نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا لضياء حديد ووسام نصار، حول تضاعف المعاناة في قطاع
غزة؛ بسبب إغلاق ومن ثم إغراق
الأنفاق.
ويشير التقرير إلى أنه في ليلة من ليالي رفح الرطبة، جلس ستة مهريبن فلسطينيين حول طاولة في الباحة الخلفية، وأخذوا يستعرضون الخسائر، التي تسببت بها
مصر على مدى العامين الماضيين. وقد قامت مصر بتفجير الأنفاق بالديناميت ونشر الغاز، وملأتها بالمياه العادمة.
ويذكر الكاتبان أن مصر اتخذت العام الماضي الخطوة غير العادية بتدمير أكثر من ثلاثة آلاف بيت في جانبها من الحدود؛ لخلق منطقة عازلة، ومنع الوصول إلى الأنفاق، وخلقت في الوقت ذاته مأساة إنسانية كبيرة.
وتلفت الصحيفة إلى أن المهربين يخشون أن تكون مصر استقرت على استراتيجية قد تجلب الدمار على صناعتهم، تقوم على إغراق الأنفاق حتى يتم هدمها. فخلال الشهر الماضي، قامت مصر بإغراق جزء من المنطقة الحدودية مرتين، ما تسبب بتهدم نفقين وتخريب عشرة تقريبا. مشيرة إلى أنه لا يعمل من أصل 250 نفقا سوى 20 نفقا الآن، وهو أسوأ وضع يمر به المهربون. فيجدون أنفسهم ينتظرون بقلق أن تفيض الأنفاق.
ويقول أحد المهربين، واسمه أبو جزر، ويبلغ من العمر 42 سنة، رفض كغيره من المهربين الذين قابلتهم الصحيفة إعطاء اسمه الكامل؛ خوفا من تعرف السلطات المصرية عليه: "لو كانوا يقصفوننا، نستطيع أن نقوم بالتصليحات".
ويورد التقرير أن
إسرائيل ومصر قامتا بفرض حصار على غزة منذ أن سيطرت حركة حماس عليها عام 2007. مستدركا بأن الحملة المصرية تصاعدت بعد أن أصبح عبدالفتاح
السيسي وزيرا للدفاع تحت حكم الرئيس مرسي عام 2012.
ويبين الكاتبان أنه في ذلك العام قتل مسلح 15 جنديا مصريا على حاجز للجيش في سيناء المجاورة لغزة. وكان في وقتها أبشع هجوم ضد جنود مصريين في الزمن الحديث.
وتوضح الصحيفة أنه بعد أن أصبح السيسي رئيسا لمصر، نظر إلى الأنفاق على أنها هدية لحركة حماس، وتهديد مباشر لأمن مصر، وأصر على أن الأنفاق تستخدم لتهريب الأسلحة والمتطرفين. ويقول أبو جزر: "في البداية أصبحت الأمور مع السيسي 50% أصعب، والآن أصبحت 90% أصعب. وستصل الصعوبة إلى 100%، عندما يشغل مضخات الماء".
ويفيد التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، بأن الأنفاق أدت دورا مركزيا في اقتصاد القطاع، حيث دخلت عن طريقها سلع كثيرة، منها المواشي والسيارات والأدوات الكهربائية ومواد البناء.
ويشير الكاتبان إلى أنه منذ بدء الحملة ضد الأنفاق، خسر كثير عملهم، ما ساعد على ارتفاع نسبة الفقر في المنطقة، بالإضافة إلى انقطاعات الكهرباء التي كانت متكررة وأصبحت أكثر تكرارا، وتنقطع لزمن أطول؛ لأن الأنفاق كانت تمد محطة توليد الكهرباء بمليون لتر من الديزل في اليوم.
وتذكر الصحيفة أن السيسي زاد من الضغط على غزة، من خلال فرض إغلاقات طويلة ومستمرة لمعبر رفح. ولا تستطيع الأنفاق العشرون المتبقية سوى توصيل الحاجات الصغيرة، مثل الدخان والهواتف النقالة.
ويكشف التقرير عن حفر المصريين لخندق على الحدود مع غزة خلال الصيف، ووضعت أنابيب موازية لشارع المنطقة العازلة المسمى طريق فيلاديلفيا، وتم ضخ الماء من البحر، فتحولت الخنادق إلى قناة في الليل، بحسب أبي إبراهيم، الذي يعمل في حرس الحدود، وتسببت هذه القناة بإغراق نفقين، وتسببت بتهدمهما. وتكرر هذا الأمر في بداية شهر تشرين الأول/ أكتوبر، وهذه المرة تم إغراق عشرة أنفاق.
وينقل الكاتبان عن أبي خليل (34 عاما) قوله إنه كان يعمل على إصلاح نفقه، الذي يصل طوله إلى ألفي قدم، عندما سمع خرير الماء يجري داخل النفق. ويضيف: "رأينا الماء وكان يمكن أن تجرنا". وعاد ومعه 15 عاملا ومعهم مضخة ماء، وبقوا يعملون يومين في تفريغ الماء من النفق، محاولين منع تهدم جدرانه. وقال أبو خليل إنه بعد تجفيف النفق سيقوم بتقوية الجدران بقطع من الخشب.
وتجد الصحيفة أنه إذا كانت حوادث إغراق الأنفاق بمياه البحر هي مجرد تجريب لنظام تدمير الأنفاق الجديد، كما يتوقع الفلسطينيون، فإن عملية مستمرة من ضخ المياه ستؤدي إلى مأساة؛ لأنه لن يكون بالإمكان ضخ المياه بالسرعة الكافية إلى البحر.
وينقل التقرير عن وائل أبو عمر من وزارة الداخلية في غزة، قوله وهو يشير إلى مساحة من الأرض التي غطتها المياه وتجففها الشمس الآن: "هذه المنطقة كلها ستدمر".
ويقول الكاتبان: "لم يستجب أي متحدث رسمي بشكل مباشر لطلبنا من أجل التعليق على الإجراء الأخير المدمر للأنفاق".
وترى الصحيفة أنه في حال تكرار عملية الإغراق، فإنه قد تكون لها آثار أخرى، مثل إيذاء الأراضي الزراعية المجاورة، وتفاقم الملوحة في المياه الجوفية، التي تعاني من المشكلة أصلا في غزة، بالإضافة إلى أن الناس في المنطقة خائفون على بيوتهم من الإنهيار.
ويورد التقرير نقلا عن منصورة أبو شاعر (73 عاما) قولها وهي تقف أمام بيتها الصغير، الذي تعيش فيه مع زوجها (74 عاما): "يقولون إن المياه تأتي من مصر". وكانت اضطرت إلى النزوح عن بيتين قبل ذلك؛ بسبب القصف الإسرائيلي، وتخشى أن تتسبب مصر هذه المرة بنزوحها وزوجها عن بيتهما. وتضيف أبو شاعر أن زوجها يجلس في الخارج ليلا، ويراقب إن كان هناك فيضان؛ "لينظر إن كنا بحاجة للهروب".
وينوه الكاتبان إلى أنه من بين العشرين نفقا التي تعمل هناك، يوجد ستة أنفاق يتم مدها للوصول إلى المناطق المأهولة مرة أخرى، فأحد الأنفاق وصل طوله إلى حوالي ميلين. مشيرين إلى أن بعض أصحاب الأنفاق يفكرون في تقوية أنفاقهم، عن طريق تدعيمها بالإسمنت، أملا بحمايتها من الانهيار إن تم إغراقها ثانية.
وتكشف الصحيفة عن أن هناك مالكي أنفاق يحاولان حفر أنفاق أعمق، ويأملان بالوصول إلى 160 قدما تحت الأرض، أملا بألا تتسرب إليها المياه التي تضخها مصر من البحر لإغراق الأنفاق. ويقول أبو رباح (44 عاما)، وهو صاحب نفق سابق: "هناك شخصان يحاولان لديهما أموال كثيرة، إنهما ملكان في هذا المجال، وهما مالكا أنفاق من الدرجة الأولى".
ويستدرك التقرير بأن أبا رمزي (33 عاما)، الذي لا يزال يعمل في الأنفاق، يقول إنه بانتظار نتيجة تلك الاستراتيجية: "نحن ننتظر وننظر .. ولا أحد من أصحاب الأنفاق نائم، فكلنا يفكر بخطته القادمة".
وتختم "نيويورك تايمز" تقريرها بالإشارة إلى أن أبا رباح، الذي تعطل نفقه لعدة أشهر، فكر في الخيارات التي أمامه، ويقول: "قد نضطر للذهاب فوق السياج، وربما في البحر، وربما نحتاج إلى طائرات". ويقول أبو جزر ردا على ذلك: "أو ربما علينا ترك هذا الأمر والعمل في صيد الأسماك".