كتب راجح الخوري: مرة جديدة يسخر سيرغي لافروف من نده جون كيري في المسألة السورية، عندما يكرر القول إن التعزيزات العسكرية الروسية التي ترسل على شكل جسر جوي وبحري إلى
سوريا هي لمحاربة الإرهابيين من خلال دعم النظام السوري، وإن موسكو في صدد إرسال المزيد من خبرائها وعسكرييها لدعم بشار
الأسد!
مكمن السخرية أن الحديث الروسي عن محاربة الإرهاب بدأ مع بداية الأزمة وها هو النظام يتراجع ولم يعد يسيطر على ربع مساحة سوريا، على الرغم من أن الدعم الروسي السياسي والعسكري تضافر مع انخراط إيراني واسع في القتال الميداني إلى جانب النظام، لكن كل هذا لم يمنع (ربما لسوء المصادفة) أن يأتي كلام لافروف عن محاربة الإرهاب وقت تمكنت "جبهة النصرة" من السيطرة على مطار أبو الضهور العسكري ليخسر النظام كل محافظة إدلب!
ليس غريبا أن يسخر لافروف من كيري، على الأقل لأن سياسة الإدارة الأمريكية حيال الأزمة السورية كانت منذ البداية مسخرة المساخر باعتراف عدد كبير من السياسيين في أمريكا والعالم، قبل استعمال النظام السلاح الكيميائي وبعد ذلك طبعا، ثم جاءت قمة المساخر قبل أشهر قليلة عندما قرر باراك أوباما تلزيم الملف السوري لروسيا على رغم فشلها في "مؤتمر موسكو"، الذي أرادت له أن يرث "مؤتمر جنيف" الذي أحبطته بتمسكها ببقاء الأسد وإجهاضها الحل السلمي بنسف محتوى عملية الانتقال السياسي!
هل كثير القول إنه ليس أسوأ من السياسة الأمريكية حيال المذبحة السورية إلا السياسة الروسية، بمعنى أن موسكو التي نسفت الحل السياسي فشلت هي والنظام وإيران في الحل العسكري، إلى درجة أن خطاب الأسد قبل أسابيع الذي تحدّث عن الانسحاب من مناطق إلى مناطق أكثر أهمية وعن تراجع عديد قواته، كان بمثابة إعلان تمهيدي لقيام دولة الساحل التي طالما شكّلت "الخطة ب" في حسابات النظام السوري منذ العام 1970.
لا معنى للقلق الأمريكي من الانخراط العسكري الروسي المتزايد في سوريا، ومن وصول الأسلحة الجديدة ومئات الجنود الروس وبناء أبراج المراقبة وإقامة المنازل الجاهزة في اللاذقية وطرطوس، وفي المقابل لا معنى على الإطلاق لكل التحليلات التي تحاول أن تصوّر سوريا على أنها ستكون نسخة جديدة من أفغانستان التي سبق أن غرقوا في حروبها المرة التي انتهت بهزيمتهم ونشوء "طالبان" و"القاعدة"!
فعلا لا معنى لكل هذا، أولا لأن من المستحيل أن يتمكن الأسد من استعادة السيطرة على سوريا التي دمّرها وشرّد أهلها في أصقاع الأرض، وثانيا لأن الروس يهمهم التمركز في قاعدة طرطوس البحرية وقاعدة اللاذقية التي يعكفون الآن على إنشائها في "الدولة
العلوية"، التي تهمّ كثيرا الإيرانيين معبرا إلى الجنوب اللبناني!
(عن صحيفة النهار اللبنانية، 13 أيلول/ سبتمبر 2015)