نشرت صحيفة لوفيجارو الفرنسية تقريرا؛ تساءلت من خلاله عن مستقبل
سوريا في خضم الصراعات الداخلية التي تعيشها برعاية خارجية، وأشارت إلى احتمال تقسيمها.
وتحدثت الصحيفة في هذا التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، عن إمكانية اللجوء إلى حل سياسي يشمل بشار الأسد، ما قد يخفض من احتمال اللجوء لتقسيم البلد بين مختلف الأطراف المتنازعة: الشيعة برعاية روسية
إيرانية، السنة برعاية سعودية تركية، الأكراد، وتنظيم الدولة.
وأكدت الصحيفة أن الإرتفاع المتواصل للتدخل الروسي والتركي والسعودي والأمريكي بسوريا، يضاعف من الانقسامات داخلها، ما قد يفضي إلى تقسيمها لأربع مناطق نفوذ؛ حيث ستسعى كل جهة خلال الأشهر القادمة، إلى مضاعفة دعمها لكل من تلك "الدول الصغيرة"، بحثا عن سبل تعزيز ثقلها في مفاوضات السلام.
وأفادت الصحيفة، أن أولوية موسكو هي تحقيق الاستقرار في بعض نقاط المواجهة، غير أن الاختلاف الذي يعصف بالأطراف المتنازعة وداعميهم الدوليين، سيعزز تفكك البلد وتقسيم المجتمع السوري، كما حصل في لبنان طيلة 15 سنة من الحرب الأهلية.
وقالت إن الإقليم الأول يخضع لسيطرة نظام بشار الأسد، بدعم روسي، ويمتد من "دمشق الكبرى"، أي العاصمة وضواحيها، حتى ساحل البحر الأبيض المتوسط، معقل النظام، ومكمن المصالح الاستراتيجية الروسية، مرورا بمدينتي حمص وحماة، بالإضافة إلى بعض المناطق من حلب، وجنوب درعا، ودرز سويداء.
وأشارت لوفيجارو إلى دور إيران في إقناع بشار الأسد بالاحتفاظ بهذه المناطق "المفيدة"، وعدم خسارة مزيد من الجنود في "المناطق التي لا يمكن الدفاع عنها"، نظرا للنقص البشري الكبير الذي يعاني منه النظام.
وذكرت بأن مساحة هذا الإقليم لا تتجاوز 20 في المئة من سوريا، وتضم ما يقارب نصف سكان البلد، كما أشارت إلى دور الدعم الذي تقدمه إيران وروسيا لقوات النظام السوي وميلشياته، لتمكينه من بسط السيطرة على جل مناطقه، ودفع الثوار إلى الخلف.
غير أن المعطيات تغيرت؛ حيث أمسى هذا القطاع معرضا لهجمات عنيفة، ما دفع نظام الأسد لتبني استراتيجية جديدة تتمثل في تشكيل "قوى محلية"، بدعم روسي إيراني، لحماية هذه المناطق، تخضع إحداها لإمرة ماهر، شقيق بشار الأسد. وكذلك في إنشاء غرف عمليات ثلاثية، تسعى للتنسيق بين مختلف هذه الوحدات.
أما الإقليم الثاني الذي بدأ يتشكل داخل سوريا، فقالت الصحيفة إنه يخضع لتأثير سعودي تركي، ويقع شمال غربي البلاد، ويضم الحدود التركية ومحافظة إدلب، إضافة إلى جزء من حلب؛ حيث تمكنت المعارضة من التغلب على القوات النظامية، بدعم سعودي تركي قطري.
ونقلت الصحيفة عن أحد المقربين من نظام الأسد، قوله إن الطلعات الجوية الروسية تهدف لإنشاء خط دفاع يحفظ الإقليم الأول ويفصل بينه وبين الإقليم المحسوب على تركيا والسعودية، ويمتد من شمال اللاذقية إلى شمال حماة.
ورأت أن ذلك يستوجب استعادة مدينتي جسر الشغور ومعرة النعمان، اللتين تتميزان بالحضور القوي للمخابرات التركية الداعمة للمعارضة؛ ما يفسر تعرضهما للغارات الروسية، وفق الصحيفة.
وفي هذا السياق، لفتت الصحيفة إلى سعي تركيا لإنشاء "منطقة آمنة" على الجهة السورية المقابلة لحدودها، وهو ما تعارضه أمريكا بشدة.
كما ذكرت الصحيفة، أن المملكة العربية السعودية ردت على التدخل الروسي؛ بإعلانها عن اعتزامها مضاعفة الدعم اللوجستي لمسلحي المعارضة.
وأفادت لوفيجارو بأن الإقليم الثالث يضم المناطق الكردية الشمالية، والتي لا تزال تحافظ على تنسيقها مع استخبارات النظام السوري في دمشق، على الرغم من أنها تحظى بحكم شبه ذاتي.
كما أفادت بأن الغرب يعتمد بشكل كبير على الأكراد ميدانيا، وهو ما مكن من منع منطقة عين العرب من السقوط بين أياد تنظيم الدولة، العام الماضي، وأدى إلى استعادة تل أبيض من التنظيم. غير أن تعاون القوى الكردية مع النظام السوري يجعلهم منبوذين من قبل العرب القاطنين في المنطقة.
وأشارت الصحيفة إلى أن الاتهامات التي يواجهها حزب العمال الكردستاني، بالسعي لإبادة عرقية ضد العرب، بالإضافة إلى وجوده في لائحة الإرهاب الأمريكية، لم تمنعه من نيل المساعدة اللوجستية الأمريكية.
أما الإقليم الرابع، فبحسب لوفيجارو؛ يخضع لسيطرة تنظيم الدولة، ويشمل الصحراء السورية؛ انطلاقا من شرق حلب، مرورا بالرقة ودير الزور، وصولا إلى الحدود العراقية.
وقالت الصحيفة إن التنظيم يواصل توسعه في سوريا، حيث يبسط سيطرته على معظم آبار النفط، ويبيعه خاما في السوق السوداء، علاوة على امتلاكه منطقة زراعية تمتد على نهر الفرات، وهو ما يميزه عن فصائل الثوار، التي تعتمد في تمويلها على دول الخليج، وتتعرض لخطر انقطاع هذا الدعم، استجابة للضغوط الأمريكية.
وقد اعتبرت لوفيجارو أن
التقسيمات الأربعة تكشف عن مصلحة كل من الأطراف الإقليمية الراعية للجهات المتحاربة في سوريا؛ حيث تسعى
روسيا لحماية نظام بشار الأسد في معقله، استنساخا للتجربة الأبخازية في جورجيا، في حين تحاول إيران المحافظة على امتدادها الجغرافي بين بغداد ودمشق والمناطق العلوية ولبنان، دعما للمحور الشيعي الذي تسعى من خلاله مواجهة النفوذ الوهابي، حسب تعبير الصحيفة.
ومن جهتها، تحاول السعودية تثبيت قوة سنية بدمشق، لإضعاف إيران في سوريا والعراق؛ غير أن تقدم تنظيم الدولة على حساب الثوار، قد يمنع المملكة من التوصل إلى حل سياسي تقبله أمريكا.
ونقلت الصحيفة، في هذا السياق، توقعات أحد الديبلوماسيين العرب في الشرق الأوسط، حول انتهاء الأمر إلى اتفاق شبيه باتفاق الطائف في لبنان، غير أنها استبعدت أن ينتهي الصراع إلى توافق يجمع كافة الأطراف التي يسعى كل منها لحماية مصالحه، دون إبداء أي نية للتراجع.