كتب علي نور كوتلو: صرّحت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل قبل يومين، بأنه أصبح من الضروري إيجاد حل سريع لمشكلة اللاجئين الذين يموتون أمام أبواب أوروبا. وقد قالت هذا بعد أن عُثِر على جثث أكثر من مئة لاجئ ماتوا غرقا في مخزن إحدى السفن، وعُثِر على جثث لأكثر من 70 شخصا مجهولي الهوية ماتوا اختناقا في إحدى الشاحنات.
لقد انزعج الاتحاد الأوروبي من روائح الجثث، مثلما انزعج الشعب الليبي من قبل بسبب تكاثر الجثث على شواطئ ليبيا. ولكن سبب انزعاج الشعب الليبي لا يشبه سبب انزعاج الاتحاد الأوروبي. لقد ضاق الشعب الليبي بالدراما الإنسانية التي وصلت إلى مرحلة من الفظاعة تجعلها ترسل جثثا إلى شواطئهم، وضاقوا بمسبّب هذه الكوارث وبتجّار البشر، فأعلنوا عصيانهم. فكان عصيانهم موجّها ضد الحكومات التي لا تمنع هذا وضد قوات الأمن.
لكن ما أزعج أوروبا هو رائحة جثث سبعين لاجئا على حدود المجر التي هي من أعضاء الاتحاد الأوروبي، ماتوا داخل شاحنة مختنقين، وبقيت جثثهم فيها ثلاثة أيام. من المحتمل أن ميركل لا تريد لأوروبا أن تشم هذه الرائحة بعد. فقديما حين كانت الجثث ترسو على شواطئ ليبيا لم تكن هناك مشكلة بالنسبة لميركل. ولكن رؤية الجثث في دولة أوروبية واستنشاق رائحتها هو الأمر المزعج بالنسبة لهم. أي أن سبب انزعاجهم ليس قتل الأبرياء وإنما الرائحة.
لاجئو أوروبا.. عبيد روما
عليكم ألا تنسوا أن أوروبا تنظر لمشكلة اللاجئين من منطلق احتياجها لزيادة نسبة السكان.. فالمواطنون الأوروبيون كبار في السن وأصبحوا بحاجة للطاقات البشرية التي تعمل بأقل أجور وغالبا ما تكون من فئة اللاجئين والهاربين. ولذلك، فإن فرنسا تتغاضى عن توافد اللاجئين من المغرب والجزائر ودول أفريقيا، وتتغاضى إنجلترا عن لاجئي الهند وباكستان وبنغلادش، وتتغاضى كذلك ألمانيا عن لاجئي تركيا والبوسنة، كما تتغاضى إسبانيا عن لاجئي المغرب ودول أمريكا اللاتينية. وأضيفوا لذلك إيطاليا واليونان وسويسرا.
المتاجرة بالبشر
في الحقيقة، إنهم يتاجرون بالبشر. إن هروب العامل من بلده يعتبر غنيمة لاقتصاد البلد الذي هرب إليه. وهذا يعني آلاف البشر الذين يعملون كالعبيد دون الحصول على أدنى حقوقهم. لقد كانت أول جملة يقولها قادة الإمبراطورية الرومانية حين حدثت ثورة ضد العبودية هي: "إن انتهت العبودية فسينهار الاقتصاد". ويعلم الاتحاد الأوروبي الذي يعتبر ممثل الإمبراطورية الرومانية حاليا أن رحيل اللاجئين الذين يعملون كالعبيد سيعني كارثة اقتصادية له.
إن تجنيس هؤلاء العبيد المحرومين من كل حقوقهم بالجنسية الأوروبية أو إعطاءهم حقوقهم أيضا يعتبر مُكلِفا جدا بالنسبة للاتحاد الأوروبي الذي يتاجر بالبشر. لهذا، فهم يتغاضون عن هروب هذه القوى العاملة التي تعمل بأقل أجور بطرق غير مشروعة، ويتركونهم يمارسون حياتهم وعملهم فيها كهاربين.
فلو لم يمت هذا اللاجئ مختنقا في شاحنة على الحدود الأوروبية، لكان الأمر جيدا بالنسبة للاتحاد الأوروبي. ولو كان هؤلاء اللاجئون متعلمين قليلا ومثقفين لكان الأمر أفضل.
إذن؛ فما الفرق بين هذا التفكير وتفكير تجار البشر الذين ينقلون البشر كالغنم إلى ليبيا وتركيا وإيطاليا واليونان؟
(عن صحيفة "يني شفق" التركية- ترجمة خاصة لـ"عربي21")