نشر موقع "ميدل إيست آي" الإخباري البريطاني؛ تقريرا، حول التغيير الحاصل على رأس جهاز
المخابرات الجزائرية، تناول فيه إحالة الجنرال محمد الأمين مدين، المعروف باسم
الجنرال توفيق، على التقاعد، ليحل محله الجنرال بشير
طرطاق، وطرح تساؤلات عن الظروف التي رافقت هذه التغييرات، وتأثيرها على المشهد الجزائري.
وقال الموقع، في تقريره الذي ترجمته "عربي21" إنّ الجزائر شهدت تعويض رجل غامض برجل آخر أكثر غموضا، حيث شهد يوم الأحد 13 أيلول/ سبتمبر صدور قرار من الرئاسة الجزائرية، بإحالة مدين إلى التقاعد، بعد أن شغل منصب مدير الاستخبارات الجزائرية منذ سنة 1990.
هذا الجنرال المعروف باسم توفيق، الذي كان يوصف بأنه الرجل الأقوى في الجزائر، تم تعويضه بجنرال آخر متقاعد، وهو عثمان طرطاق والمعروف ببشير طرطاق، الذي لم يعثر له للآن على أي صورة حقيقية، باستثناء صور متداولة على مواقع الإنترنت تبين أنها ليست صحيحة.
وبحسب التقرير، لا يعرف الجزائريون الكثير حول مدير الاستخبارات الجديد، باستثناء التسميات التي يكنّى بها مثل الجزّار والمفجّر، وسمعته السيئة كرجل متهور وقاس.
وذكر التقرير أن الجنرال طرطاق ولد في مدينة العلمة، في ولاية سطيف شرق الجزائر، وقد تم انتدابه لجهاز الأمن العسكري في سنوات السبعينيات، عندما كان لا يزال طالبا في الجامعة. ورغم غياب أي سيرة ذاتية رسمية لهذا الرجل، فإن الأشخاص الذين عرفوه عن قرب يؤكدون أنه ذهب إلى روسيا وتلقى تدريبا على يد المخابرات السوفييتية "كي جي بي"، وهو التدريب ذاته الذي تلقاه سلفه الجنرال مدين.
ونقل التقرير عن أحد ضباط المخابرات الجزائرية قوله إن "الجنرال طرطاق حاز على سمعته السيئة عندما كان مديرا للمركز الرئيسي للتحقيقات العسكرية في سنوات التسعينيات، حيث كان هذا الجهاز يقوم بالتحقيقات في الشؤون العسكرية، وكان طرطاق مصدر رعب للإسلاميين ولضباط الجيش المتورطين في مختلف التهم.
وأشار التقرير إلى أن الانتهاكات التي حصلت في عهد الجنرال طرطاق في مركز التحقيقات العسكرية؛ جعلته محل انتقادات كبيرة من الجمعيات التي اتهمته بالمبالغة في استعمال العنف والتعذيب ضد المتهمين.
وقد نشرت منظمة "ألجيريا واتش" التي تنشط من برلين؛ تقريرا في سنة 2003، وصفت فيه هذا الرجل بأنه "آلة موت"، كما جاء في التقرير أنه في سنة 1992، عندما تولى طرطاق الإدارة، أصبح مركز التحقيقات العسكرية أهم مكان للتعذيب وتصفية الخصوم في الجزائر.
ونقل التقرير عن حسينة أوصديق، مديرة منظمة العفو الدولية في الجزائر، قولها إن المنظمة لطالما أكدت أن الاستخبارات السرية في الجزائر؛ لديها كامل الصلاحيات لاعتقال الناس واحتجازهم بطريقة غير شرعية، وهو ما يفتح الباب أمام التعذيب وسوء المعاملة.
كما نقل التقرير عن محام جزائري مختص في الدفاع في قضايا انتهاكات حقوق الإنسان، فضل عدم ذكر اسمه، أن "ما حدث يعد مستغربا، حيث إن الضابط الأعلى رتبة والأكثر تعرضا للانتقادات من المنظمات الدولية، أصبح الآن على رأس أكثر الأجهزة الأمنية حساسية".
كما نقل التقرير عن ضابط في المخابرات، أن تعيين الجنرال طرطاق قوبل بترحيب كبير داخل هذا الجهاز، حيث إن كبار قادة المخابرات سئموا من قبول الجنرال مدين بتجريد جهازهم من صلاحياته وقوته المعهودة، في إطار سياسة
بوتفليقة لإضعاف هذا الجهاز، من خلال قيامه بضم بعض أقسام المخابرات إلى قيادة الجيش، الذي يعتبر مواليا للرئيس، كما قام أيضا بغلق أقسام أخرى في المخابرات، والحد من صلاحيات هذا الجهاز.
ونقل التقرير عن هذا الضابط أن "الجنرال طرطاق كان يسعى منذ سنوات لأخذ مكان الجنرال مدين، فطرطاق هو الذي مهد الطريق لبوتفليقة لتفكيك جهاز المخابرات القوي، وكل ما حدث تم التخطيط له بكل حذر منذ البداية بين بوتفليقة وطرطاق، وما تعيينه على رأس هذا الجهاز إلا مكافأة له.
وفي المقابل، نقل التقرير تأكيدات ضابط آخر أن "ما يردده البعض من أن بوتفليقة وطرطاق تآمرا للإطاحة بالجنرال مدين هو محض خيال، فنظرية تعيين طرطاق مكان مدين في غفلة منه؛ ليست منطقية، ويبدو أن ما حدث كان مبرمجا من جميع الأطراف، حتى إن الجنرال توفيق هو من اختار خليفته".
وقال التقرير إن الكثيرين في الجزائر يؤمنون بأن رجلا قويا مثل مدين، لا يمكن الإطاحة به بهذه السهولة، باعتبار أنه كان الرجل الأقوى في المخابرات، ويوصف بأنه الحاكم الفعلي للجزائر، كما كانت له علاقات قوية مع أجهزة مخابرات أجنبية، منها وكالة الاستخبارات الأمريكية، التي كان شريكا لها في حربها على الإرهاب.
وهو الذي صنع جهاز الاستخبارات بشكله الحالي في سنوات التسعينيات، لذا فمن المرجح أنه عندما أراد المغادرة قرر وضع خليفته بنفسه ليحمي نفسه، ويتأكد أن الجهاز "بين أيد أمينة".
وفي الختام، قال التقرير إنه على الرغم من أن قرار خلافة عبد العزيز بوتفليقة في منصب الرئاسة سيتم اتخاذه بشكل جماعي، فإن رحيل مدين قد يؤكد التوقعات بأن بوتفليقة يرغب في اتخاذ القرارات في المستقبل بنفسه. ولكن هذا ليس مؤكدا بأي شكل من الأشكال، حيث إن القوات المسلحة وجهاز الاستخبارات، لا يزالان يشكلان العمود الفقري للسلطة في الجزائر، كما يقول التقرير.