعد مرور 20 عاماً ؟ هذا فرق التوقيت فى الفهم بينهم وبين غيرهم من إخوان الدنيا
مانع
الأحد، 08-11-2015 02:48 م
الحمد الله عرفناهم اشيعه علا حقيقتهم
احمدعطاالله
السبت، 07-11-2015 02:07 م
نعم هكذا هو الحال لمن لمن يدعي الاصلاح! وهو ابعد عنه
الدكتور محمد عباس
الجمعة، 06-11-2015 08:03 ص
رائعة ومدهشة كالعادة يا أستاذة،وثمة تفاصيل في غاية المرارة،وقد كتبت عن الحزب كثيرا قبل ذلك،واكتشفت خيانته مبكرا جدا،مع الشيخ حازم أبو اسماعيل،الذي رآهم ببصيرة فذة،وعلى الرغم من ذلك مثلت كتب إسلام أنور المهدي إضافة جارحة بل ذابحة،فقد كان منهم ثم انفصل عنهم،ومجمل كتبه أنهم مؤسسة أمنية خالصة منذ البداية. الكتب مروعة وليتك تقرأيها. وفقك الله
حسن صالح
الجمعة، 06-11-2015 06:26 ص
يبدو انك لا تعرفين شيئا لا عن المنهجالسلفى أو الدعوة السلفلية أوحزب االنور ويبدو أيضا أن وسائل الأضلال والتضليل والعواطف التى تهدم أكثر مما تبنى قد اثرت بشكل كبير على أفكارك وكتاباتك الدعوة السلفية بفضل الله عز وجل منهجها مستق من كتاب الله ومن هدى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفهم الصحابة شئت أم أبيت ونحن لا ندعى وصلا بليلى ولكن بيننا وبين المخالفين الحجة والدليل والبرهان والحديث طويل ولكن لا جدوى مع العصبيات التى لم تبن على هدى قويم هدانا الله واياكم لما يحب ويظرضى