قررت النيابة العامة
المصرية، مساء الاثنين، حظر نشر أي معلومات خاصة بالتحقيقات التي تجريها حول قضية تورط رئيس محكمة جنح مستأنف مدينة نصر، رامي
عبد الهادي، في الحصول على رشوة "جنسية"، في إجراء توقعه مراقبون، مؤكدين أن هدفه "لملمة الفضيحة".
وجاء في خطاب مرسل من القائم بأعمال النائب العام، علي عمران، إلى رئيس اتحاد الإذاعة والتلفزيون، اطلعت صحيفة "عربي21" على نسخة منه، أنه وبمناسبة
التحقيقات التي تجريها النيابة العامة في القضية 540 لسنة 2015 حصر أمن دولة عليا، المعروفة إعلاميا بواقعة "رشوة رئيس محكمة جنح مستأنف مدينة نصر"، نأمر بحظر النشر في القضية".
وشمل الحظر "جميع وسائل الإعلام المسموعة والمرئية، والصحف، والمجلات القومية والحزبية: اليومية والأسبوعية، المحلية والأجنبية، وغيرها من النشرات: أيا كانت، وكذا المواقع الإلكترونية، إلى حين انتهاء التحقيقات فيها، عدا البيانات التي تصدر من النائب العام".
وأكد الخطاب أن النيابة العامة "تأمل التنبيه باتخاذ اللازم نحو تنفيذ حظر النشر، وإفادتها بما يتم".
وكانت البرامج الحوارية "التوك شو"، في القنوات الفضائية المصرية، الحكومية والخاصة، تجاهلت، مساء الاثنين، التطرق إلى القضية المتهم فيها القاضي المذكور، وهو نجل قيادي سابق بالقوات المسلحة، في واقعة طلبه "رشوة جنسية"، مقابل إنهاء قضية منظورة أمامه.
وكشفت مصادر لصحيفة "عربي21" أن قرار حظر النشر يستهدف تجنب فتح السيرة الشخصية للقضاة الذين تورطوا في إصدار أحكام صادمة للرأي العام، ومجافية للعدالة، كما يأتي في سياق محاولة "لملمة" تداعيات تلك الفضيحة، لا سيما أن الكشف عنها، جاء بشكل عرضي، وفي إطار التنافس بين أجهزة مختلفة، منعا لتفاقمها، حتى لا تطال سمعة
القضاء.
وقالت المصادر إنه حتى لو لم يصدر قرار حظر النشر، فإنه ما كان لوسائل الإعلام المصرية أن تنشر عنها مرة أخرى، مشيرة إلى تراجع صحيفة "المصري اليوم"، في هذا الصدد، عن نشر تفاصيل القضية، منذ البداية، قائلة إنها تحتفظ بالتفاصيل، لحين الانتهاء من التحقيقات، باعتبار أن المتهم "بريء حتى تثبت إدانته"، وفق قولها.
وكانت الصحيفة نشرت تقريرا، الاثنين، بعنوان: "رشوة جنسية" تطيح برئيس محكمة".
ولم يستبعد المتحدث باسم حركة "قضاة من أجل مصر"، المستشار وليد شرابي، أن تحفظ النيابة أوراق القضية، وأن يعود القاضي المتهم إلى عمله قريبا، بعد أن قدم بفساده أوراق اعتماده لدى سلطات الانقلاب، وفق قوله، على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك".
"القضاء الأعلى" لم يرفع الحصانة عنه
ويتعارض قرار حظر النشر في القضية، حول التحقيقات الدائرة، مع ما قاله عضو مجلس القضاء الأعلى، عادل الشوربجي في تصريحات الاثنين من أن المجلس لم يصدر قرارا برفع الحصانة عن القاضي، ولم يتلق أي طلب من نيابة أمن الدولة العليا برفع الحصانة عنه.
كما يتعارض مع ما ذكرته صحف مصرية، الاثنين، من أن النيابة العامة حررت مذكرة اتهمت فيها القاضي في قضية رشوة جنسية، وعرضتها على مجلس القضاء الأعلى، فأمر باتخاذ الإجراءات القانونية، وأحيلت المذكرة إلى نيابة أمن الدولة العليا، التي بدأت التحقيق.
القاضي ينفي.. ويتهم الإخوان
في مواجهة الاتهامات، قال القاضي المتهم إنه لا صحة على الإطلاق لما نشر عن اتهامه، زاعما أنه يتعرض لحملة تشويه من عناصر الإخوان، وأن ما أثير حول رشوة جنسية هو حملة إخوانية ممنهجة لتشويه صورته أمام الرأي العام.
وأضاف أنه في إجازة قضائية، وأنه متواجد بمنزله، وسط أهله، ولم يتم القبض عليه، وسوف يعود لمباشرة عمله بعد انتهائها مباشرة في 25 أغسطس المقبل، مؤكدا أن "الواقعة تتلخص في مخالفة إدارية بعد اختفاء أوراق في إحدى القضايا"، وفق تصريحاته.
كيف تم ضبط القاضي؟
روايات صحفية انتشرت الاثنين أكدت أن الأجهزة المعنية ضبطت القاضي المذكور في إحدى القرى السياحية بالساحل الشمالي، بعد أن ورد لهيئة الرقابة الإدارية بلاغ يتهمه بطلب رشوة جنسية مقابل إنهاء قضية منظورة أمامه، فتم تسجيل مكالمات أكدت تورطه، ومن ثم تم القبض عليه، وتولت النيابة العامة التحقيق معه.
وبحسب جريدة "الوطن": "اتفق القاضي المتهم مع خالة ثلاث فتيات سوريات على ممارسة الرذيلة معهن، في مقابل إنهاء قضية منظورة أمام دائرته، وإن النيابة رصدت المكالمات، حيث تم ضبطه بإحدى القرى السياحية، ومواجهته".
وعزز الناشط محمد صلاح مصداقية هذه الرواية بقوله: "واحدة كان لها قضية في دائرته، طلب منها رشوة جنسية مقابل الحكم لصالحها.. سجلت مكالمات الاتفاق بينها وبينه، واتفقت معه على مكان اللقاء في إحدى قرى الساحل الشمالي، وقدمت التسجيلات للرقابة الإدارية".
سيناريوهات متوقعة
نقلت "التحرير" عن مصادر قضائية تأكيدها "أن رئيس محكمة شمال القاهرة أصدر قرارا منذ أسبوع بندب أحد القضاة ليحل محل عبد الهادي في الدائرة، بعدما رفعت الحصانة عنه، وتم التحقيق معه في نيابة أمن الدولة العليا، وقدم استقالته نظير عدم حبسه، بعد أن واجهته النيابة بالمكالمات المسجلة، التي تثبت تورطه في طلب الرشوة الجنسية".
ونقلت الصحيفة عن مصدر قوله إنه بتقديم القاضي استقالته، انتهت الواقعة، وستغلقها النيابة، عملا بالقاعدة القانونية التي تؤكد أنها فقدت أهميتها.
ونقلت "اليوم السابع" عن مصادر أخرى قولها إن القاضي تقدم بطلب قطع إجازته القضائية، وسيباشر عمله ابتداء من الثلاثاء، لتأكيد عدم القبض عليه.
مطالب بإعادة النظر في قضاياه
وعقب إعلان القبض على القاضي رامي عبدالهادي طالب نشطاء وسياسيون -عبر مواقع التواصل الاجتماعي- بإعادة النظر في جميع القضايا التي حكم فيها.
وعلق الإعلامي زين العابدين توفيق بموقع "تويتر": "القاضي الذي برأ أحمد موسى قبض عليه بتهمة طلب رشوة جنسية في قضية سيحكم فيها. السؤال: كيف حصل أحمد موسى على البراءة؟".
وقال الناشط الحقوقي هيثم أبو خليل: "البديهي أن قاضي الرشوة الجنسية يجب أن تراجع جميع القضايا التي أصدرها؛ لأنه وارد جدا أنه تعاطى مع هذه الرشوة القذرة من زمن، وبسببها ضاع كثير من الحقوق في قضايا مهمة تصدى لها هذا العنتيل".
وعلق الناشط محمد عبدالله": "لو إحنا في دولة محترمة.. المفروض أن كل القضايا التي نظرها القاضي المتلبس بالرشوة الجنسية يعاد النظر فيها".
وسخر ناشط بالقول: "بدل ما كنا نطالب بتطهير القضاء المفروض كنا نطالب باغتسال القضاة".
ومن جهتهم، دشن نشطاء على تويتر "وسما" بعنوان: "#نكاح_القضاء".
قضايا مثيرة نظرها القاضي
كانت الدائرة التي يترأسها عبدالهادي قضت بالبراءة للإعلامي المقرب من السيسي، أحمد موسى، في أربع قضايا مرفوعة بحقه، بتهمة السب والقذف، من قبل القيادي بحزب المصريين الأحرار أسامة الغزالي، ورئيس الجهاز المركزي للمحاسبات هشام جنينة، والمحامي طارق العوضي.
وقبلت الدائرة استئناف "ميرفت.ع"، الشهيرة بـ"كيداهم"، المتهمة بتصوير فيديوهات إباحية لها مع راغبي المتعة الحرام بمدينة نصر، على حكم أول درجة بحبسها تسع سنوات.
كما قبلت التظلم الذي تقدم به الرئيس المخلوع حسني مبارك على قرار الحبس الصادر ضده من النيابة العامة، في قضايا الاستيلاء على المال العام، والتربح والكسب غير المشروع، وإخلاء سبيله على ذمة التحقيقات.
لكن القاضي نفسه رفض الاستشكال المقدم من خمس طالبات بجامعة الأزهر على الحكم الصادر ضدهن، بالسجن المشدد خمس سنوات، والغرامة 100 ألف جنيه لكل منهن، عن تهم الحض على العنف، والتظاهر دون ترخيص.
كما تنحى عبدالهادي عن نظر قضية أمين الشرطة الذي أطلق النار على محامي بمحكمة مدينة نصر، استشعارا للحرج.
وأصدر حكمه الشهير على "عرفة معوض"، صاحب "ونش الاتحادية"، أيام الرئيس مرسي، بحبسه سنة مع إيقاف التنفيذ، فلم يدخل السجن يوما واحدا، باعتبار أن ما فعله تعبير عن الرأي، وتظاهر قانوني، رغم اعترافه في بداية الجلسات بأنه أراد خلع بوابة قصر الاتحادية.
ليست الواقعة الأولى
وهذه ليست الواقعة الأولى التي تحيط فيها الشبهات الجنسية بقضاة مصريين. ففي وقت سابق، انتشرت صور على مواقع التواصل الاجتماعي منسوبة لنائب رئيس مجلس الدولة، ناصر عبد الرحمن، المعار في قطر، وهو يحتسي الخمور بصحبة نساء في أوضاع مخلة.
ومنذ فترة، تداول مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي صور حساب رئيس محكمة الجنايات محمد ناجي شحاتة، أظهرت اهتمامه بالصفحات الإباحية، وإضافته لحسابات نساء عاريات.
واتهم القاضي شعبان الشامي في فضيحة أخلاقية مشينة، انتهى التحقيق فيها أيام الرئيس المخلوع مبارك بـ"لفت نظر".
موقف مناهضي الانقلاب
قال المستشار وليد شرابي، عبر حسابه بـ"فيسبوك": "فقط في أم الدنيا يلف القاضي بالملاية".
وتابع: "هذا الشامخ حكم على المستشار الجليل حسن النجار محافظ الشرقية السابق، ورئيس نادي قضاة الزقازيق السابق، ورئيس محكمة الاستئناف، بالحبس سنتين، بادعاء أنه اشترك في مظاهرة مؤيدة للرئيس محمد مرسي".
وعلق المحلل السياسي، محمد الجوادي، قائلا: "اذكروا بالخير القاضي الشجاع الذي أعطى الإذن بالقبض علي قاض مرتش.. ما بشرنا به نبينا عليه الصلاة والسلام: الخير فيَ وفي أمتي إلى يوم القيامة".