نشرت صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية، تقريرا حول ارتفاع نسبة عدم الرضا الفلسطيني عن الرئيس
محمود عباس وفريقه الحكومي، وذلك بعد انتشار أخبار وفضائح
الفساد المالي، وتفاقم المشاكل الاقتصادية والسياسية في الضفة الغربية، وهو ما عزز التوقعات بقرب رحيل عباس عن السلطة، "رغم سعيه للتشبث بها".
وقالت الصحيفة في تقريرها الذي ترجمته "
عربي21"، إن سكان الضفة الغربية أصبحوا يتحاشون الحديث في السياسة بالأماكن العامة، ويعبرون بخوف عن عدم رضاهم عن أداء محمود عباس وحكومته، ويشبّه بعضهم السلطة الفلسطينية بكوريا الشمالية، ويؤكدون أن الناس في رام الله وباقي مدن الضفة، أصبحوا يعون أنه من الأفضل عدم نقد السلطة، وتجنّب الحديث عن فساد النظام الذي شرع في بناء قصر في سردا، المدينة الرئاسية الواقعة على بعد ستة كيلومترات من مدينة رام الله.
وأضافت أن هذا القصر مخصص للقيادات العليا للسلطة الفلسطينية، وسيغطي مساحة تتجاوز الـ2.7 هكتار عند اكتمال بنائه بعد عامين. وتبلغ التكلفة المعلنة 13 مليون دولار، وهو مبلغ ضخم، خصوصا أن السلطة تعيش حالة إفلاس إثر تراجع المساعدات المالية الدائمة الممنوحة إليها من قبل الدول العربية والاتحاد الأوروبي ودول أخرى.
وأشارت إلى أن الحديث عن فساد السلطة زادت وتيرته، بعد انكشاف أمر مجدي الخالدي، وهو مستشار عباس للشؤون الدبلوماسية، الذي اغتنم فرصة قضائه عطلة في البحرين ليطلب من أمير البحرين هبة قدرها أربعة ملايين دولار لبناء حي سكني في رام الله. وقد قدمت السلطة المشروع على أنه مبادرة استراتيجية تهدف "لوقف توسيع المستوطنات الإسرائيلية"، ولكن الأمر على أرض الواقع مغاير تماما، فقد تم تخصيص الهبة لبناء حي سكني ضخم خاص بالمقربين من السلطة، وهم قيادات حركة
فتح وأبنائهم.. الذين يطلق عليهم الشارع الفلسطيني تسمية "الشلة".
وقالت الصحيفة إن ملف القصر ليس الملف الوحيد الذي وقع تسريبه على الإنترنت، فقد وقع تسريب ملف لنظمي مهنا، أحد القيادات الكبرى لـ"فتح" يطلب فيه من السلطة تعويضا قدره 12 ألف يورو، لسداد النفقات المدرسية لابنته، ونفقات علاجية لبعض مقربيه، "ومع أن السلطة نفت أن تكون قد دفعت التعويض؛ إلا أن فلسطينيين يرون أن مهنا لم يتجرأ على تقديم الطلب من فراغ، وإنما من معرفته بأن كثيرين قبله انتفعوا بأموال من السلطة الفلسطينية".
وأضافت أن وسائل الإعلام المحلية تتطرق إلى هذه الملفات بطريقة غير مباشرة؛ "فمنذ سنة 2012، تعرض مدونون وصحفيون كثيرون إلى مضايقات بسبب انتقاداتهم للسلطة، وتعرض عدد منهم للاعتقال والاستجواب من قبل أجهزة الأمن، وهو ما حصل مع أحمد زكي، مسؤول الأخبار في التلفزيون الرسمي الفلسطيني.
وأوضحت أن انتقادات منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان الفلسطينية، ومنظمة "هيومن رايتس ووتش" الدولية، لممارسات السلطة الاستبدادية، لم تمنع تفاقم هذه
الانتهاكات.. ففي كانون الأول/ ديسمبر الماضي؛ قام مركز دراسات سياسية مستقل بإجراء إحصائيات، أظهرت أن 66 بالمئة من سكان الضفة يخافون من التصريح بانتقاداتهم لعباس. بينما أظهرت إحصائية أخرى نشرت بعد 10 أيام أن 80 بالمئة من الفلسطينيين عبروا عن صدمتهم من الفساد الذي تشهده السلطة الفلسطينية، ومن المحسوبية التي أصبحت قاعدة عمل السلطة.
وذكرت الصحيفة أن
رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، أحس بجدية الخطر المحدق بمستقبل منصبه منذ انطلاقة شرارة الربيع العربي في سنة 2011، وخروج المظاهرات في شوارع رام الله مطالبة برحيله، ما دفعه إلى السعي لتقوية سلطته، وأصبح منذ ذلك الحين يبدي تخوفا من ما أسماه "المؤامرات".
وقالت إن العديد من الفلسطينيين يعتقدون أن الممارسات التي يقوم بها عباس؛ تطرح عدة تساؤلات حول نيته مغادرة منصبه، فهو يبدو متشبثا به، رغم ما يظهره من تعفف زائف، ورغبة مصطنعة في المغادرة.
ولاحظت "ليبراسيون" أن مسألة خلافة عباس في حد ذاتها تطرح إشكالات كبرى؛ فمحمد دحلان، المسؤول السابق للأمن الوقائي في غزة، يعيش في الخارج بعد أن وجهت إليه محكمة رام الله تهم فساد وتبييض أموال.. وتمت إقالة سلام فياض رئيس حكومة التوافق الوطني من منصبه، إثر صدور مذكرة تفتيش بحقه يوم 22 حزيران/ يونيو الماضي، بسبب شبهة فساد وتبييض أموال.. وقام عباس أيضا في منتصف الصيف، بإقالة ياسر عبد ربه، الرجل الثاني في منظمة التحرير، بسبب الانتقادات التي وجهها له، ولطرحه فكرة إقامة انتخابات مبكرة في أيلول/ سبتمبر.
وختمت الصحيفة بالقول: "يبدو أن الهدف من كل هذه القرارات؛ إحكام السيطرة على منظمة التحرير، التي تحوي كل الفصائل ما عدا حركة
حماس، وتعيين قيادة تحوي مجموعة من الخدم الذين لا يخرجون عن طوع محمود عباس".