ولم يتأت لهم ذلك إلا باحتراف الاختراق ومنذ أمد ليس بالقليل..
بعد سقوط الخلافة الإسلامية وفرض سحر القطرية والقوانين الوضعية سقط معها أغلب العلماء والفقهاء.. في شراك التكييف الفقهي.. وتثبيت الوضع الجديد.. فقد كان هذا هو الدور المنوط بهم في عهد الخلافة، سواء في غرف "المبعوثان" (البرلمان)، أو تعاملا مع نصوص "المشروطية" (الدستور)..
ولم يكن لعلماء تلك الفترة أي إشكال في التفريق بين القانون الذي هو أحكام.. و الدستور الذي هو عقد وميثاق بين الشعب والحاكم..
ولم يكن العدو ليغفل عن هذا وهو الذي درس مناهجهم وخطّط لسقوطهم طيلة قرنين من الزمن.. فراح يخطط لأخطر اختراق في جسم الأمّة..
ألا وهو اختراق منظومتها الفقهية والتشريعية.. وكان ذلك فور تثبيت عملاءه بعد أن ثبّت حدود أقطارهم.. لمّا سمح بتلك البيعات لملوك وأمراء الحجاز على السمع والطاعة ما طبقت فيهم الشريعة..
فوضعت القوانين الوضعية مدبّجة بأن الإسلام دين الدولة.. وأنّ الشريعة مصدر القوانين.. ليبدأ الجميع بقبول التقسيم ودفع عجلة التكييف الفقهي والتشريعي لترسيخ دعائم الدولة الجديدة وبحلم استرجاع الخلافة التي تركوها قبيل قليل خلف ظهورهم نحو كبوة قرنية أو اكثر في سبيل تحقيق ذلك..
فكان أثر الإختراق نافذا وقاتلا من جهتين:
1 - اعتبار قبول التقسيم وإسقاط الخلافة العثمانية الإسلامية خطوة نحو بناء دويلات راشدة تمهيدا للخلافة الراشدة.. وذلك بتعامل المشرعين مع النصوص الجديدة المفخّخة مثل الإسلام دين الدولة.. والشريعة مصدر من مصادر التشريع.. وصولا إلى الأحوال الشخصية مصدرها الشريعة الإسلامية..
2- ترسيخ سلطة الدولة وتغيّيب سيادة الشريعة.. وهذا ما كان يحلم به أعداؤنا.. سلطة تقمع شعوب المنطقة.. ولا سيادة على ثرواتها الباطنية.. الطاقوية والمائية.. وأجوائها البرية والبحرية والجوية ولا قراراتها الدولية..
طبعا لم يخل ذلك العصر من علماء ربّانيين.. و قضاة مجتهدين.. ليبيّنوا حقيقة السحر.. وخطر الأمر.. كالقاضي محمد شاكر والعلاّمة الشيخ السعدي.. وغيرهم، لكن غياب الوعي وفشوّ الغلوّ والظلم أطفأ نبراسهم.. ليقضي الله أمرا كان مفعولا.
واليوم.. بعد مائة سنة من التيه في سراب القطرية.. وما أن بدأت الأجيال الصاعدة تتحرر من عُقد سحرها القديم.. حتى راح شياطين النظام الدولي ينفثون في عُقد سحر جديد ويسوقون وهما ثانيا أخطر مما سبق.. إنها خلافة مدّعاة أشبه بالأمّ الكاذبة العقيمة في طائفة النحل.. تقتل عاملاتها كل ملكة تولد.. خشية ضياع الشرعية.. فما تلبث إلا وطائفة النحل كلها بين هالك وشارد..
يعلم النظام الدولي يقينا أنّ القيادة في هذه الأمة قدريا.. و للأمة في ذلك تحركا ذاتيا.. ولم يكن له حيلة إلا بتسويق الخلافة الكاذبة لإجهاض الخلافة الراشدة قبل حينها وينعة ثمرتها.. وهي لاشك آتية..
فلابدّ لنا من ضبط نبوءاتنا المبثوثة في كتابنا وسنّة نبينا حتى لا تُسقط في غير أوانها و حول من موضعها ولا توظيف بأيدي أعدائنا..
ولا بدّ لنا من الرجوع لتلك الحقبة من الزمن.. وتشريح كيف تعامل فقهاء ومنظّرو ذلك العصر مع نوازل الأمة.. واكتشاف نقاط الاختراق وما ترتّب عنها من وهن وأغلال في منظومتنا الفقهية.
ثم نبدأ من جديد..
1
شارك
التعليقات (1)
د قاسم الجبوري
الإثنين، 20-07-201501:59 م
صدقت والله ولكن (ويمكرون ويمكر الله والله خسر الماكرين)