المتتبع للمواجهات التي تجري في مختلف الأراضي
الفلسطينية يجد أن الشباب هم محركها ومتصدرها، تقف فيه الفتاة والشاب معا في المسيرات، وفي
القدس لا يغيب مشهد الأطفال الذين يرشقون قوات الاحتلال بالحجارة، والعقوبات الصارمة بحقهم من
المحاكم الإسرائيلية.
ما يميز هذا الجيل أنه ولد في "انتفاضة الأقصى" وعاش ما يقارب من نصف عمره في ظل
الانقسام الفلسطيني، ويشن هجمات اعتبرها مراقبون فردية بعيدا عن تأطير سياسي، أو توجيهات حزبية، بل يرى كثير من الكتاب الفلسطينيين والإسرائيليين، أن الشباب يقود الفصائل الفلسطينية ويسير أمامها، بينما اقتصر دورها على مباركة ما يقوم به الشباب.
ويرى الناشط الشبابي بشار القريوتي، أن هذه الفترة من المواجهات مختلفة عما سبقها، في ظل اعتداءات المستوطنين، وتأتي "ضمن عملية الدفاع عن القرى والبلدات المتعرضة للاعتداءات الهمجية من قبل العدو، وهي ردة فعل من أبناء الشعب والشباب، خاصة على
الاعتداءات المتكررة من قبل المستوطنين وتكرار العمليات الممنهجة من قبل عصابات (تدفيع الثمن) تجاه شعبنا".
وأضاف القريوتي في حديثه لـ"
عربي21"، "خرج أبناء القرى والمدن في سلوك وطريق مختلف في المقاومة تجاه الاحتلال للدفاع عن الأرض والممتلكات، فكانت لجان الحراسة التي تحمي القرى من اعتداءات المستوطنين".
وأوضح قائلا: "في هذه الأيام نتعرض لاعتداءات متكررة من قبل مستوطنين، أيضا هناك تخوف من قبل المواطنين على سلامتهم في ظل موسم الزيتون، حيث يقطف المزارعون زيتونهم في مناطق حساسة وتماس مع المستوطنين".
ونوه القيروتي أن "الشباب ينقصهم الخبرة كما يحصل في حالات تسلل المستعربين بين المتظاهرين، واعتقال عدد من الشباب، كما حدث قبل يومين في مدينة رام الله، حيث استخدم الاحتلال المستعربين في مدينة رام الله وسيلة لمعرفة من يشارك في هذه المواجهات، وتفاجأ المشاركين لوجود وحدة مستعربين بينهم، فالشباب لا يعرفون بعضهم بخلاف باقي المناطق والقرى التي تقوم بمسيرات أسبوعية شعبية ضد الاستيطان، حيث يعرفون بعضهم ويعرفون من يشارك معهم".
أعمارهم بين 18 إلى 20 عاما
ويرى المختص بالشؤون الإسرائيلية محمد أبو علان، أن الإسرائيليين منقسمين تجاه تعريف ما يحدث، فهناك من يرى "أن ما يجري هو انتفاضة فلسطينية ثالثة، مثل قادة المستوطنين وحزب البيت اليهودي، وموقفهم هذا لا يعبر عن الواقع الحقيقي وإنما يسعون لتضخيمه من أجل تحقيق مكاسب سياسية على الأرض مثل جني مزيد من التأيد الشعبي، ومن أجل المزيد من التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية والذي يعتبرونه الرد الصهيوني المناسب على عمليات المقاومة الفلسطينية، ولهذا اعتصم قادة المستوطنين أمام بيت رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي".
من جهة أخرى يرى أبو علان، أن المؤسسة الأمنية الاحتلالية لازالت ترى في الأحداث الجارية أنها بعيدة عن أن تكون انتفاضة فلسطينية ثالثة، وهذا تقدير الموقف الذي قدمه جهاز الشاباك الإسرائيلي وجيش الاحتلال في اجتماع أمني عقد الأحد الماضي.
وتابع في حديثه لـ"
عربي21"، حتى محللين إسرائيليين لا يرون في الأحداث الحالية "انتفاضة فلسطينية ثالثة"، يهودا يعاري المحلل السياسي للقناة الثانية الإسرائيلية قال في هذا السياق"انسوا مصطلح انتفاضة فلسطينية ثالثة، الانتفاضة الأولى كان لها قيادة فلسطينية موحدة، والانتفاضة الثانية قادها الرئيس أبو عمار من داخل المقاطعة، أما الأحداث الحالية فلا قيادة لها لتتحول لانتفاضة فلسطينية ثالثة".
وبرأيه "أن حجم وبشاعة الممارسات الإسرائيلية هي المحرك والدافع لعمليات المقاومة الفلسطينية الفردية".
وفي متابعته لوسائل الإعلام الإسرائيلية بعد سلسلة العمليات الأخيرة، أجمعت أكثر من وسيلة إعلام على مجموعة من المواصفات لمن ينفذ هذه الهجمات أبرزها: "أعمارهم ما بين 18-20 عاما، متخوفون على مصير المسجد الأقصى، واقعون تحت تأثير التحريض ومنه التحريض عبر شبكات التواصل الاجتماعي، علمانيون، لا ينتمون لأي فصيل سياسي".
وكانت شرطة الاحتلال الإسرائيلي أعلنت عن نيتها إقامة قسم عربي في وحدة الجيش المتخصصة بالفضاء الإلكتروني "سايبر" من أجل مراقبة مواقع التواصل الاجتماعي للكشف عن أي عملية محتملة، في ظل ازدياد العمليات الفردية، خاصة عمليات الطعن في الأيام الأخيرة، والتي لوحظ أن جزءا من منفذيها شاركوا مسبقا منشورات عبر حساباتهم في موقع فيسبوك يكتبون فيها عن عقدهم النية للشهادة، أو منشورات أخرى يعبرون فيها عن تضامنهم مع مجريات الأحداث في القدس والضفة الغربية.
علما أن جيش الاحتلال أعلن في العام 2012 عن إقامة وحدة تحمل اسم "حتسف" لهذا الغرض ولمراقبة "فيسبوك" و"تويتر".
الفتيات في الواجهة
بدورها عبرت خبيرة التنمية البشرية حكمت بسيسو، عن تصدر الشباب للمشهد الحالي، بقولها: "ببساطة أي إنسان يولد يتيما له طريقين، إما ينهار ويندثر وينحرف ويتوه، أو يتبنى نفسه ويلملم قواه ويبحث عن القائد في داخله، القائد المنقذ الداخلي، هذا الجيل يتيم ولكن ليس ساذجا لأنه منفتح على العالم عبر التكنولوجيا، ورؤيته لتطور العالم جعلته يحلم بحضور إنساني حر واعي قوي".
وأوضحت في حديثها لـ"
عربي21"، "نحن جزء من العالم، رؤية السوريين يسقطون في شتات العالم أسقط حلم الهجرة من دماغ الشاب الفلسطيني، وأسقط وهم عدالة الغرب، فلا حل سوى البحث عن وطننا وكياننا، لا خيارات، الفساد بلغ مداه وانقسام المجتمع بين ملوك وتابعين هو أسوأ من الانقسام السياسي، ناس لديها مرسيدس وناس لا طعام في بيتها".
وحول بروز مشاركة الفتيات في هذه المواجهات قال بسيسو: "المرأة الفلسطينية أكبر دافع لثمن الاحتلال ولكن في الظل، الكل يرى الأسير ويتحدث عنه، ولكن لا أحد يرى عذابات أمه وزوجته اليومية، المرأة تريد اليوم أن تدفع الثمن المباشر ويرى العالم نضالها، المرأة تنورت وتريد المساواة والتحرر وهذه فرصتها، عدا عن وعي المرأة الفلسطينية وقوتها ولكن لاحظ المشهد النسوي في مكانين فقط، القدس حيث ارتبطت المرأة الفلسطينية بالتدين وبالتالي الرباط، وفي رام الله حيث ارتبطت المرأة الفلسطينية بالانفتاح وبالتالي إلي المقاومة، أما باقي المحافظات فالمرأة الفلسطينية غائبة، حيث تقبع في مربع التدين المحافظ البعيد عن مفهوم الرباط ومفهوم المقاومة".
الأوضاع الصعبة والشعور بالظلم
في ذات السياق، قال الصحفي عاطف أبو الرب لـ"
عربي21"، إن "الشعب مضغوط، ويعاني من أوضاع صعبة جدا، حيث أن هذه الأوضاع خلقت حالة من رفض الاحتلال وحالة من الحقد تجاه ممارساته، مع غياب أي دور للجهات القيادية، فإن ما يجري تعبير طبيعي لما يعانيه المواطنون من ظلم، وهذا ما يجعل الأمر خارج التوقعات".
أما الأسير المحرر والإعلامي عمر عفانة فيعتقد في حديثه لـ"
عربي21"، "أن فئة الشباب بلغ بها الأمر مبلغ عدم الثقة بكل القيادات الحالية، فهم يقودون المواجهة دون مصالح فئوية أو شخصية، وبدافع وطني فقط، ومع ما كان يدعيه الاحتلال من تسهيلات وإعطاء تصاريح وغير ذلك لم يستطع أن ينتزع من هذه الفئة انتماءهم الوطني".