تفاؤل في الأوساط السياسية تجاه حل الأزمة اليمنية بين الحكومة الشرعية والمتمردين من ميليشيات الحوثيين والميلشيات الموالية للرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، عبر المباحثات التي يجريها إسماعيل ولد الشيخ أحمد المبعوث الأممي لليمن في مسقط وتشديد الرياض عن أن الحل في اليمن سياسي، و يأتي ضمن القرار رقم 2216 الذي تبناه مجلس الأمن الدولي استنادا إلى مشروع عربي، ويتضمن القرار حظرا لتوريد الأسلحة للحوثين و تأكيد دعم الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي وجهود مجلس التعاون الخليجي لحل الأزمة، و على رأسها المملكة السعودية التي حزمت الأوضاع في اليمن عسكريا، وما زالت تعمل لتغيير الواقع اليمني و تطويعه لما يمكن أن يحقق السلام و الأمن في المنطقة.
الرياض مازالت متشددة في مواقفها تجاه الصراع في المنطقة وخصوصا في اليمن وسوريا، وعلى الرغم من حزمها عسكريا وسياسيا للصراع في اليمن، ورخاوة مواقفها حيال الصراع في
سوريا، إلا أن الواقع السوري يختلف من حيث بنية الصراع وآليته و أدواته والتداخلات الدولية و الإقليمية التي زادت من حدته، وكانت سببا رئيسيا في إطالة أمده، على عكس الواقع اليمني، الذي تم الحزم فيه عسكريا و الحسم سياسيا من المجتمع العربي و الدولي دون أي تعقيدات تذكر.
فعليا: حقق تحجيم الدور الإيراني في اليمن إحباطا كبيرا لنظام الملالي وجعل من الحوثيين ذراعا مبتورة لا نفع منها و لا أمل.
ما فتئ الملك سلمان يجدد تأكيداته والتزامه الكامل بدعم الجمهورية اليمنية وحكومتها الشرعية، وحرص المملكة الدائم على أمن اليمن و استقرارها، ومساعدة شعبها، التي كان آخرها عقب جلسة مباحثات مغلقة مع الرئيس اليمني هادي بمدينة طنجة المغربية الأسبوع المنصرم، والتي بشرت بانفراج في الأوضاع اليمنية بوعود إعادة إعمار اليمن و مساعدته على تجاوز ما خلفه الحزم بعد صراع يدفع الشعب اليمني فاتورته غاليا جدا.
أما بالنسبة لسوريا فالرياض مازالت تحرص على التذكير الدائم والمستمر للمجتمع الدولي و الدول العربية و الإقليمية التي تعمل على الملف السوري، بإصرارها على رحيل الأسد و كل من تلطخت أيديهم بدماء الشعب السوري، فإن لم تفض الجهود السياسية إلى إنهاء الصراع بين المقاومة الشعبية و النظام السوري، فقد تلجأ إلى الحل اليمني و هذا ما سربته أكثر من جهة مقربة من غرف صناعة القرار السعودي في مناسبات عدة.
وقد أكد وزير الخارجية السعودي عادل الجبير في مؤتمر صحفي جمعه مع نظيره البريطاني فليب هاموند الأسبوع الفائت أهمية الانتقال في سوريا عبر عملية سياسية على أساس اتفاق جنيف 1 و شدد مجددا على أن الأسد الذي فقد الشرعية لا مستقبل له على الإطلاق في سوريا و أن هذا واقع لا مساومة فيه. مراقبون و محللون سياسيون يرون في تصريح الجبير ردا على التحالف الروسي –المصري- الإماراتي الذي يحاول إنهاء الصراع السياسي في سوريا ببقاء الأسد و تأمين حليفهم في المنطقة، ونحن إذ لا نذكر الأردن التي رافق عاهلها اجتماع القمة في روسيا لما نراه اليوم من تقارب بريطاني- سعودي، سيكون له دور كبير في التأثير العملي و توجيه ميول الحكومة الأردنية.
في المقابل عيننا على التحالف الأمريكي- السعودي- التركي- القطري الذي بدأ يتحرك ميدانيا في الشمال من الحدود السورية، بينما موسكو منشغلة بشراء ما يمكن شراؤه من ذمم ومواقف لدول وأفراد آملة أن تتمكن من الحفاظ على بعض مصالحها على الأراضي السورية، التي باتت مهددة بشكل كبير بعد التحركات التركية في الآونة الأخيرة.
حكومة أنقرة لم تنطلق في حملتها لإقامة منطقة أمنية آمنة على الحدود مع سوريا إلا بعد أن تم التفاهم العام مع كل من المملكة السعودية و حكومة واشنطن و ما الخلافات التي تناولتها الأوساط السياسية و الإعلامية بين واشنطن وأنقرة على تفاصيل تكتيكية واستراتيجية بين البلدين إلا تفاصيل هامشية، لم تؤثر في مركز الهدف المتمثل في إحلال الاستقرار الإقليمي في المنطقة الذي اتفق على كونه يبدأ بنزع رأس النظام. ويؤكد الجبير في تصريحه الأخير من لندن أن "رحيل الأسد عبر عملية سياسية أو عبر هزيمة عسكرية هو تحصيل حاصل فلا مستقبل له في سوريا". هذه الجملة التي يمكننا قراءتها أيضا على أنها رد على السياسة البريطانية الباردة تجاه الصراع في سوريا و وجود الأسد.
الخلافات اليوم بين كل من السعودية و بريطانيا و أميركا و تركيا كلاعبين أساسيين في الملف السوري تتلخص في رغبة كل من بريطانيا و أمريكا عدم تكرار التجربة العراقية و الليبية في سوريا، بما معناه ألا يتسبب قطع رأس النظام بانهيار سوريا كدولة، خصوصا أن وجود تنظيم الدولة و سيطرته على مناطق واسعة من الأراضي السورية و إمكانياته القتالية و العسكرية الكبيرة، يمكن أن يشكل تهديدا حقيقا لسيطرته على مدن و مراكز اقتصادية و استراتيجية مهمة في سوريا، و بالتالي يمكن أن تصبح مكونات التنظيم الجغرافية و الاقتصادية مكونات شبه دولة حقيقية، و ليس مجرد قطع من سوريا و العراق.
ما نراه من مساع سياسية سعودية – تركية اليوم لطمأنة كل من بريطانيا وأمريكا بأنهم على استعداد كامل لحزم سعودي- تركي –قطري في حال اقتضت ضرورات الأمن الإقليمي و الدولي ذلك، ما يدعمنا في قراءتنا هذه مجموعة التطورات المهمة في الفترة الأخيرة نذكر منها:
أولا: الحوار الأمريكي- التركي للتباحث و الاتفاق حول أكثر الخيارات جدوى لمواجهة تنظيم الدولة، بما في ذلك إنشاء منطقة أمنية حدودية، لطمأنة وحماية تركيا وتأمين نوع من الاستقرار الإقليمي.
ثانيا: التحالفات الجديدة في المنطقة وأبرزها التحالف الروسي – الإماراتي- المصري – الأردني بعد قمة موسكو الأخيرة.
ثالثا: زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى باكستان و الاتفاق حول ملفات إقليمية ودولية، كان من أهمها الوجود الإيراني في المنطقة و قطع طرق إمداد تنظيم الدولة وتأكيد دعم جهود أنقرة لحل الصراع في سوريا.
رابعا: توافق كل من أميركا وموسكو وبريطانيا على رحيل آمن للأسد من أجل إيقاف الحرب الأهلية في سوريا، وتأمين انتقال سلمي للسلطة والتمهيد لهذا الخيار ظهر عبر:
أ. بيان الخارجية الأمريكية أمس الجمعة التزامها بتحقيق انتقال سياسي في سوريا بعيدا عن الأسد بعدما أجرى مبعوث أمريكي خاص مباحثات في موسكو، تناولت كيفية إنهاء الحرب الأهلية في سوريا حيث قالت الخارجية إن الولايات المتحدة تواصل التزامها القوي بتحقيق انتقال سياسي حقيقي، قائم على التفاوض بعيدا عن بشار الأسد بهدف وضع حد للعنف . وربما يمكننا وصف هذا البيان بأنه الأقوى من قبل واشنطن.
ب. الحديث عن استخدام تنظيم الدولة لغاز الخردل السام، في عمليات القصف، في الوقت الذي يستعد فيه المجتمع الدولي لإرسال لجنة تتضمن عددا من الخبراء للتحقيق حول استعمال المواد الكيماوية و المحرمة دوليا والجهة التي قامت باستخدامها، وهذا سوف يصرف النظر عن الفاعل الأول: الأسد ووسائل إجرامه ويهيىء له الطريق لخروج آمن كما تتضمن التوصيات الدولية للتمهيد لعملية انتقال سلمي للسلطة، فاستخدام غاز الخردل من داعش لعبة جديدة يلعبها داعمو الأسد.
ج. الحديث عن خرق في إحدى منشآت إيران النووية يمكننا فهمه على أنه دعوة مبطنة لإيران للتنازل عن دور البطولة في المشهد السوري.
ح. مساعي روسيا الحثيثة لتنشيط وجودها على الأراضي المصرية كموطئ قدم لها، تحسبا لأي خسارة قادمة لها على الساحل السوري، ما يشير إلى أنها مرغمة على التخلي عن الأسد.
ما نشهده من تطورات اليوم في الساحة العربية و الدولية، و خاصة في الملف السوري يشير إلى تململ واضح من سياسة إيران العدائية، و رغبة جامحة لدى الحكومات العربية والغربية بتحجيم طموحاتها الدموية، و على الرغم من أن الحرب مع إيران مازالت حرب بالوكالة عبر الأراضي اليمنية والسورية، إلا أن للرياض رأيا ربما يبدو مختلفا؛ فإيران التي تسببت في مشاكل بالمنطقة كما في تصريح سابق للجبير ستواجه بحزم، حيث قال في تصريح سابق بأننا (المملكة السعودية) ملتزمون بمواجهة إيران بحزم.
وبين اللجم الأمريكي لطموحات إيران النووية والحزم السعودي في القضاء على أحلام إيران التوسعية، وخوف تركيا من الحلم الكردي، وتحول فزاعة داعش إلى إرهاب كاد أن يكون خارج السيطرة، يبزغ أمل السوريين في الخلاص والوصول إلى نهاية المشهد الدامي.