بدت مدينة
عدن اليمنية غير قادرة على تقديم نفسها "
عاصمة مؤقتة"على الأقل للبلاد، لأسباب عدة، أبرزها عجز الحكومة الشرعية في التعامل مع الملف الأمني المتدهور الذي يجتاح المدينة منذ إعلان تحريرها في 17 تموز/ يوليو الماضي من مسلحي جماعة "أنصار الله" (الحوثيين) وقوات حليفهم علي عبد الله صالح، وفقا لمحللين.
وتنامت مظاهر الفوضى والانفلات الأمني بمدينة عدن، في ظل انتشار المليشيات المسلحة في شوارعها، منها ما يعتقد أنها على صلة بتنظيم الدولة والقاعدة، ومنها ما له صلة بالحراك الجنوبي الانفصالي، الذي يسعى لتوسيع نفوذه من خلال السيطرة على منشآت ومراكز حيوية في المحافظة.
عجز وحراك وإرهاب
وفي هذا السياق، يقول رئيس مركز الجزيرة للدراسات نجيب غلاب، إن الحكومة الشرعية لا تمتلك أي إستراتيجية لإدارة معركة التحرير، نتيجة "الضعف الذي تعاني منه في القيادة والتنظيم، وافتقارها للموارد الكافية، وإن وجدت فإن الفساد ينخر كل الدوائر المحيطة".
وأوضح غلاب في حديث خاص لـ"
عربي21" أن حكومة خالد بحاح، معزولة عن الحدث وعن الناس، بل تدير الحكم بأدوات ضعيفة وعقلية ساذجة متورمة بالأنا والطمع والجشع ومشحونة بالتناقضات مما زاد من عزلتها"، وفق تعبيره.
وتابع غلاب حديثه: أن سلطات الرئيس عبدر به منصور هادي، لم تتمكن من بناء أذرع قادرة على الفعل والإنتاج، بل ظلت "تتحرك وفق نمط عشوائي" مرتبط بإدارة الصراع على القوة والتعامل مع الموارد مثل "غنائم بلا قانون"، فلا إنجاز ولا أعمال تمنح الناس الأمل، على حسب وصفه.
وقال السياسي اليمني غلاب، إن "
الحراك الجنوبي وكتلته الشعبية المؤيدة، تعد من أبرز المشاكل التي أعاقت عدن لأن تكون عاصمة مؤقتة للبلاد، وجعلها غير قادرة على ضبط الفوضى". مشيرا إلى أنه، أي الحراك، "ليس لديه رؤية ولا مشروع، بل تحركه الغريزة والخوف، وتتحكم بمساراته انتهازيات متنوعة، حتى الأتقياء منهم يبدون في متاهة عميقة عاجزين عن تحديد الخيارات النافعة للإنسان الجنوبي".
وقللّ من قوة الجماعات الإرهابية في مدينة عدن، وقال: "الإرهاب ما يزال ضعيفا، واستطاع إثبات وجوده، بسبب غياب الرادع"، نظرا لأن القوى الجنوبية صامتة والناس لا يتحركون لمواجهة الخطر، فضلا عن أن الحكومة لم تتمكن من بناء قوتها الكفيلة لردعه.
ولفت رئيس مركز الجزيرة إلى أن "الخطر الأكثر قوة" هو "أدوات المخلوع علي عبد الله صالح الحوثيين، ومنظوماتهم وشبكاتهم بكافة أنواعها"، مؤكدا أن "لديهم مخطط واضح لتفجير الفوضى في كل المدن المحررة من الداخل وبأدوات تبدو أنها مع الشرعية والتحالف وهي تقوم بمعركة مضادة خدمة للانقلاب".
ضعف وإهمال
من جهته، اعتبر الباحث في مركز "نشوان الحميري"، رياض الأحمدي، أن الحديث عن عدن كعاصمة، "حديث سطحي عاطفي ينبني على أطروحات لم يتم تمحصيها، فالعاصمة بنية تحتية وتراكمية، وعدن مضى عليها نحو 25 عاما، منذ كانت عاصمة لدولة الجنوب".
وقال في حديث خاص لـ"
عربي21" إن "الجميع يعلم الحساسيات المرتبطة بالانفصال عند الحديث عن عدن، إذ إن الفصائل المطالبة بالانفصال لا تريد أي شمالي ـ من أبناء المحافظات الشمالية ـ، وهذا يعني أن الحكومة إما تدخل بمشاكل مع الحراك أو أن المدينة لا تصلح عاصمة".
ولم يختلف الباحث في مركز نشوان اليمني، عما طرحه غلاب، عن دور السلطات الشرعية، عندما قال إن "عدن تعاني من ضعف السلطة الشرعية ممثلة بجناحيها الحكومة والرئاسة".
وأكد الأحمدي أن إهمال التحالف من أبرز العوامل على فشل عدن، لكونه المعني بدعم المدينة لتكون عاصمة مؤقتة، من خلال الضغط على مختلف الأطراف التي تعرقل الاستقرار جنوبا باعتباره القادر على تنفيذ توجهاته"، مفسرا ذلك بأن "هناك تراخيا بالتعامل مع موضوع الوحدة والانفصال وسط غياب خطة لما بعد الحرب تتناسب مع متطلبات الواقع".
وغادر رئيس الوزراء اليمني خالد بحاح وعدد من وزراء حكومته مدينة عدن منتصف الشهر الجاري إلى الرياض التي عادوا منها في أيلول/ سبتمبر الماضي، بعد أقل من أسبوع على الاعتداء الدامي الذي استهدف مقر الحكومة في عدن وتبناه تنظيم الدولة.