عندما تقلد الرئيس أوباما منصبه في البيت الأبيض، كانت
إيران قد دخلت مرحلة متقدمة في معالجة دورة الوقود النووي عندما تمكنت من بناء منشآت لتخصيب اليورانيوم مخفيّة في جوف الجبل، وكانت على وشك تنصيب ما يقارب 20 ألف جهاز للطرد المركزي لتخصيب اليورانيوم. وكانت أيضا في مرحلة تطوير أجهزة طرد مركزي متقدمة، كما شرعت حينها في بناء مفاعل يعمل بالماء الثقيل يمكنه إنتاج البلوتونيوم الصالح لصنع الأسلحة النووية. ولو أرادت تطوير أسلحة نووية، فقد قطعت بالفعل شوطا بعيدا على هذا الطريق. وقد حدث ذلك في وقت لم يكن المجتمع الدولي يمتلك إلا فكرة ضيّقة حول برنامجها النووي. وبناء على هذه الحقائق، قرر الرئيس عدم السماح لإيران بامتلاك الأسلحة النووية.
على أن الصفقة التي تم التوصل إليها هذا الشهر في فيينا ليست أفضل ما يمكن التوصل إليه فحسب، بل إنها تمثل أفضل الحلول لمنع إيران من امتلاك أسلحة نووية، وهي أيضا الخيار الوحيد المتاح والقابل للاستدامة من أجل تحقيق الهدف المنشود. ولم يتحقق هذا الحل الدبلوماسي الشامل إلا بفضل تضافر جهود الدول العظمى. وقد ضمن تمديد الفترة التي تحتاجها إيران لصنع الأسلحة النووية، وقدم لنا معايير قوية للتحقق من نشاطاتها النووية، ووفر الوقت الكافي لتحضير الردّ الحاسم لو اختارت الانحراف عن الطريق الذي رسمناه سويّا، أو إذالم تطبق الخيارات والشروط التي اتفقنا عليها على طاولة التفاوض.
ويمكن التأكيد على أن الصفقة أغلقت كل الطرق الممكنة أمام السعي الإيراني لإنتاج المواد القابلة للانشطار الضرورية لصنع الأسلحة النووية. ولم يعد في وسعها إتمام عمليات إنتاج المواد ذات درجة التخصيب العالية من اليورانيوم والبلوتونيوم حتى في المنشآت المخفيّة في بطون الجبال. وقبل أن تشعر إيران بمقدمات التعافي من العقوبات الاقتصادية، فإن من واجبها التراجع عن مستويات التخصيب السابقة، وعن مشاريع البحث والتطوير في المجال النووي، وأن تخفّض مخزونها من اليورانيوم المخصّب.
ومن أجل منعها من التحايل، أصبح المفتشون الدوليون يتمتعون بصلاحيات غير مسبوقة لدخول المواقع النووية التي صرّح بها الإيرانيون بالإضافة إلى كافة المواقع الأخرى وسلسلة المنشآت التموينية التي تتنوّع من إنتاج اليورانيوم وحتى صناعة أجهزة الطرد المركزي والعمليات المرافقة لكل هذه النشاطات.
وإذا فشلت إيران في تحمل هذه المسؤوليات الملقاة على عاتقها، فسيعاد تفعيل العقوبات بحيث لا يمكن لأي دولة أن تقف في وجه تنفيذ هذا الإجراء. وإذا شاءت طهران التنصل من الصفقة كلها، فستكون أمام العالم فترة أطول (سنة بدلا من بضعة أشهر)، للتصرف قبل أن تتمكن من صنع القنبلة الذرية. والسؤال: هل يمكن اعتبار هذه الصفقة جيدة بالنسبة لأمن الولايات المتحدة والأمن العالمي ككل؟
للإجابة على هذا السؤال، لابد من ذكر بعض الحقائق المهمة، فلولا هذه الصفقة، لكان في وسع إيران أن تواصل الجهود السريعة لتطوير أجهزة طرد مركزي متقدمة. ومع التوصل إلى الصفقة، فإن برنامجها النووي أصبح يصطدم بمعوّقات كثيرة.
ولولا هذه الصفقة، لكان في وسعها زيادة مخزونها من اليورانيوم عالي التخصيب. ومع هذه الصفقة، سيهبط هذا المخزون بنسبة 98 في المئة، وسيبقى على هذا المستوى لمدة 15 عاما. ويتوجب على إيران أيضا أن تتخلص من 20 في المئة من كمية اليورانيوم عالي التخصيب الذي يمثل أهم جزء من عملية تحضير المادة اللازمة لصنع القنبلة النووية.
ولولا الصفقة، لكان في وسع إيران إنتاج كمية من البلوتونيوم كل عام تكفي لصنع قنبلتين نوويتين. ومع هذه الصفقة، لن تتمكن من إنتاج أي كمية من البلوتونيوم الصالح لصنع القنبلة. ولولا هذه الصفقة، لكان في وسع إيران أن تقطع الخطوات اللازمة لصناعة الأسلحة النووية. وقد تم منعها من مواصلة هذا النهج.
وإذا كان المجتمع الدولي يشك في أن إيران يمكن أن تتحايل على بنود الاتفاقية، فسيكون في وسع الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن تطلب تفتيش أي موقع إيراني مشبوه. وقد أثار موضوع إشعار الإيرانيين قبل 24 يوما من وصول بعثة المفتشين إلى الأماكن المشبوهة الكثير من الجدل أثناء المفاوضات قبل الموافقة عليه. وحتى نكون واضحين حول هذه النقطة، يجب التذكير بأن من حق الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن تطلب الدخول إلى أي موقع مشبوه قبل 24 ساعة فقط من وصول مفتشيها إليه وفقا للبروتوكول الملحق بمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية والذي ينطبق على إيران وفقا لما ورد في صلب الاتفاقية.
(صحيفة الاتحاد الإماراتية)