اعتاد إبراهيم بيع أوراق اللوتو والمناديل الورقية خلال السنتين الأخيرتين في أحياء بيروت، لكن تعلمه مبادئ مهنة تنسيق الزهور بعد التحاقه ببرنامج تدريبي تنفذه إحدى المنظمات الدولية دفعه للتصميم على ترك الشارع.
ويقول إبراهيم (18 عاما)، وهو اسمه المستعار، بتأثر واضح عكسته نظراته الخجولة وصوته الخافت: "ارتفعت معنوياتي كثيرا بعدما تعلمت أصول مهنة تنسيق الزهور. في الشارع كنت أسمع كلاما غير لائق، لكنني هنا تعلمت الاحترام المتبادل ومصلحة جديدة".
وانضم إبراهيم وهو
لاجئ سوري يقيم في لبنان منذ أربع سنوات، مع 23 مراهقا سوريا ولبنانيا، إلى برنامج تدريب مهني نظمته جمعية الإنقاذ الدولية في لبنان، بعد مشاركته مطلع العام في نشاطات دعم نفسي وترفيه وتواصل نظمتها الجمعية أسبوعيا في منطقة برج حمود الفقيرة في ضاحية بيروت الشمالية.
ويوضح أثناء ترتيبه باقات الورود داخل متجر في منطقة الكولا، أنه "لم يكن لدي أي فكرة عن هذا المجال، تعلمت أولا تنظيف الورود وترتيبها وكيفية ريها وتنسيق الباقات".
ويضيف: "أنهيت تدريبي قبل شهرين وتغيرت مشاعري كثيرا. بين الورود أنسى ما حل بنا وأنسى همومنا".
ولا تختلف تجربة إبراهيم عن تجربة رائد (16 عاما) اللاجئ من سوريا الذي تلقى أيضا تدريبا لدى أحد متاجر الزهور في منطقة الجناح على أطراف العاصمة.
ويقول لوكالة فرانس برس وهو يرش باقات الزهور المركونة على الرفوف: "حفظت أسماء الورود كلها وأحبها إلي الكريزانتام (الأقحوان) والليليوم (الزنبق)".
يستقر رائد، وهو اسمه المستعار، مع عائلته المؤلفة من والديه وخمسة أشقاء هو أكبرهم، في مخيم شاتيلا للاجئين الفلسطينيين الغارق في الفقر والحرمان في جنوب العاصمة، بعدما فروا من حي الأشرفية في مدينة حلب في شمال سوريا إثر بدء المعارك فيها قبل ثلاثة أعوام.
ويقول: "قبل انضمامي للبرنامج، كنت أبقى في المنزل وأحيانا أمسح الأحذية أو أبيع البضائع على الكورنيش، لكنني منذ ثلاثة أشهر بدأت بالحضور إلى محل الزهور بمعدل ثلاثة أيام أسبوعيا".
ويضيف هذا الفتى الذي صبغت أشعة الشمس الحارقة وجنتيه وجسده الهزيل: "أعجبتني الفكرة كثيرا وآمل عندما أعود إلى سوريا.. أن أتمكن من فتح متجر زهور خاص بي".
ويتجاوز عدد الأطفال الذين يعيشون أو يعملون في الشوارع في لبنان عتبة الـ1500 طفل، معظمهم من الأطفال القادمين من سوريا (75 في المئة)، وفق تقرير صادر في شباط/ فبراير الماضي عن منظمة
العمل الدولية بالتعاون مع منظمة اليونيسف وجمعية إنقاذ الطفل ووزارة العمل اللبنانية.
لكن معدي التقرير يقولون إن العدد الحقيقي لأطفال الشوراع قد يكون أكبر بثلاث مرات. ويشكل الأطفال المنخرطون في التسول وفق التقرير غالبية بين الأطفال العاملين في الشوارع (43 في المئة)، يليهم الباعة المتجولون (37 في المئة).
وتقول سارة مابغر، المسؤولة عن مشروع الأطفال العاملين في الشوارع في جمعية الإنقاذ الدولية لوكالة فرانس برس، إن الهدف من برنامج التدريب المهني "هو إعطاء الأطفال فرصة لاكتساب مهارات محددة من شأنها أن تساعدهم في حياتهم المستقبلية، وفي الوقت ذاته خفض ساعات عملهم في الشوارع حيث نعتقد أنهم معرضون للعديد من المخاطر".
ويتعرض أطفال الشوارع، وفق تقرير منظمة العمل الدولية وشركائها إلى مخاطر عدة، بينها حوادث السير والاعتداء الجنسي أو الاغتصاب.
ويفيد تقرير صادر مطلع شهر تموز/ يوليو عن منظمة اليونيسف بالتعاون مع جمعية إنقاذ الطفولة بعنوان "أياد صغيرة أعباء ثقيلة"، بأن الأطفال العاملين في شوارع بيروت في بيع الطعام والعصير وحمل أكياس البقالة وتلميع الأحذية وفي مواقف السيارات والتسول يجنون مبلغا يتراوح بين ثلاثة دولارات و12 دولارا، فيما ينال الأطفال في أعمال غير مشروعة -بينها الدعارة- مبلغا يتراوح بين 21 و36 دولارا في اليوم الواحد.
ويخول مشروع التدريب المهني الأطفال الحصول على مبلغ صغير من الجمعية، مقابل التزامهم بمتابعة تدريبهم في مؤسسات معينة في بيروت وجبل لبنان.
وتجاوب عدد من أصحاب محال بيع الزهور والثياب والحلويات والمقاهي مع مبادرة الجمعية ووافقوا على تدريب الأطفال خلال ثلاثة أشهر.
ويقول فادي جابر (39 عاما) وهو مدير متجر للزهور: "عرضت الجمعية علينا استقبال رائد لانتشاله من الطريق وتعليمه أصول المصلحة ورحبنا بالفكرة"، مضيفا أنه "إذا رغب في العمل في هذا المجال فسيعود إلى بلده وبيده
حرفة عوض أن يضيع مستقبله على الطريق".
ويؤيد إبراهيم الدامرجي (62 عاما)، مالك محل الزهور حيث تلقى إبراهيم تدريبه، ما يقوله جابر. ويضيف: "سيصبح متمكنا من حرفة يواجه بها المستقبل".
في شارع رئيس في منطقة الطريق الجديدة في بيروت، يتدرب أسعد وهو شاب لبناني ينحدر من حي فقير في مدينة طرابلس في شمال لبنان، داخل فرن لا يفرغ من رواده.
ويعاني أسعد (20 عاما) وهو الابن البكر لعائلة مؤلفة من سبعة فتيان وفتاتين من صعوبة في النطق والتعبير، لكن ذلك لا يمنعه من القول: "تعلمت إعداد العجين وكمية الملح التي يجب أن نضعها وكيف نرق الخبز ونرتبه فور نضوجه".
ويضيف: "العمل هنا أفضل من البقاء في المنزل أو الشارع".
وبتأثر واضح، يقول صاحب الفرن قاسم محمد (30 عاما) وهو سوري الجنسية لفرانس برس: "خرجت من سوريا وكنت صغيرا في العمر لكنني وجدت من أعطاني فرصة، واليوم أردت بدوري أن أعطي هذه الفرصة لمن يحتاجها".
بعد انتهاء التدريب، لا يملك القيمون على البرنامج أي ضمانة بعدم عودة الأطفال إلى الشارع، لكنهم يأملون في الحصول على تمويل يمكنهم من استكمال المشروع مع من أظهر التزاما ورغبة في الخروج من الشارع.
ويقول رائد بحماس: "أقسمت يمينا ألا أعود مجددا إلى الشارع".