يقول خبراء أمنيون تربطهم صلات وثيقة بالحكومات ووكالات الاستخبارات إن خطر دفع تنظيمات مثل "الدولة" ببعض المتشددين للتسلل إلى
أوروبا بين صفوف موجة المهاجرين الهائلة يعد خطرا أقل بكثير مما لمّح إليه بعض الساسة.
وتوضح الوكالة المسؤولة عن إدارة الحدود في الاتحاد الأوروبي (فرونتكس) أن أكثر من ثلث مليون مهاجر ولاجئ دخلوا الاتحاد الأوروبي هذا العام أغلبهم عن طريق إيطاليا واليونان والمجر بنهاية شهر تموز/ يوليو.
وما إن يدخل الوافدون الجدد إلى منطقة شنجن حتي يصبح من حقهم السفر عبر 26 دولة دون قيد أو شرط. وكثير من هؤلاء الوافدين من دول مثل سوريا والعراق حيث يتمتع تنظيم الدولة بالنفوذ في مناطق شاسعة.
ودفع ذلك أحزابا مناهضة للهجرة مثل رابطة الشمال في إيطاليا وحزب الاستقلال في بريطانيا لإصدار تحذيرات شديدة من خطر تسلل "متشددين" بين المهاجرين.
حتى ينس شتولتنبرج الأمين العام لحلف شمال الأطلسي قال للصحفيين في مايو أيار "بالطبع إحدى المشاكل أنه ربما يكون هناك مقاتلون أجانب. ربما يحاول إرهابيون الاختباء... للاندماج بين المهاجرين".
لكن مثل هذه التحذيرات تقابل بالريبة من جانب الخبراء الأمنيين الذين يشيرون إلى أن تدفق المقاتلين ظل في الأساس في الاتجاه المعاكس أي من أوروبا صوب الشرق الأوسط.
وقال كلود مونيكيه ضابط المخابرات الفرنسي السابق الذي يرأس المركز الأوروبي للاستخبارات الاستراتيجية والأمن في بروكسل "لا حاجة بالدولة لتصدير مقاتلين إلى أوروبا لأنها تستورد المقاتلين من أوروبا."
وأضاف "يوجد من خمسة إلى ستة آلاف أوروبي إما موجودون في سوريا أو زاروها وغيرهم يرحلون (إليها) طوال الوقت. لذلك فمن الصعب تبين الميزة التي تجعل الدولة تصدر السوريين أو العراقيين الذين يتكلمون العربية ويعرفون العراق وسوريا والذين تحتاج إليهم هناك."
أوروبيون عائدون
أما بالنسبة للمتطوعين الأوروبيين الذي تدربوا وقاتلوا في العراق أو في سوريا ويريدون العودة إلى بلادهم خلسة دون أن يكتشف أحد أمرهم ففكرة الاختباء بين مجموعات كبيرة من المهاجرين قد تبدو مغرية بعض الشيء.
لكن المخاطر كبيرة.
فقد هلك ما يقرب من 3600 شخص وهم يحاولون الوصول إلى إيطاليا واليونان وإسبانيا عن طريق البحر خلال الاثني عشر شهرا الأخيرة حسب بيانات المنظمة الدولية للهجرة حتى قبل أنباء غرق سفينة أخرى قبالة الساحل الليبي يوم الخميس الماضي واكتشاف جثث 71 لاجئا في شاحنة بالنمسا.
حتى من يكملون الرحلة إلى أوروبا فهم يواجهون ظروفا مروعة في الطريق وكذلك احتمال اعتقالهم والتثبت من بياناتهم عند الوصول.
وقال ماجنوس رانستورب مدير الأبحاث بمركز دراسات الأخطار المختلفة بكلية الدفاع الوطني السويدية "هذه طريقة معقدة للغاية لكي يصل بها
الإرهابيون إلى الاتحاد الأوروبي. وهناك طرق أسهل كثيرا للتسلل إليه."
ورغم كل ذلك فقد ألقت الشرطة القبض على مهاجر في حالة واحدة على الأقل للاشتباه أنه من الإرهابيين.
ففي أيار/ مايو احتجزت الشرطة الإيطالية مغربيا عمره 22 عاما اسمه عبد المجيد طويل تشتبه تونس أنه عضو في خلية من المتشددين الإسلاميين وراء هجوم أسفر عن مقتل 22 شخصا في متحف باردو في تونس في 18 آذار/ مارس.
وتقول السلطات الإيطالية إنه وصل إلى صقلية قبل ذلك بشهر بين مجموعة من المهاجرين على متن قارب انطلق من ليبيا وأنقذت البحرية الإيطالية ركابه. ويقول طويل إنه بريء يخوض معركة قانونية حتى لا يتم تسليمه إلى تونس.
الذئاب للمنفردة
ثمة سبب آخر حسبما يقول الخبراء الأمنيون يجعل الدولة في غنى عن التفكير كثيرا في تهريب بعض الناس إلى أوروبا وهو أنه لا يوجد نقص في "الذئاب المنفردة" من المتشددين في أوروبا.
فمن بروكسل وباريس إلى كوبنهاجن وقعت اعتداءات قاتلة منذ مايو/ أيار من العام الماضي ارتكبها أشخاص يعيشون في أوروبا ويمكنهم السفر بحرية عبر القارة الأوروبية.
ويقول محققون إن الرجل الذي يتهمه مدعون فرنسيون "بالشروع في القتل بقصد الإرهاب" على ظهر قطار سريع يوم 21 أغسطس آب الجاري هو مغربي عاش على الأقل في خمس دول أوروبية رغم أنهم يظنون أيضا أنه سافر إلى سوريا عن طريق تركيا هذا العام.
وقال رانستورب "كم الناس الذين على اتصال بالدولة - لا الذين ذهبوا (إلى سوريا والعراق) بل المتعاطفون الذين قرروا التحرك (في أوروبا) - هو ما يبقي الأجهزة الأمنية على يقظتها في أوروبا."
ويقول خبير التطرف في كينجز كوليدج في لندن، شيراز ماهر، إن فكرة استغلال تنظيم الدولة لأزمة الهجرة لتهريب عملاء إلى أوروبا ليست "مستحيلة" لكنه أضاف أن "ثمة عنصر باستغلال ذلك بطريقة شعبوية من جانب الساسة في تيار اليمين."
وأضاف "لا توجد حاجة ملحة لإرسال أشخاص الآن. وربما يتغير ذلك بمرور الوقت."