كان من المعجبين بالرئيس الراحل جمال عبد الناصر..
وعلى عكس ما هو عليه الآن، فقد نشأ في بيت فني، لم يكن فيه متسع للتدين، فوالده كان عازف عود.. ومن باب الفن والطرب والموسيقى نسجت علاقة خاصة بين الأب والمطرب
اللبناني المعروف
فضل شاكر الذي سيعلن فيما بعد "توبته" عن الفن وينضم إلى صفوف "المجاهدين".
ومفارقة أخرى تتعلق بسيرته الذاتية، أن الرجل تلقى علومه الأولى في "مدرسة ألكسندرا" التي كانت تديرها الراهبات في صيدا، ومنها انتقل إلى النقيض تماما، فأكمل دراسته بكلية الشريعة في جامعة بيروت الإسلامية.
برز اسمه بشكل كبير عام 2011 إثر إندلاع "الثورة السورية"، حين طالب عبر المظاهرات والاعتصامات بدعم "الثورة"، وأيضا في عام 2012 حين قاد الاعتصام الذي شل مدينة صيدا لأسابيع من أجل نزع سلاح "
حزب الله".
تصريحاته العدائية لم تتوقف عند حدود "حزب الله" الذي يصفه بـ"حزب اللات"، وإنما شملت أيضا تيار "المستقبل" حيث إنه وصف أحمد الحريري بقائد "الصحوات" في لبنان، ليرد عليه الحريري بأنه "صنيعة حزب الله".
ولد
أحمد الأسير الحسيني عام 1968 في صيدا، واشتهر بلقب الأسير، وهو لقب عرفت به عائلته لأن أحد أجداده أسر من طرف الفرنسيين بمالطة أيام الانتداب الفرنسي على لبنان.
وتقول مصادر مقربة منه في تصريحات صحفية، إن أحد أجداده واسمه يوسف بن عبدالقادر بن محمد الحسيني، كان شاعرا وفقيها وكاتبا، ولد قبل 200 عام في صيدا، وأقام في دمشق والقاهرة، وشغل منصب مفتي عكا، وكان واحدا من رواد النهضة الفكرية في بلاد الشام.
وبناء على هذه الحكاية، فقد تقدم أحمد الأسير في عام 2005، بدعوى لدى محكمة الأحوال الشخصية في صيدا لإضافة الحسيني إلى اسمه فأصبح، بحسب الحكم، أحمد محمد هلال الأسير الحسيني، محققا بذلك ربما رغبة دفينة في الانتساب إلى "آل البيت".
بدأ نشأته الأولى في صيدا وأخذ علومه الشرعية الأولى فيها، حيث أتقن القرآن الكريم حفظا وتجويدا في السابعة من عمره.
بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، وما رافق ذلك من سقوط للشهداء، بدأ الأسير بطرح العديد من التساؤلات والإشكاليات التي جعلته يأخذ قراره بالالتزام الديني والبحث عن هدف الوجود وحقيقة الحياة والموت.
وهكذا التحق بصفوف "الجماعة الإسلامية" لمقاتلة الاحتلال الإسرائيلي، والتزم بالعمل مع "الجماعة" نحو أربع سنوات، قبل أن ينضم إلى "الدعوة والتبليغ"، وهي مجموعة غير حزبية تقوم بجولات للدعوة في الداخل والخارج ولا شأن لها في السياسة.
ثم تمايز الأسير عن جماعة "الدعوة والتبليغ" في مسائل عدة؛ فشيد مع مجموعة من رفاقه مسجد بلال بن رباح في كانون الأول/ ديسمبر عام 1997، في منطقة "عبرا" في مدينة صيدا، وكان مسجدا صغيرا في مساحته ثم تمت توسعته في السنوات اللاحقة نتيجة الأعداد المتزايدة لرواده.
حرص الأسير منذ البداية على أن يكون المسجد على نهج الكتاب والسنة، يعتمد في تمويل نشاطاته على تبرعات المصلين والمحبين، غير مرتبط بأي جهة سياسية أو حركة دينية.
وقيل عنه إنه يتمتع بشخصية هادئة، وهو متحدث متمكن من اللغة العربية، كما أنه يتمتع بالقدرة على تجنيد محبيه لنصرة دعوته ومواقفه، ما جعله مرجعية اجتماعية لهم، الأمر الذي جعلهم يعودون إليه في حل نزاعاتهم واستشاراتهم التربوية والعائلية.
لم يكن خطاب أحمد الأسير بعيدا عن مقاربة الأمور السياسية في لبنان والملفات التي تظهر على السطح من حين إلى آخر، بدءا من فلسطين إلى حرب أفغانستان والعراق، والمشروع الإيراني في المنطقة.
وأعلن عن تحركه بهدف إعادة التوازن في لبنان ورفع هيمنة الأحزاب التابعة لإيران، ومن أبرزها "حزب الله" و"حركة أمل"، وتحقيقا لهذا المسعى فقد نفذ "اعتصام الكرامة" الذي قطع فيه الطريق الرئيس الرابط بين الضاحية الجنوبية لبيروت وبين جنوب لبنان مدة خمسة وثلاثين يوما على قيادات هذه الأحزاب وعرقل تحركاتها. وأثيرت العديد من الشبهات حول تمويل الأسير وتبعيته السياسية إلا أنه يصر دائما على عدم تبعيته لأحد.
والموقف من الشيعة هو أحد أبرز النقاط المركزية في سيرة الأسير، حيث ألقى الكثير من الخطابات التي شن فيها حملة ضد مراجعهم.
ومثلت ذكرى عاشوراء في تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2012، أول احتكاك للأسير مع "حزب الله" سقط خلاله قتيلان من أتباع الأسير، وكان الأسير قد احتج على تواجد عناصر مسلحة من "حزب الله " في شقتين سكنيتين بمنطقة "عبرا" التابعة لمدينة صيدا، وتمكنت الوساطات من إقناع الأسير بسحب مسلحيه بعد وعد بإخلاء الشقتين.
وبسبب الانقسام اللبناني على خلفية الأزمة السورية، فقد تعزز ظهور الأسير على مسرح الأحداث في بيروت. وبفضل وقوفه في وجه "حزب الله" وأمينه العام حسن نصر الله، تمكن الأسير من جذب العديد من الشباب لأتباعه، وتوفرت له الأموال، فتحول إلى حالة "سنية " في وجه الحالة "الشيعية".
ولا يعرف بشكل حاسم ما إذ كان قد انضم الأسير إلى "القاعدة" أم لا.. وتخيم حالة من الغموض حول انضمامه إلى "جبهة النصرة" ذراع القاعدة في سوريا، وأكدت مصادر أنه تم تعيين الأسير سرا أميرا لـ"جبهة النصرة في لبنان"، وإعلان لبنان "ساحة جهاد"، بعد أن بايع زعيم "النصرة" أبا محمد الجولاني.
ووسع الأسير نشاطه، فتنقل من الاعتصام إلى المناصر الأول للطائفة "السنية " في عدد من المناطق اللبنانية، وبات له أنصار يدافعون عنه.
كانت الأمور مستقرة في مسجد بلال بن رباح الذي يسيطر عليه الأسير واتباعه، وكان يسير بزهو وسط أنصاره الذين يسهرون على حمايته، حتى قارب حزيران/ يونيو عام 2014 على الانتهاء، عندما قرر الجيش اللبناني، وعناصر من حزب الله مداهمة مسجده، وقتلوا عددا كبيرا من أنصاره.
وفي ظروف غامضة، اختفى الأسير وصديقه فضل شاكر الذي سيعود بعد قليل ليطلب استعادة حياته الفنية، متخليا عن لحيته الطويلة وعن ملهمه، رجل الدين الأسير، وعن قناعاته الدينية التي طبعت مسيرته في السنوات الأربع الأخيرة.
وفي شباط/ فبراير من عام 2014، أصدر القضاء اللبناني حكم الإعدام لـ54 شخصا، بينهم أحمد الأسير، بتهمة "تأليف مجموعات عسكرية تعرضت لمؤسسة الدولة المتمثلة بالجيش، وقتل ضباط وأفراد منه، واقتناء مواد متفجرة وأسلحة خفيفة وثقيلة استعملت ضد الجيش".
وذلك على خلفية الاشتباكات التي شهدتها صيدا في حزيران/ يونيو عام 2013 بين الجيش اللبناني و"حزب الله" من جهة، وبين أتباع الأسير وعناصر محسوبة على "جبهة النصرة" من جهة أخرى، وقُتل فيها ضابطان و16 جنديا من الجيش اللبناني، فيما خسر الأسير خلالها العشرات من مسلحيه.
وبعد تنفيذ الجيش اللبناني عمليات رصد وملاحقة لأتباع الأسير الذين ساندوه في ما عرف بمواجهات "عبرا" شرق صيدا، فقد ألقت القوات الأمنية القبض عليه في مطار رفيق الحريري ببيروت أثناء محاولته المغادرة إلى مصر بجواز سفر مزور، بعد أن غير مظهره.
اعتقال الأسير ينفي ما تردد في وقت سابق عبر وسائل الإعلام اللبنانية، من أن الأسير انتقل إلى سوريا وقتل هناك عندما سيطر الجيش السوري على مدينة يبرود الحدودية قبل عام، أو أنه كان يختبئ في مخيم عين الحلوة.
ربما لا يشكل الأسير ظاهرة واسعة الانتشار، لكن طريقة تعامل السلطات اللبنانية مع ملفه، هي وحدها التي ستحدد حجم ثقله في الشارع السني.