نشرت صحيفة لونوفال أوبسرفاتور الفرنسية، تقريرا حول المعاناة التي تعيشها العائلات الغربية التي ترك أبناؤها بلادهم والتحقوا بساحات القتال في
سوريا، حاورت فيه بعض هذه العائلات لتنقل الحالة النفسية التي تعيشها، ما دفعها للسعي للتواصل مع أبنائها عبر الإنترنت.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "
عربي21"، إن آباء وأمهات الملتحقين بتنظيم الدولة أصبحوا يلازمون أجهزة الكمبيوتر وشاشات التلفاز كامل الوقت، في انتظار الاتصال القادم أو المعلومة القادمة، ليفاجئ بعضهم أحيانا بموت ابنهم أو ابنتهم.
وتطرقت إلى قصة السيدة كريستيان بوردو، التي تقطن بمدينة كالغاري في وسط كندا، والتي تركها ابنها ليلتحق بصفوف
المقاتلين في سوريا، حيث نقلت معاناة هذه الأم التي لم تجد حلا لمأساتها هذه سوى الإدمان على تصفح الإنترنت ومشاهدة مقاطع الفيديو للمقاتلين في سوريا، في محاولة منها للبحث عن ابنها عن طريق صوته أو لون عينيه أو بنيته الجسدية. هذا الهوس التي استولى على كريستيان وعرقل حياتها العائلية والمهنية، لم يفارقها إلا بعد أن وصلها خبر وفاة ابنها بعد قرابة سنة من غيابه.
وقالت إن ردت فعل الآباء متشابهة تقريبا، حيث يسيطر الصمت التام على المنزل إثر ذهاب الابن، ليتحولوا خلال ذلك الوقت من حالة الذهول إلى حالة من التشنج القصوى.
وأضافت أن الآباء ينتظرون بفارغ الصبر أن يقوم ابنهم بالاتصال بهم كي يحاولوا إقناعه بشتى الطرق بالعودة، حتى عبر ادعاء الإصابة بأمراض خطيرة وغير قابلة للشفاء، وهو أسلوب لا يلاقي نجاحا في معظم الأحيان.
وأفادت الصحيفة أنه رغم رغبة الأبناء في الاتصال بعائلاتهم، فإن الوضع في سوريا يفرض واقعا لا يمكن الهروب منه، فلا يمكن للشاب التصريح بمكانه خلال محادثاته عن طريق "السكايب"، "الواتس آب"، "الفايبر" أو "الميسينجر"، خوف من تعريض نفسه للخطر، وخوفا من رقابة الأجهزة الاستخباراتية الغربية، التي تتجسس على هذه المحادثات للحصول على معلومات هامة.
ولذلك فإن الشاب المتصل بعائلته يقول دائما أن كل شيء على ما يرام، ولا يذكر أي شيء حول خوفه أو حزنه، ويؤكد على أنه في مأمن من كل سوء. كما يلاحظ أن جميع الشباب يطنبون في الحديث عن القناعات الدينية التي دفعتهم لاتخاذ هذا القرار، ويفرضون على أولياءهم عدم التواصل مع الصحافة والسلطات، ويهددون بقطع الاتصال إذا ما قاموا بذلك.
وتطرقت الصحيفة إلى معاناة أم بلجيكية، تدعى كورين، تركها ابنها في عمر الثالثة والعشرين عاما ليذهب إلى سوريا صحبة خمسة من أصدقائه في سنة 2012. ومنذ ذلك الحين أصبحت العلاقة بين الأم وابنها جافة، حيث أنه يتواصل معها مرة كل شهر ويكتفي بالكلام القليل.
وأشارت أن الابن لم يعلم أمه بأنها قد أصبحت جدة ولم يتحدث معها عندما توفي صديقه المقرب، ولكن كورين تؤكد أنها تفضل حديثه المقتضب ومكالماته النادرة ليخبرها أنه بخير، على أن تنقطع أخباره كليا.
وتعرضت الصحيفة إلى حكاية سميرة وابنتها نورة التي ذهبت إلى سوريا لتلتحق بحبيبها الذي توفي بعد مرور أسبوعين على وصولها إلى هنالك. وإثر ذلك قررت نورة البقاء هناك وهي تقوم بالاتصال بأمها عبر الإنترنت مرة كل شهر، تحدث خلالها سميرة ابنتها عن جيرانهم وأصدقائهم وأفراد عائلتهم، وتخبرها كم اشتاقت إليها، في محاولة منها لتذكيرها بواقعها السابق ودفعها للعودة.
أشارت الصحيفة إلى "الفيسبوك" كوسيلة للتواصل مع الشباب الذي ذهب للقتال، رغم أنه أصبح أقل فاعلية، حيث أن إدارة الـ"
فايسبوك" تقوم بمراقبة الصفحات وتقوم بغلق الصفحات ذات المحتوى "المحرض على العنف أو المشجع على الإرهاب"، الأمر الذي لم يلاقي استحسان الأولياء الذين يمثل الـ"فيسبوك" بالنسبة لهم الوسيلة الوحيدة للاتصال بأبنائهم وتقفي أخبارهم.
وقالت الصحيفة إن العديد من الأولياء قد اكتشفوا وفاة أبنائهم عن طريق الصدفة عبر الإنترنت، مثل الفرنسية كريستيان، والدة الشاب داميان، التي لم تكتشف موت ابنها إلا عندما أعلمها زميل لها في العمل بأنه قد رأى صورة داميان وخبر مقتله على الـ"تويتر".
هؤلاء الآباء والأمهات الذين اقتنعوا بموت فلذت أكبادهم، لم يبقى لهم سوى حفظ محادثاتهم ورسائلهم وتغريد اتهم، لأن هذه المعلومات تتلاشى عند غلق الحساب. وفي غياب الجثة وشهادة الوفاة، يختار العديد من الأولياء عدم تصديق ما شاهدوا وما سمعوا، في محاولة منهم لتغيير الواقع الأليم أو الهروب منه بالأحرى.
وفي الختام، أشارت الصحيفة إلى أن مواقع التواصل الاجتماعي، وخاصة منها موقع "تويتر"، قد أصبحت الوسيلة التي يعتمدها
تنظيم الدولة للإعلان عن وفاة أحد مقاتليه، وخاصة
الأجانب منهم.
وأكدت أن العديد من الأولياء يلتصقون بشاشات التلفاز والحاسوب، يقرؤون كل ما يرد، ويشاهدون كل ما يتم إضافته، لتعترضهم صورة ابنهم، عاجلا أو آجلا، مرفقا بالآية القرآنية: "وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ".