كتبت بتاريخ 27/نيسان/2008 مقالا بعنوان حماس على خطى منظمة التحرير
الفلسطينية، والآن أكمل بقية المقال الذي قلت فيه إن خطوات حماس تجاه إسرائيل لا تختلف جذريا عن خطوات منظمة التحرير الفلسطينية التي انتهت ببيع القضية الفلسطينية والسمسرة على الحقوق الوطنية الثابتة. ولكي أذكّر، أضع هنا الملامح الرئيسية التي ذكرتها عام 2008 والتي يتفق عليها الفصيلان الكبيران:
يبدو أن حركة حماس في حراكها السياسي والدبلوماسي لا تختلف جذريا عن بدايات حراك حركة فتح في أوائل سبعينات القرن العشرين. ويبدو أيضا أنها تستجيب للضغوط ليس بطريقة المبادرات التي تربك الطرف الآخر، وإنما بالطريقة التي يتوقعها. هنا أضع النقاط التالية كأدلة على التشابه في الخطوات السياسية بين منظمة التحرير وحماس:
أولا: قدمت منظمة التحرير الفلسطينية مبادرة عام 1970 أسمتها بالدولة الديمقراطية العلمانية كحل للقضية الفلسطينية، ثم توالت مبادراتها. حماس قدمت المبادرات قبل أن تخوض الانتخابات وعلى رأسها مبادرة الهدنة مع إسرائيل، والآن تركز على مبادرة الهدنة.
ثانيا: قالت منظمة التحرير الفلسطينية عام 1974 بأنها تقبل بقيام دولة فلسطينية على أي جزء من فلسطين يتم تحريره، وأعلنت حماس مرارا بأنها تقبل إقامة دولة فلسطينية على الأراضي المحتلة/67 دون شروط.
ثالثا: قالت منظمة التحرير الفلسطينية في ميثاقها المعدل أو شبه الملغي بأنها تعتبر العرب جزءا من عملية الصراع ضد إسرائيل، لكنها في الواقع العملي قبلت بهم كوسطاء بينها وبين إسرائيل. لا تختلف حماس في نصوص ميثاقها عن حشد العرب والمسلمين، لكنها تقبل بهم أيضا كوسطاء بينها وبين إسرائيل.
رابعا: كانت المنظمة معنية بأن تثبت للعالم أنها منظمة غير إرهابية وهدفها إحقاق الحق، والآن حماس تفعل ذات الشيء، ومنهمكة في تبرئة نفسها من تهمة الإرهاب.
خامسا: وقفت منظمة التحرير بداية ضد المفاوضات المباشرة وغير المباشرة مع إسرائيل، لكنها قبلت المفاوضات غير المباشرة بعد حين، وقبلت في النهاية المفاوضات المباشرة. حماس تخوض الآن مفاوضات غير مباشرة مع إسرائيل عبر أطراف عدة على رأسها الحكومة المصرية.
سادسا: تقول حماس بأن خطواتها السياسية عبارة عن تكتيك لا يعبر عن استراتيجية عمل، وهذا ما دأبت منظمة التحرير على قوله.
لقاءات رئيس المكتب السياسي لحماس
كان لقاء السيد خالد مشعل بالقادة السعوديين جرسا قويا حول المقاربة السياسية التي تتجه نحوها حماس بخاصة أن السعودية هي صاحبة مبادرة فاس لعام 1982، والتي بنيت عليها المبادرة العربية الخيانية في بيروت عام 2002. نعلم أن السعودية تمتلك أموالا كثيرة، وحماس بحاجة ماسة للأموال، ومن الممكن أن تقدم السعودية إسعافا، لكنها في ذات الوقت لا تجرؤ على إرسال أموال دون رضا أمريكا وإسرائيل، ولا تجرؤ أيضا على إرسال رصاصة واحدة لدعم المقاومة في غزة. والسعزدية ارتضت اللقاءات مع مسؤولين صهاينة في أمريكا للتنسيق ضد إيران. المقاومة في غزة بحاجة إلى أموال، لكن حاجتها للسلاح أكبر، والسعودية لن تحول طائراتها من اليمن لتثأر للطفل الرضيع علي دوابشة. الزيارة بحد ذاتها مخيفة وهي تعني قبول حماس بالسماسرة العرب الذين طالما سمسروا على القضية الفلسطينية.
الأسوأ من زيارة السعودية كان لقاء مشعل بتوني بلير الإنكليزي القذر الذي طالما تلطخت يداه بدماء العرب والمسلمين. توني بلير شخص معادي للعرب والمسلمين والفلسطينيين والإيرانيين، وهو من كبار المؤيدين للكيان الصهيوني، ودائما وصف المقاومة العربية في لبنان وفلسطين والعراق بأنها إرهابية. اللقاء مع بلير عار وخطيئة كبيرة لا تغتفر. بلير هو الذي حرض ضد العراق، وقدم جنده لمساعدة أمريكا في تدمير العراق. نحن الشعب الفلسطيني يجب أن يكون لنا موقف من بريطانيا وكل المسؤولين البريطانيين السابقين واللاحقين. بريطانيا هي السبب الأول في عذاباتنا وتشريدنا وقتل أبنائنا ودعم الصهاينة وكيانهم العدواني المجرم فيما بعد. الكيان الصهيوني ما زال يلاحق النازيين على المستوى العالمي ونحن ما زلنا نتنطع تحت أقدام البريطانيين الذين يستمرون في ممارسة الإجرام ضدنا.
السمسار الجديد
أعلن مسؤول تركي اليوم الموافق 17/ 8/ 2015 أن اتفاق هدنة بين حماس والكيان الصهيوني سيتم الإعلان عنه. لا أظن أن الأتراك يقولون ما لا يعلمون، ويبدو أنهم سرقوا السمسرة على القضية الفلسطينية من الآنظمة العربية. صرح المسؤولون الأتراك ضد حصار غزة، لكنهم لم يقطعوا علاقاتهم الاقتصادية والديبلوماية والتجارية مع الصهاينة، وكالأنظمة لم يقدموا رصاصة واحدة للمقاومة في غزة. تركيا هي السمسار الجديد الذي يطوع الفلسطينيين لصالح الكيان الصهيوني.
لكي نكون واضحين، الكيان الصهيوني لا يمكن أن يوافق على فتح مطار أو إقامة ميناء بدون ترتيبات أمنية. أي أنه مطلوب من حماس، إن صدقت وسائل الإعلام الآن حول تفاصيل الاتفاق ، أن تصبح حارسا فلسطينيا جديدا على مملكة إسرائيل، ويبدو أنه لا يكفينا أن يكون نصفنا خونة وعملاء لإسرائيل، بل يجب أن نتحول جميعا ضد أنفسنا لصالح عدونا.
السؤال الآن مطروح على المقاومة الفلسطينية في غزة، ماذا أنتم فاعلون؟ هل ستصبحون أمنا وقائيا جديدا يلاحق المناضلين الفلسطينيين، أم ستحافظون على قيمكم الوطنية والدينية؟ والسؤال مطروح على الجهاد الإسلامي: هل أنتم ستلحقون الركب أم ستبقى قبضتكم على الجمر؟ علما أنكم ارتضيتم بأوسلوي لتمثيل المقاومة في مفاوضات القاهرة بعد حرب 2014.