في بلدات شمال
كندا القطبية يخلف التغير المناخي آثارا كبيرة، ما يعقد بعد أكثر حياة السكان الأصليين من
الأسكيمو الذين يكافحون من أجل الحفاظ على تقاليدهم، ومن بينها رحلات الصيد الجليدي الطويلة.
وتقول نيلي توكالوك التي تقيم في بلدة أوميوجاك النائية بمحاذاة خليج هادسن، وهي منطقة شبه قطبية: "أنا أعشق الصيد الجليدي وكذلك بيض السمك، لكن الأمر لم يعد ممكنا إلا خلال أسابيع قليلة وبات خطرا".
وتشهد هذه المنطقة ارتفاعا في الحرارة يزيد بمرتين عن المعدل في بقية أنحاء العالم. وتوضح ربة العائلة التي تدرس لغة "إينكتيتوت" المحلية في مدرسة البلدة: "يحل الشتاء متأخرا ويذوب
الثلج سريعا فيما اختفت حيوانات الرنة.. للاحترار المناخي الكثير من الجوانب السلبية".
في مطلع الخريف هذا، يستقبل زوار أوميوجاك القليلون بهدير الجرافات. فالطريق المؤدية إلى مدرج الطيران انهارت بسبب
ذوبان الجليد الدائم على المرتفعات العالية.
وهذه الإصلاحات حيوية؛ فهذه البلدة البالغ عدد سكانها 400 شخص تقع على بعد أربع ساعات بالطائرة عن مونتريال وتشكل رحلات شركة "إير إنويت" صلتها الوحيدة بالعالم.
وفي منطقة تقع تحت المدرج، تشكل عشرات المنازل الخشبية الملونة هذه البلدة التي أسست قبل أقل من ثلاثين عاما. وهي تضم أيضا: مركزا للشرطة، ومستوصفا، ومتجري بقالة، وكنيستين، وبرج اتصالات، وإذاعة محلية ومكبات عدة في الهواء الطلق.
ويزداد عدد المنازل قيد الإنشاء بسبب الزيادة السكانية الكبيرة.
ويوضح نوا إينوكبوك المسؤول في البلدية: "بسبب طبقة الجليد الدائم نضع الأساسات وننتظر بعد ذلك سنة قبل أن نبني".
في أوميوجاك تصيب التشققات الجدران فيما انهارت في سالويت شمالا ثكنة للإطفائيين. وبدأ تدهور المباني يسجل في مطلع الألفية، على ما توضح هيئة النقل في كيبيك التي تشرف على مدرجات الطيران التي تربط سكان هذه المنطقة البالغ عددهم 11 ألفا بالعالم.
ولا تتواجد طرقات في المنطقة. وكان للاحترار المناخي أثره على التربة والأجناس المختلفة والغطاء النباتي والمياه والتعليم.. وبدأت المنطقة تشهد فترات قيظ ولم يعد القدامى فيها قادرين على توقع الطقس.
وتوضح أنيتا إنيكبوك (22 عاما): "بلغت الحرارة العام الماضي 30 درجة مئوية. أنا لا أطيق ذلك أبدا لذا فإننا نتجنب الخروج".
ويروي لوكاسي كوكي، وهو صياد سمك يبلغ السابعة والأربعين: "عندما يكون الجو حارا تبقى الأسماك في القعر. وينتشر البعوض والذباب الأسود" بلسعاته القوية.
لكن الأسكيمو في المنطقة يعتبرون أن الأسوأ بالنسبة لهم هو انكفاء فصل الشتاء الذي خسر شهرين من مدته تقريبا. وقريبا سيغطي الجليد خليج هادسن، لكن لموسم أقصر هذه السنة أيضا.ىفبات الجليد يتكون في موعد متأخر ويفقد من سمكاته وينكسر في وقت مبكر.
وسيواجه السكان المحليون صعوبة متزايدة في إيجاد حيوانات الفقمة التي تعاني هي أيضا من تراجع الغطاء الجليدي أو بعض الحيتان المهددة بانتشار الحيوانات القانصة مثل حيتان الأركة في الخليج، على ما يشدد العلماء.
ويقول لوكاسي توكتو (50 عاما) الذي يدرس الثقافة المحلية لتلاميذ المدرسة: "جدتي كانت تقول إن الثلج سيختفي يوما. وبت أصدقها الآن". وهذا الوضع يهدد ثقافة الأسكيمو المحليين بالاندثار، خصوصا أنها تأثرت أيضا بخمسين عاما من التحولات الاجتماعية والثقافية.
ويؤكد لوكاسي توكتو: "نعم قد تختفي هذه الثقافة بهدوء وليس فقط بسبب المناخ. فقد خسرنا الكثير من الأمور"، بسبب التحضر وفقدان المراجع ومشاكل البطالة.. ويضاف إليها الاحترار الآن.
ويشدد قائلا: "المناخ لا يمكننا السيطرة عليه".
ويحاول السكان المحليون إيجاد بعض الفرص للمستقبل مثل تطوير السياحة شبه المعدومة راهنا في أوميوجاك، حيث أقيم خلال الصيف متنزه طبيعي.
ويحذر لويس فورتييه، مدير "أركتينت" وهي شبكة علمية تعنى بشؤون هذه المنطقة: "يجب أن يستفيد السكان من المردود الاقتصادي وليس الشركات فقط".
ومن الفرص الممكنة أيضا في المستقبل زراعة عنب الحراج والفطر في ظل ارتفاع الحرارة.