خالف "إعلان القاهرة" التوقعات بشأن مستقبل العلاقات بين مصر والسعودية. حتى أيام قبل زيارة ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى القاهرة، نهاية الأسبوع الماضي، كانت المؤشرات كلها توحي بتراجع كبير في زخم العلاقات بين البلدين على وقع خلافات ظاهرة حول ملفات ثنائية وإقليمية.
عزز هذا الانطباع تطور العلاقات بين الرياض وأنقرة؛ العدو اللدود لنظام الرئيس عبدالفتاح السيسي، وانفتاح
السعودية على جماعة الإخوان المسلمين ممثلة بحركة حماس، واستمرار التقارب القطري السعودي.
لكن حركة مفاجئة بددت تلك التوقعات. الإعلان الذي وقعه السيسي والأمير محمد بن سلمان في القاهرة مؤخرا، يرقى إلى مستوى التحالف الاستراتيجي بين البلدين. تعاون على جميع المستويات؛ السياسية والاقتصادية والعسكرية، والتزام بمشاريع مشتركة، واستثمارات سعودية جديدة في مصر، وإشارة مباشرة إلى تعاون في المجال الإعلامي؛ لاحتواء حملة الاتهامات ضد السعودية في وسائل إعلام مصرية محسوبة على النظام المصري.
ولإظهار جدية العلاقة بين البلدين، هاتف العاهل السعودي الرئيس المصري بعد توقيع الاتفاق، لتأكيد التزام بلاده ببنوده.
تصريحات المسؤولين على الجانبين حملت رسائل قوية في أكثر من اتجاه. وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، حرص على نفي أي تقارب لبلاده مع حركة الإخوان المسلمين. والسيسي قال بصريح العبارة: "لن ترونا إلا معا".
ما الذي حصل بالضبط؟ هل كانت التقديرات حول تدهور علاقات البلدين خاطئة في الأساس، أم إنها مرحلة سوء فهم تم تجاوزها؟
لقد أظهرت القيادة السعودية الجديدة رغبة في تنويع الخيارات والتحالفات، على وقع تطورات كبيرة في المنطقة. وقد شرعت بالفعل في فتح خطوط الاتصال مع
أنقرة والدوحة، وقوى سياسية في المنطقة. وبدا أن الرياض تسير في اتجاه معاكس لسياسات انتهجتها في عهد الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز، خاصة في سوريا والعراق.
لكنّ تطورين مهمين على المستويين الإقليمي والدولي، دفعا بالقيادة السعودية إلى القيام بمراجعة سريعة، وإعادة توجيه السياسة الخارجية، لتجنب الخسارة. التطور الأول، يتعلق بالأزمة السورية، والتوجه الروسي الأمريكي، بإعادة تعريف الأزمة بوصفها مواجهة مع الجماعات الإرهابية التي أصبحت تهدد أمن دول المنطقة، وفي مقدمتها السعودية.
السعودية انخرطت مبكرا في الجهود الدبلوماسية لمعالجة الأزمة، والتوافق على شروط المرحلة الانتقالية في سوريا. زيارة محمد بن سلمان إلى موسكو قبل أسابيع، دشنت عهدا جديدا في العلاقة الروسية السعودية. ولقاء الدوحة المرتقب بين وزراء خارجية أمريكا وروسيا والسعودية وقطر، هو خطوة لافتة ومهمة، سيكون لها ما بعدها.
التطور الثاني، المهم والخطير بالنسبة للرياض، يتمثل في توقيع الدول الكبرى الاتفاق النووي مع
إيران. لقد مثلت هذه الخطوة، وإن كانت معروفة ومتوقعة، صدمة استراتيجية للسعودية ودول خليجية، أدركت الرياض بعدها أن لا مفر من بناء تحالف عربي عريض، لملء الفراغ الناجم عن الانزياح الأمريكي باتجاه إيران. ولا يمكن لتحالف كهذا أن يقف إلا على قدمين رئيسيتين؛ مصر والسعودية.
بمعنى آخر، اتفاق القاهرة هو الرد السعودي الأولي على اتفاق فيينا مع إيران. وإزاء أولوية استراتيجية كهذه، ستلقي الرياض جانبا الخلافات الصغيرة حول قضايا ثانوية، كالموقف من الإخوان المسلمين، وسواها من القضايا.
السعودية بصدد إحياء تحالفها التقليدي من جديد، وقريبا سنرى اتصالات أردنية سعودية على أعلى مستوى، خدمة لهذا الغرض.
(نقلا عن صحيفة الغد الأردنية)