استبعد الخبير الاقتصادي وكاتب الدولة المكلف بالإستشراف،
الجزائري السابق
بشير مصيطفى، حصول اقتصادية خانقة في الجزائر مثلما يعتقد الكثير من المحللين والسياسيين بالجزائر.
وقال الخبير الاقتصادي، في مقابلة مع صحيفة "
عربي21"، إن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الجزائرية لمواجهة تدهور
أسعار النفط، هي إجراءات استعجالية.
وأضاف أن هذا الوضع لا يخص الجزائر فقط، بل كل الدول التي تبني مواردها على صادرات النفط بما يؤدي إلى زيادة عجز ميزانيات الدول المصدرة للنفط في الخليج ومنطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط مع تأثر يتفاوت من دولة لأخرى.
ما تأثير تراجع أسعار النفط على الاقتصاد الوطني وعلى حياة الجزائريين علاقة بالقدرة الشرائية و الرواتب؟
هناك آثار مباشرة (مدى قصير) وآثار غير مباشرة (مدى متوسط). على المدى القصير نتحدث عن الأثر المالي أي تراجع الصادرات في الميزان التجاري حسب المؤشر الشهري والفصلي والسنوي، وتراجع الجباية النفطية التي تعتبر المصدر الرئيس لإيرادات الموازنة ولجوء الحكومة لاتخاذ إجراءات إستعجالية في مجال السياسة النقدية ما يؤدي إلى آثار أخرى نسميها بالآثار (غير المباشرة)، ففي موضوع الآثار غير المباشرة نتحدث عن: خفض سعر صرف الدينار في إطار سياسة نقدية موجهة لتعويض خسارة الإيرادات (52 بالمائة حتى شهر حزيران/ يونيو 2015 ) وتضخم مبني على ارتفاع الأسعار جراء خفض سعر صرف الدينار وذلك على خلفية مساهمة الواردات في تلبية الطلب الداخلي المقدرة بـ 57 مليار دولار كتوقع للعام 2015 ثم عجز الميزان التجاري ومنه ميزان المدفوعات (عجز قدره 8 مليار دولار حتى شهر تموز/ يوليو 2015 ) وارتفاع تكاليف العمليات الخارجية كالإستشفاء والدراسات والسياحة والطيران واحتمال ارتفاع سعر الفائدة على القروض تبعا لوضعية التضخم.
باختصار نحن نتحدث عن آثار الدينار الضعيف وهي: ارتفاع الأسعار غير المدعمة فيما يتعلق مثلا بـ (السيارات، قطع الغيار، الدواء، العلاج بالخارج، الملابس، وغيرها) وفي جانب السياسة النقدية خفض الدينار يؤدي في مرحلة لاحقة إلى رفع سعر الفائدة لدى البنك المركزي لضبط كلفة الإقراض ما يؤدي آليا إلى ارتفاع كلفة رأس المال ومن ثمة كلفة الاستثمار .
وما رأيكم في التدابير التي اتخذتها الحكومة لمواجهة تراجع أسعار النفط وهل نعيش حاليا وضع تقشفي؟
هي إجراءات استعجالية تم إعدادها ضمن قانون المالية التكميلي 2015 والغرض منها تسوية ميزانية الدولة 2015 على أقل الأضرار المالية، وهي تستهدف ستة أهداف تتمثل؛ في امتصاص السيولة الزائدة في السوق الموازية والمقدرة بـ 37 مليار دولار و استرجاع الكتلة النقدية الناتجة عن التهرب الضريبي وتأمين هدف تنفيذ ما تبقى من الخطة الخماسية للسنة الجارية (2015 – 2019) ودعم التنمية المحلية من خلال صندوق التضامن ما بين البلديات والحد من الاستيراد بتحفيزات جبائية لصالح الصناعات الإحلالية أي صناعات إحلال الواردات، وأخيرا تحفيز الاستثمار من خلال تدابير جبائية وضريبية وبنكية أكثر تسامحا مع هدف الاستثمار.
نفهم من كلامكم أنها إجراءات مناسبة للظرف الحالي؟
هي إجراءات مناسبة للمدى القصير ولا يمكن الحكم على نجاعتها إلا عند نهاية السنة، إلا أن الإشارات الأولية تدل على محدودية الأثر بالنظر إلى الوضعية الهيكلية للاقتصاد الجزائري، وهي وضعية اللاتوازن التي تتطلب إستراتيجية متوسطة المدى (آفاق 2021) أي إستراتيجية (مفتاح الإقلاع) وليس (ضبط الموازنة).
الحكومة ترسل تعليمات لتشديد التقشف بينما على مستوى الخطاب هناك تطمينات من قبل الوزير الأول عبد المالك سلال بأن الجزائر لن تدخل في أزمة حقيقية، ما رأيكم بذلك؟
أن تكون الجزائر في أزمة اقتصادية خطيرة، فهذا مستبعد جدا بسبب هامش مناورة الحكومة في تلبية الطلب الداخلي، وفي تمويل المشاريع الكبرى للحكومة وحجمها 26 مليار دولار في 2015. هذا الهامش نجده في كل من صندوق ضبط الإيرادات (صندوق خاص لدى وزارة المالية يعادل 47 مليار دولار) والإحتياطي من النقد الأجنبي (170 مليار دولار) أي أن مجموع 217 مليار دولار تضع التوازنات الكبرى للدولة في مجال الحماية لمدة عامين ونصف، أما على صعيد تدفق إيرادات الميزانية، فإن آخر السنة سيقفل على إشارات مقلقة وهي: تراجع الصادرات من 68 مليار دولار في 2014 إلى 34 مليار دولار آخر سنة 2015 واستقرار الاستيراد حول السقف العالي أي 57.3 مليار دولار وتفاقم عجز الميزان التجاري حوالي 20 مليار دولار وهو عجز تجاري غير مسبوق في تاريخ الوقائع الاقتصادية للجزائر و نفقات الميزانية ستقفل على 75.8 مليار دولار مقابل إيرادات للميزانية عند 49.5 مليار دولار ما يعني عجزا للموازنة عند عتبة 28 مليار دولار. التضخم سيرتفع بدفع من تراجع الدينار وربما يقترب من 10 بالمائة (حاليا 5.3 بالمائة) نهاية 2015 أو بداية 2016 كما أن سعر الفائدة سيتبع سعر صرف الدينار كي يرتفع بين نصف النقطة والنقطة مئوية.
هل هناك انعكاس على الوضع الاجتماعي وهل تتوقع إحتجاجات لها علاقة بالواقع الاجتماعي للجزائريين، خاصة في مجال السكن و القدرة الشرائية وغيرها؟
الأمر لا يخص الجزائر وحدها بل جميع الدول التي تبني مواردها على صادرات المحروقات، والآثار ذات العلاقة بالوضع الاجتماعي هي: زيادة عجز ميزانيات الدول المصدرة للنفط في الخليج، ومنطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط مع تأثر يتفاوت من دولة لأخرى بحسب المخزون من النقد الأجنبي ومعدل النمو وتوقف المشاريع الرأسمالية الكبرى التي تتطلب خطوط تمويل متوسطة المدى واختلالات على مستوى مؤشرات الاقتصاد الكلي، وهنا أيضا يتفاوت الأثر من دولة لأخرى على حسب السياسات الاجتماعية المتبعة في كل دولة بالإضافة إلى تراجع مؤشرات الدعم الاجتماعي مثل دعم الأسعار والخدمات الصحية وزيادة الأجور، وهذا تحت ضغط عجز الموازنة، هذا الأثر الأخير يمكن أن يؤدي في عدد من الدول العربية النفطية إلى اهتزازات اجتماعية في المدى القريب.