لدينا أمران .. جيّد وسيّئ ...
الأمر الجيّد، هو الذي تم تحقيقه ساعة الإعلان عن اتفاق الشّاطئ، والذي تم عقده والتوقيع عليه، بين حركتي
فتح وحماس في أواخر نيسان/ أبريل 2014، بناء على تفاهمات جذريّة وغير مسبوقة، تم قبولها والإعلان عنها طواعية، من أجل طي صفحة الانقسام، وإعادة اللحمة بين
الفلسطينيين ككل.
وما جعله جيّدا أكثر بقليل، هو عند الإعلان التالي، في حزيران/ يونيو من العام نفسه، عن تشكيل حكومة توافقية، برغم ما اعترضت مفاوضات تشكيلها من معوقات كبيرة، وعراقيل غاية في الضخامة، حتى في ضوء علم الجميع، بأنها تقررت لفترة زمنية محددة، وبأنها منوطة بعددٍ من المهام فقط، والتي وعلى رأسها: الإعداد لانتخابات برلمانية ورئاسية جديدة، والتي تتوق إليها حركة فتح، ومسألة فك الحصار عن القطاع والتي تتلهّف إليها حركة
حماس.
والأمر السيئ: هو أن تلك الحكومة، وبرغم سهولة حلفِها اليمين الدستورية في موعدها وبانتظام، إلاّ أنها لم تستطع العمل، وحتى في جانبٍ - هامشي - واحد على الأقل، وليس هذا وحسب، بل وحققت لنا على مدار حياتها، فشلاً كبيراً، في أعقاب عجزها من تقديم ما وُجِدت من أجله (رسميّا)، وللترويح عن الجمهور الفلسطيني، بمنحه بعضاً من حقوقه التي يتوجب على أي حكومة تأديتها باحترام.
والذي جعله سيئا أكثر، هو ثبوت أن الحركتين غير مستعدتين بعد، للمضي في تسهيل عملها، وإن اقتصر على رصف الطرق أو ريّ المزروعات، سيما وأن لكلٍ منهما ضوابط ومحظورات، باعتبارها لديها مستحيلة التطبيق أو حتى التوفيق فيما بينها، وبأنها لا تُمكّن من الإمساك بالاتجاه الصحيح، فبينما اعتبرتها حركة فتح منذ اللحظة الأولى، بأنها غير قادرة لغرس أقدامها في المكان، والعمل من رأسها وبذات سياستها، فقد اعتبرتها حماس بأنها حكومة انفصالية، وتنفّذ السياسة التي تقررها رام الله وحسب.
ربما بناء على انتهاء مدّتها المقررة لها أو التي تجاوزتها بكثير، أو بناء على ذلك الفشل – باعتراف الكل- الذي قدّمته بيديها لعموم الفلسطينيين شرقاً وغرباً، أقدم الرئيس الفلسطيني "أبومازن" وإن كان رغماً عن حماس ومن هم ورائها أيضاً، على قرار عزمه إعادة النظر فيها، والمسارعة بالدعوة إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية جديدة، وهو يعلم 100% بأن حماس لن تستجيب للدعوة، ويعلم 100% أيضا، بأنها ستتخذ خطوة مشددة في مواجهتها، وذلك على العلاقات المتوترة التي دامت طيلة السنوات الفائتة، برغم التفاهمات الحاصلة، وخاصة تلك التي شملها اتفاق الشاطئ.
حماس، وبقدر أنها لم تُفاجأ كثيراً نتيجة لقرار "أبومازن"، فهي أيضاً بنفس القدر الذي جعلها لا تُسرّ ولو بحجم قطرة سرور واحدة، بسبب أنه يُخالف رؤيتها، ويجيء على غير رغباتها، ولذلك فقد عملت جهدها لإحباطه، وباشتراك جناحيها السياسي والعسكري معاً، ليس من خلال رفضها علانية بالتواجد في حكومة الوحدة، وإنما في رؤيتها القاسية باتجاهها، وكانت حالت بفعل تلك الرؤية، دون قيامها بذاتها، ودون قيام آخرين بالمشاركة فيها، الأمر الذي أدخل "أبومازن" في حالتين متعاظمتين من الغضب والإرباك.
كان من عجائب رام الله، لدخول حماس الحكومة، هو ضرورة إذعانها وخلال دفعةً واحدة، ليس لرغباتها فقط، وإنما بناء – كما تقول - لرغبات الكل الفلسطيني أيضاً، والتي من أهمها، أن ترفع حماس يدها عن مفاصل القطاع وتسليمه سلطته تماماً لحكومة الوحدة، ولا يكون ذلك قولا وبأطراف الشفاه، ولكن حتى يشهد القاصي والداني بأنها فعلت ذلك تماماً ومن غير لُبسٍ أو خداع.
وتأتي شروط حماس للذهاب في الحكومة المقترحة، والتي تزعم هي الأخرى، بأن شروطها تحظى بإجماع وطني وفصائلي وكل الناس، وهي تلك المحددة والمنصوص عليها في اتفاقية المصالحة، والتي جاءت بالحكومة التوافقّيّة، والتي تلخّصت في احترام ما تم التوقيع عليه في اتفاقية القاهرة عام 2011، وعامة الاتفاقيات التي تلتها، وسواء في شأن إحياء وترميم منظمة التحرير الفلسطينية، أو بشأن عودة المجلس التشريعي الفلسطيني إلى ممارسة عمله.
بعد فشل المشاورات في تشكيل حكومة الوحدة، فقد وجد "أبومازن" نفسه، مضطرا إلى اللجوء إلى خطوة تعديل الحكومة، وليس حلّها، وإن كانت في نظره ليست بديلة عن حكومة الوحدة، الأمر الذي اضطر حماس وبالاستناد إلى رفض فصائل وشخصيات مختلفة لتلك الخطوة، باعتبارها انفرداية، وتقع خارج التوافق الفلسطيني، إلى اتخاذ خطوة مُقابلة، فعلاوة على عدم الترحيب بها، فإنها أخذت على نفسها عهدا أكيدا، بأنها لن تتعامل مع تلك الحكومة المعدّلة، ولا الوزراء الجدد تحديدا، باعتبار خطوة التعديل غير دستورية، ومن شأنها أن تحبط أيّة مشاريع باتجاه المصالحة.
في ضوء ما مرّ بنا، نستطيع القول بأن ليس من السهل التوفيق بين الحركتين، وحتى على أساس بنود اتفاق الشاطئ، وخاصة على مدار الوقت المنظور، إذ لو كان سهلاً كما يظن قليلون، لما وصل السواد الأعظم من الفلسطينيين الآن بخاصّة، وسواء ممن هم في الداخل أو والخارج إلى النتيجة النهائية، بأن اتفاق الشاطئ برمّته يُعتبر ميّتا.
فهذه نتيجة سيئة (متوقعة) لخلافات سياسية معقدة جداُ، ولا توجد نتيجة أخرى جيّدة أو مقبولة على الأقل، لكن ومهما بلغت هذه النتيجة من السوء، لكن فطرتنا الفلسطينية، تفرض بأن نعكف على التذكير، وبشكل متواصل ومن غير دفعٍ أو وساطة، بأن المطلوب من الحركتين فقط، هو إدراك حجم المسؤولية الملقاة على عاتق كل واحدة منهما، فالندم القادم سوف لن يمنع حتى كارثة واحدة من جملة الكوارث الآتية.