نشرت صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية، تقريرا عن أسباب التغير في مواقف الدول الأوروبية تجاه مقترح وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، القاضي بالبحث عن حل سياسي للأزمة السورية بإشراك
بشار الأسد.
وقالت الصحيفة في تقريرها الذي ترجمته "
عربي21"، إن إعلان كيري في الربيع الماضي، أنه يجب "في نهاية المطاف" التفاوض مع بشار الأسد؛ لم يكن له صدى ملموس لدى العواصم الأوروبية، "ولكن بعد ستة أشهر من هذا الإعلان؛ يبدو أن معظم البلدان الأوروبية تراجعت عن الفكرة التي تفيد بأن الانتقال السياسي في
سوريا يتطلب بالضرورة الإطاحة بالأسد وبمقربيه".
وأضافت أن بريطانيا التي كانت تشترط رحيل الأسد كشرط مسبق لأي حل سياسي؛ أصبح بإمكانها قبول بقائه في السلطة "لفترة زمنية معينة"، وهو نفس الموقف الذي اتخذنه كل من فيينا ومدريد، حيث دعا وزير الخارجية النمساوي سيبستيان كورتز إلى "مقاربة مشتركة، وعملية تتضمن إشراك الأسد في الحرب ضد
تنظيم الدولة"، أما بالنسبة لوزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل؛ فقد ذكر أن حكومة بشار تشكل "أحد طرفي النزاع" في سوريا، وأنه "يتم دائما بناء السلام مع الأعداء".
وبينت الصحيفة أن الموقف الأخير لفرنسا، المتمثل في الانضمام إلى التحالف الدولي في سوريا؛ دليل على أنها غيرت أخيرا موقفها بشكل كبير، فقد سبق أن أعربت فرنسا عن استعدادها لقصف النظام السوري في عام 2013، بعد أن تجاوز الخط الأحمر باستعماله الأسلحة الكيميائية. وفي عام 2014؛ رفضت باريس المشاركة في العمليات الجوية بسوريا، خوفا من خدمة مصالح الأسد بطريقة غير مباشرة، والذي تعدّه المسؤول الأول عن الحرب.
وقالت "لوفيغارو" إن فرنسا اليوم تعلن عزمها قصف مواقع تنظيم الدولة، والتخلي عن موقفها السابق القاضي بعدم قصف "لا بشار، ولا تنظيم الدولة"، مشيرة إلى أن الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند "لا يزال يؤكد على ضرورة رحيل الرئيس السوري، ولكن لم يعد هذا الرحيل شرطا مسبقا لبدأ المفاوضات".
ونقلت عن وزير الدفاع الفرنسي، جان إيف لو دريان، قوله: "لقد تغير الوضع، ولا يمكننا ترك سوريا لوحدها بعد أن أصبحت منطقة نفوذ لتنظيم الدولة، الذي لا يزال يشكل نقطة ضعف سياستنا في بلاد الشام"، وهكذا أصبحت الأولوية في العواصم الأوروبية ليست الإطاحة بالرئيس السوري بل "تحييده"، بحسب الصحيفة.
وأضافت أنه "يمكن إرجاع هذه الانتكاسات في المواقف الأوروبية إلى أزمة المهاجرين التي تجتاح
أوروبا، مع فشل التصدي لتنظيم الدولة، فبعد مرور عام على انطلاق القصف الجوي لقوات التحالف؛ لم يتوقف توسع هذا التنظيم، كما أنها لم تحقق استراتيجية الولايات المتحدة المتمثلة في الاعتماد على المعارضة المعتدلة النتائج المرجوة".
وأوضحت أن الأوروبيين أصبحوا يعتقدون أن حل أزمة اللاجئين يبدأ من سوريا، وأن تهديد التنظيمات "المتطرفة" والمخاطر "الإرهابية" أصبحت أكثر خطورة من تهديد النظام في دمشق.
وبينت الصحيفة أن الدور الذي أصبحت تلعبه
إيران وروسيا في منطقة الشرق الأوسط؛ ساهم في تغيير موقف العواصم الأوروبية، "فبموجب
الاتفاق النووي باتت إيران، المساندة للنظام السوري، تلعب دورا هاما على الساحة الدبلوماسية وفي المنطقة، وخاصة مع انسحاب الولايات المتحدة جزئيا من الشرق الأوسط، ومع الحشد العسكري الروسي مؤخرا في سوريا، فبالنسبة لموسكو لا وجود لبديل عن النظام السوري لمقاومة تنظيم الدولة".
وفي الختام؛ ذكرت "لوفيغارو" أن بعض الدبلوماسيين الأوروبيين يأملون في أن يكون وراء هذا التغيير في المواقف "ولادة" لمبادرة دبلوماسية جديدة على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في أواخر أيلول/ سبتمبر، "لكن الرهان على نجاح هذه المبادرة سيكون محفوفا بالمخاطر، فالسوريون يفرون اليوم، ويتركون بلادهم خوفا من تفجيرات النظام، ومن فظائع تنظيم الدولة".