تستعد محافظة
مأرب، للعب دور محوري، في معركة الحسم العسكري باليمن، حيث تعد المحافظة الوحيدة التي خاض
المقاومة الشعبية فيها قتالا شرسا منذ أكثر من ستة أشهر، مع جماعة "أنصارالله" (الحوثيين) عليها المدعومة من إيران وقوات المخلوع علي عبد الله صالح، وحالت دون سيطرة الحوثيين عليها.
ويرى محللون أن مأرب النفطية (173 كم شمال شرقي صنعاء) تشكل ثقلا إستراتيجيا، فالبعد التاريخي والجغرافي والاقتصادي منحها أفضيلة لتكون مركزا لانطلاق معركة الحسم التي تقودها قوات التحالف العربي بقيادة
السعودية، نحو العاصمة صنعاء ومدن شمال البلاد الخاضعة لسيطرة الحوثيين وحلفاءهم.
تاريخ وموقع إستراتيجي
يقول رئيس مركز الجزرة العربية للدراسات نجيب غلاب، إن محافظة مأرب، لها قيمة كبرى في الوعي
اليمني، وهي الأرض التي تجمع بين قبائل الصحراء والهضبة الشمالية من اليمن.
وأضاف في حديث خاص لـ"
عربي21" أن "الموقع الإستراتيجي لمأرب، يجعلها المركز الأساس باتجاه معركة تحرير صنعاء وبالذات أن خطوط الإمداد المرتبطة بالسعودية آمنة ومفتوحة"، لذا فهي "مركز التجمع الوطني للمقاومة الشعبية ومكان بناء القوة الصلبة للجيش الوطني وتشكل بنيتها القبلية طاقة محفزة لتحرير صنعاء".
وأكد غلاب أن محافظة مأرب، عانت من التهميش، ولم تتمكن من الخروج من معضلة الحصار حتى في العهد الجمهوري بل تم "عزلها وتفكيك عصبيتها وملاحقة أبنائها من تحصيل القوة السياسية ليكون لهم التأثير".
وبحسب السياسي غلاب فإنه "رغم اكتشاف النفط والغاز في مأرب "ظلت نخبة صنعاء تشتري الولاءات دون أن تقدم مشاريع تنموية تناسب ما تقدمه المحافظة للدولة".
وبيّن رئيس مركز الجزيرة "تاريخيا، لم تتمكن دول الأئمة المتعاقبة على حكم اليمن في القرون السابقة، من توظيفها كقوة مقاتلة لترسيخ حكم قريش في اليمن، بل كان يتم إخضاعها بالقوة والقهر وظلت تميز نفسها؛ عبر مقاومة مستمرة لسيطرة الأئمة".
وأضاف "ربما يفسر قدرتها على مناهضة الحوثية وظلت المحافظة الوحيدة في الشمال التي لم تسقط بأيديهم رغم قربها من صنعاء وصعدة (معقل الحوثي)".
جسر عبور معركة التحرير
من جهته، تشابه طرح غلاب مع حديث رئيس مركز أبعاد للدراسات والبحوث عبد السلام محمد، أن مأرب تعتبر بوابة الصحراء الشرقية الغنية بالنفط، ولها أهمية سياسية واقتصادية في موقعها الإستراتيجي الذي يربط أهم المحافظات اليمنية مثل العاصمة صنعاء امتدادا إلى الجنوب مع البيضاء إضافة للشرق النفطي مع حضرموت وشبوة.
وقال محمد في حديث خاص لـ"
عربي21" أن مدينة مأرب من الناحية الاقتصادية، بحكم قربها من الحدود السعودية عبر الجوف في الشمال، تمثل مركزا رئيسيا لكل عوامل بناء الدولة وقوتها". مؤكدا أنها "لعبت دورا بارزا حينما كانت عاصمة لحضارة سبأ، وهذا يجعلها من المناطق الاقتصادية النادرة التي تجمع بين ثروات النفط والآثار".
وذكر رئيس مركز أبعاد أن التحالف يدرك أن بوابة تحرير صنعاء من الانقلاب هي مأرب المحافظة الوحيدة التي لم تسقط في أحضان الملشيات، ولم يتمكن مشروع الحوثي صالح الانقلابي من السيطرة عليها".
وأشار إلى أن "الحوثي وصالح يحرض الخارج عليها باعتبارها مناطق ينمو فيها تنظيم القاعدة، لفرض واقع عسكري على مناطق النفط بعيدا عن المسائلة والمسؤولية".
وبعدما أصبحت مأرب مركز تجمع قوات التحالف والجيش الوطني، أشار إلى أنها "ستكون منطلق التحرير للذهاب إلى صنعاء عبر "نهم وأرحب" (شمالي صنعاء) وتحرير البيضاء عبر الطياب وذي ناعم، وتحرير الجوف (شمالا)، وأيضا الاتجاه نحو تحرير مناطق بيحان في شبوة (شرقا)عبر صرواح التابعة للمحافظة.
أهمية جيوعسكرية واقتصادية
وفي شأن متصل، رأى مدير تحرير صحيفة الناس (أسبوعية) عامر الدميني، أن "انطلاق العمليات العسكرية من محافظة مأرب له عدة مدلولات سياسية وجغرافية عسكرية واقتصادية".
وقال في حديث لـ"
عربي21"، "سياسيا، ظلت المحافظة الوحيدة التي لم تستطع مليشيا الحوثي وقوات المخلوع صالح دخولها والسيطرة عليها كبقية المحافظات، وبالتالي ظلت مركزا لاستقطاب الشخصيات السياسية والعسكرية التي وجدت فيها المكان الآمن والمناسب للعمل العسكري والتحرك الميداني".
أما من الناحية الجيوعسكرية لمأرب، فتبدو الأقرب إلى المملكة العربية السعودية التي تقود التحالف العربي من أراضيها، الأمر الذي يمنح تلك القوات "سهولة الحركة والإمداد بين مركز الإدارة العسكرية في الرياض وبين القوات الفاعلة في أرض المعركة".
اقتصاديا، وبحسب الدميني، فإن انطلاق العمليات البرية للتحالف من محافظة مأرب، معنى ذلك "بقاء مخزون النفط تحت سيطرة قوات التحالف والجيش الوطني وحرمان المليشيات من استخدامه لتموين آلتها العسكرية".
وتابع حديثه أن "كل تلك المعطيات، جعلت مأرب مركز استقطاب لجميع التيارات والفئات الرافضة للانقلاب، وبالتالي تحولها إلى نقطة انطلاق عملية "استعادة الشرعية في اليمن"، نظرا لأن القبيلة فيها ظلت متماسكة أمام موجة الاجتياح الطائفي لها ـ أي هجمات الحوثيين وحلفاءهم- بشكل منحها الأفضلية عن قوى الحداثة والوطنية، التي ترى القبيلة أنها "كيان رجعي".
وتواصل قوات التحالف والجيش الوطني المؤيد للشرعية منذ أيام، استعداداتها المكثفة وحشد مزيدا من قواتها نحو مأرب، لتدشين عمليات برية واسعة لتحرير واستعادة عدد من المدن الخاضعة لسيطرة حركة الحوثي وحليفهم المخلوع صالح.