لم تكن تهنئة قائد الجيش الأردني الفريق أول الركن مشعل الزبن لوزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان السوريين بعيد الضحى مناسبة اجتماعية، كما رأى خبراء عسكريون وسياسيون لصحيفة "
عربي21" خصوصا أن دمشق لم ترد التهنئة بمثلها.
ويعتقد الخبراء أن "التهنئة" تندرج تحت بند المغازلة السياسية، والسعي للتقارب بين البلدين الجارين عقب توتر العلاقات والاتهامات المتكررة من دمشق لعمان "بتورطها بدعم المسلحين في الجنوب السوري، وتسهيل وصول الدعم والإمداد لهم"، وهو الأمر الذي نفته عمان مرارا.
"البراجماتية" في الموقف الأردني تختلف باختلاف المعطيات الدولية والمصلحة الأردنية، خصوصا مع فشل جبهة الجنوب السوري، كما أجمع المحللون.
بخصوص ذلك، قال رئيس لجنة التوجيه الوطني في البرلمان الأردني النائب جميل النمري، بتصريحات لـ"
عربي21" إن "هناك تعديلا واضحا فيما يتعلق بالموقف الدولي بشكل عام بخصوص النظام السوري، لكنه أقل مما يشاع ويعلن، فالرئيس باراك أوباما أكد أن لا حل سياسي بوجود الأسد، لكن على المستوى العلني وفي ظل فشل إيجاد قوى معتدلة على الأرض هنالك طرفان هما النظام والمتطرفون، لذا يصبح إلزاما التعاون عسكريا بحدود ضيقة مع النظام لضمان هزيمة داعش، مع استمرار الضغط السياسي على النظام السوري".
أما بخصوص الموقف الأردني من النظام السوري، فأكد النمري أن "الأردن أخذ منذ بداية الأحداث مسافة محدودة من الموقف الخليجي والغربي، واعتبر مرارا أن تغيير النظام السوري قضية داخلية، واكتفى بالالتحاق بالتحالف لمحاربة الإرهاب، لكن على الأرض تعاونت المملكة مع عشائر وقوى في الداخل، ويبدو أن فشل جبهة الجنوب التي كانت من المفترض أن تهيمن قوى معتدلة على درعا الحدودية دفع الأردن أكثر نحو نوع من التفاهم مع النظام السوري بأولوية هزيمة القوى المتطرفة".
وكانت معارك الفصائل المسلحة في الجنوب السوري بمدينة درعا المتاخمة للحدور الأردنية الشمالية توقفت بعد أن انطلقت في حزيران/ يونيو الماضي، لتحرير مدينة درعا من القطع العسكرية المتبقية للنظام هناك تاركة اتهامات سورية للجارة الأردنية بوجود غرفة عمليات داخل المملكة تسير هذه المعارك.
مواقف بعض الدول من وجود الأسد
وتأتي المغازلة الأردنية للنظام السوري في عيد الأضحى بالتزامن مع "تغير مواقف بعض الدول من وجود الأسد في السلطة للمرحلة الانتقالية بوصفه جزءا من الحل للأزمة السورية"، إذ يرى الكاتب الأردني عمر كلاب أن "استدارة الدولة التركية في الملف السوري، وقبلها الاستدارة الأمريكية والأوروبية، تعني أن الملف السوري بات قريبا من مرحلة جديدة، قوامها الحل أو الاشتباك الجديد بقواعد مختلفة".
مغازلة على مستوى عال
بدوره، لم يخرج العميد المتقاعد من الجيش الأردني ناجي الزعبي تهنئة قائد الجيش لنظيرة السوري من السياق السياسي؛ "كونها تمت من أعلى جهة أمنية"، بحسب تصريحاته لـ"
عربي21"، إذ قال إن "هذه التهنئة من الشخصية الأمنية الثانية في الأردن بعد الملك في ظل التحولات الإقليمية والدولية التي تجري خصوصا الحديث عن مائدة تسويات، بالإضافة لدور التحالفات الدولية التي تشكلت عقب توقيع الاتفاق النووي الإيراني الأمريكي، بالإضافة لخطوة الرئيس بوتين للتصعيد العسكري دون سقف، مع التدخل الصيني وإرسال بوارج صينية للساحل السوري، وهذا ما نطلق عليه -نحن العسكريين- خطوة اللاعودة".
و حول سعي عمان بعد هذه التغييرات الدولية لإعادة بناء الجسور مع النظام السوري، أجاب العميد المتقاعد أن "صاحب المبادرة والقرار الأول في هذا هو المركز الأمريكي ومن يدور بفلكه، حيث كرت المسبحة من فرنسا إلى إسبانيا وتركيا وبريطانيا التي كان لها موقف مختلف خلال الأيام الماضية، وحتى الأمين العام للأمم المتحدة بات يتحدث عن ضرورة بقاء الأسد ودوره في محاربة الإرهاب الدولي، بالتالي كل من يدور في هذا الفلك يجب أن يأخذ هذه الخطوة".
ورأى الزعبي أن "للأردن مصلحة الآن مع هذه الخطوة جيشا وشعبا ودولة؛ لارتباط الأردن بعلاقات اقتصادية مع الجانب السوري تضررت بسبب الحرب، بالإضافة لانتشار الجماعات المسلحة في الجنوب السوري، التي تشكل خطرا على الأردن، حيث يجري حديث الآن عن إغلاق غرفة استخبارات الموك بعد فشل جبهة الجنوب".
ورفضت الحكومة الأردنية التعليق على ما أسماه المحللون "الاستدارة في الموقف الأردني"، إذ حاولت صحيفة "
عربي21" الاتصال مرارا بالناطق الرسمي باسم الحكومة الأردنية محمد المومني، الذي ما انفك يصرح دائما أن "الأردن لا يتدخل في الشأن السوري الداخلي، ويتمنى الاستقرار لسوريا".
الأردن في مأزق دبلوماسي
بدوره، قرأ المحلل المختص في الدراسات الأمنية والاستراتيجية عامر السبايلة رسالة التهنئة أيضا من "بوابة التحول في الموقف الأردني الخجول الذي يعدّ محاولة للتواصل مع النظام في
سوريا"، مضيفا أن الأردن يدرك أنه لا يمكن المضي قدما في مشاريع منتهية الصلاحية، ولا يمكن أن يبقى في منطقة رمادية، بحسب قوله.
وأوضح المحلل، في تصريحات لـ "
عربي21"، أن "الأردن لا يملك مقومات الخروج من هذه المنطقة الرمادية، فسياسيو الأردن ووزارة الخارجية راهنوا على إسقاط النظام السوري، وبالتالي لا يجد الأردن لنفسه إلا بوابة التنسيق الأمني، الذي تمثله المؤسسة العسكرية، نظرا إلى أن الأولوية الآن لمكافحة الإرهاب، وإيقان الأردن أنه مضطر اليوم لينسق مع النظام في سوريا بعد وصول المجتمع الدولي لقناعة بضرورة التنسيق مع الجيش السوري، خصوصا أن المملكة بحاجة لشريك في مسألة الجنوب السوري، لذا يجد الأردن نفسه في مأزق دبلوماسي الآن وعليه أن يتجاوزه، ومن هنا يمكن قراءة هذه التهنئة على أنها محاولة خجولة للخروج من هذا المأزق والتأسيس لبناء مستقبلي، ويبقى الأهم هو منسوب الثقة للطرف الآخر، وهو الذي سيحدد فعليا شكل المرحلة القادمة في العلاقة".
ولا يقتصر الموقف الأردني على مغازلة النظام السوري وتشديد الرقابة على الحدود ومحاكمة "الجهاديين" العائدين من سوريا، حيث يمتد لمشاركة العراق وروسيا وإيران في غرفة الاستخبارات التي أعلنت العراق تشكيلها لمحاربة
تنظيم الدولة.
وكشف رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، الاثنين الماضي، عن إنشاء لجان استخبارية مع عدة دول لمحاربة تنظيم الدولة، قائلا إن "روسيا مهتمة بمحاربة التنظيم لوجود عناصر روس في صفوفه"، مبينا أن "العراق لديه تعاون استخباري مع ألمانيا والأردن ودول عديدة مهتمة بمحاربة التنظيم".